وزير الأوقاف يجتمع بمديري المديريات ويوجه بمتابعة جميع الأنشطة الدعوية والقرآنية    «شعبة الأسماك»: 50% ارتفاعًا بسعر الفسيخ عن العام الماضي.. والإقبال أقل من المتوقع    محافظ قنا يتفقد مزرعة الخراف لطرحها للبيع قبل عيد الأضحى    أبرز مستجدات إنشاء وتطوير الموانئ لتحويل مصر لمركز إقليمي للنقل وتجارة الترانزيت    الري تفتح الحدائق والمزارات أمام المواطنين في احتفالات شم النسيم    أحمد إمام يفوز بعضوية مجلس إدارة الاتحاد المصري لتمويل المشاريع المتوسطة والصغيرة    الأنباء الفرنسية: إسرائيل تقصف منطقتين طالبت بإخلائهما في رفح الفلسطينية    افتتاح دار واحة الرحمة في العاصمة الإدارية (صور)    نزوح أكثر من ألف أسرة بسبب الفيضانات في أفغانستان    باحث فلسطيني: صواريخ حماس على كرم أبو سالم عجّلت بعملية رفح الفلسطينية    رقم خرافي.. عرض قطري ضخم ل"علي معلول" يقربه من الرحيل عن الأهلي    فان دايك يكشف موقفه من الرحيل عن ليفربول نهاية الموسم    زياد السيسي يحقق ذهبية تاريخية لمصر في بطولة الجائزة الكبرى للسلاح    مع شم النسيم.. ضبط محل بحيازته سجائر أجنبية غير مصرح ببيعها بالإسكندرية    10 تعليمات من تعليم القاهرة لطلاب الصفين الأول والثاني الثانوي قبل الامتحانات    مصرع شخصين وإصابة 3 آخرين في حادث بالوادي الجديد    تعرف على إيرادات فيلم السرب ل أحمد السقا في خامس أيام عرضه    كيف دعم تركي آل الشيخ صديقه محمد عبده بعد إعلان إصابته بالسرطان؟    6 مشروبات مهمة يجب تناولها عقب وجبة الرنجة والفسيخ في شم النسيم    ختام فعاليات المؤتمر الرابع لجراحة العظام بطب قنا    معهد أمراض العيون: استقبال 31 ألف مريض وإجراء 7955 عملية خلال العام الماضي    حبس المتهمة بقتل زوجها بسبب إقامة والده معها في الإسكندرية    مصر تحقق الميدالية الذهبية فى بطولة الجائزة الكبرى للسيف بكوريا    وزير الشباب يشهد "المعسكر المجمع" لأبناء المحافظات الحدودية بمطروح    «الصحة»: إجراء 4095 عملية رمد متنوعة ضمن مبادرة إنهاء قوائم الانتظار    "دور المرأة في بناء الوعي".. موعد ومحاور المؤتمر الدول الأول للواعظات    متى يُغلق باب تلقي طلبات التصالح في مخالفات البناء؟ القانون يجيب    متروكة ومتهالكة في الشوارع.. رفع 37 سيارة ودراجة نارية بالقاهرة والجيزة    أسهلها الدفع أونلاين.. تعرف على طرق حجز تذاكر القطارات لكافة المحافظات (تفاصيل)    على مائدة إفطار.. البابا تواضروس يلتقي أحبار الكنيسة في دير السريان (صور)    5 ملفات تصدرت زيارة وفد العاملين بالنيابات والمحاكم إلى أنقرة    إيرادات علي ربيع تتراجع في دور العرض.. تعرف على إيرادات فيلم ع الماشي    "كبير عائلة ياسين مع السلامة".. رانيا محمود ياسين تنعى شقيق والدها    في ذكرى ميلادها.. محطات فنية بحياة ماجدة الصباحي (فيديو)    لماذا يتناول المصريون السمك المملح والبصل في شم النسيم؟.. أسباب أحدها عقائدي    مفاجأة.. فيلم نادر للفنان عمر الشريف في مهرجان الغردقة لسينما الشباب    وسيم السيسي: قصة انشقاق البحر الأحمر المنسوبة لسيدنا موسى غير صحيحة    زيادة قوائم المُحكمين.. تحديث النظام الإلكتروني لترقية أعضاء هيئة التدريس    طارق العشرى يُخطط لمفاجأة الأهلي في مواجهة الثلاثاء    جامعة أسيوط تنظيم أول مسابقة للتحكيم الصوري باللغة الإنجليزية على مستوى جامعات الصعيد (AUMT) 2024    الرئيس الصيني: نعتبر أوروبا شريكًا وتمثل أولوية في سياستنا الخارجية    هل أنت مدمن سكريات؟- 7 مشروبات تساعدك على التعافي    ضبط 156 كيلو لحوم وأسماك غير صالحة للاستهلاك الآدمي بالمنيا    التعليم تختتم بطولة الجمهورية للمدارس للألعاب الجماعية    الشرطة الأمريكية تقتل مريضًا نفسيًا بالرصاص    فشل في حمايتنا.. متظاهر يطالب باستقالة نتنياهو خلال مراسم إكليل المحرقة| فيديو    موعد عيد الأضحى لعام 2024: تحديدات الفلك والأهمية الدينية    مفاجأة عاجلة.. الأهلي يتفق مع النجم التونسي على الرحيل بنهاية الموسم الجاري    إزالة 9 حالات تعد على الأراضي الزراعية بمركز سمسطا في بني سويف    مقتل 6 أشخاص في هجوم بطائرة مسيرة أوكرانية على منطقة بيلجورود الروسية    ولو بكلمة أو نظرة.. الإفتاء: السخرية من الغير والإيذاء محرّم شرعًا    رئيس لجنة الدينية بمجلس النواب: طلب المدد من ال البيت أمر شرعي    "احنا مش بتوع كونفدرالية".. ميدو يفتح النار على جوميز ويطالبه بارتداء قناع السويسري    بالصور.. الأمطار تتساقط على كفر الشيخ في ليلة شم النسيم    أول تعليق من الأزهر على تشكيل مؤسسة تكوين الفكر العربي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 6-5-2024    قصر في الجنة لمن واظب على النوافل.. اعرف شروط الحصول على هذا الجزاء العظيم    البحوث الفلكية تكشف موعد غرة شهر ذي القعدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



‏سنوات الحوار‏2010-2011
نشر في الأهرام اليومي يوم 19 - 05 - 2011

‏لا يمكن أن نزعم اننا في يوم من الايام كنا نتوقع أيا من الاحداث التي باغتتنا في السنوات العشر الاخيرة‏,‏ فهل كان يتصور أحد أن تبدأ الألفية الجديدة بدعوة صريحة للحوار بين الحضارات انضمت إليها مصر عن اقتناع‏.‏ فبالنسبة لمصر لم يكن الأمر غريبا فهي تمثل حالة خاصة من الحوار بدأت منذ فجر التاريخ. ففي كل زمن كان هناك من يحط الرحال علي أرض مصر المحروسة ليستقر بها بعد سنوات ويصبح مصريا خالصا لا يذكر عن أمس قدومه الاول.
ورغم هذا فقد بدأت الالفية باعتداءات الحادي عشر من سبتمبر وأعقبها احتلال افغانستان والعراق وحرب لبنان وسلسلة أخيرة من نداءات الحرية بدأت في تونس ومصر منطلقة منها إلي الكثير من البلاد التي تري في مصر النموذج الذي يحتذي في البحث عن الحرية بل والبحث عن الحياة. مئات الأحداث الفارقة التي غيرت خريطة العالم, ومع هذا لا يمكننا ونحن نعود إلي بداية هذا العقد ونتابع معا فكرة الحوار التي نمت في أرض الحضارات الا أن ننظر إلي الخلف في ذهول.
فكل هذه الاحداث شهدها العالم في عقد لتتعاقب الأسئلة ومازالت لم تحدث اعتداءات سبتمبر وماذا لو كان الناس أكثر طمأنينة.. وماذا لو كانت الثورة المصرية ولدت قبل هذا العام بعشرة أعوام كاملة؟ وماذا لو عاد الناس ليقرأوا من جديد هذه الفكرة الجديدة القديمة التي تعرفها مصر منذ آلاف السنين... فكرة حوار الحضارات! ولنبدأ من البداية.
القصة الأولي:
مردم سالاري
جوه والهدف إعادة إرساء القيم التي تقوم عليها أي دولة. وهذا هو الحال
الذي كانت عليه إيران منذ أربعة عشر عاما وفي نفس الشهر في اليوم الثالث والعشرين من مايو الذي شهد أشهر انتخابات رئاسية في تاريخ إيران وهي الانتخابات التي جاءت بوجه جديد وهو السيد محمد خاتمي الذي يعرفه الكثير من الايرانيين وإن ظل الرجل مجهولا بالنسبة للكثير من وسائل الاعلام العالمية. فربما لم يتابع العالم بدقة ما يحدث في الداخل الايراني عندما أصبح خاتمي وزيرا للثقافة والارشاد طيلة عقد كامل, ثم مديرا للمكتبة الوطنية لسنوات أخري ليرصدوا أفكار الرجل الذي تحدث من قبل في زيارة له في لبنان عام1996 عن ضرورة وجود لسقف من التفاهم بين الحضارات المختلفة.
و برغم من هذا لم يستغرق هذا التعارف الكثير من الوقت, فسرعان ما تآلفت عدسات الكاميرات مع وجه وتعبيرات هذا الرجل ابن مدينة يزد والابن البار للمؤسسة الدينية في إيران والذي كان يبدو أكثر الوقت شخصا صاحب أفكار جديدة يرسيها عبر حوارات هادئة ووجه مبتسم. ولهذا استطاع بعد بضعة أشهر قليلة أن يحصل علي لقب الملا الضاحك.
وبداية لم يكن في حسابات السياسة أن يسجل هذا الرجل صعودا لما سمي بالتيار الاصلاحي في إيران الدولة في أقل من ثمانية عشر عاما لتصل إلي مرحلة أطلق عليها الكاتب الكبير فهمي هويدي ربيع الاصلاحيين في إيران رغم كونه في الاساس رجل دولة تولي العديد من المناصب منذ بداية الثورة وحتي توليه منصب رئيس الجمهورية.
ففي الوقت الذي كان الرئيس الشيخ رافسنجاني يستعد لمغادرة المقعد الرئاسي بعد أن نجح في تأسيس أسلوب برجماتي إصلاحي آخر في فترة شديدة الدقة شهدت الحرب الإيرانية, ومحاولات البعض الزج بالثورة التي أنتصرت في نهاية السبعينات في موضوعات وتحديات, وجد خاتمي أن المشهد معد أمامه للقيام بدور يمكن أن يوصف بالتنوير السياسي.
فحالة التخوف الشديد التي كان العالم ينظر من خلالها إلي بلاده كانت تستلزم التوقف عندها كثيرا وطرح أفكار للخروج من المأزق الخارجي, ففكرة عزلة الدولة لم تكن تروق لكل من في الداخل الايراني وإن اختلفت الافكار حول كيفية الخروج.
وقد وجد خاتمي ورجاله أن الوقت في صالحه والظروف مهيأة تماما لاطلاق فكرة حوار الحضارات.
والفكرة في الاساس تقوم علي مبدأ بسيط وصعب في الوقت ذاته, فإذا كنا نعيش في هذا العالم فلابد من وجود حضارات وثقافات كبري تحكم المشهد العالمي. وهذه الحضارات يمكن أن تتصارع وتتنافس فيما بينها لتأكيد وجودها الثقافي الذي يأتي غالبا مصحوبا بوجود اقتصادي أو سياسي أو حتي عسكري.
فالصيغة المبسطة للحضارة بآثارها وآدابها وأسلوب حياة البشر الذين ينسبون إليها ليست هي الاصل الآن في معني الحضارة, فقد أصبحت الحضارة ترتبط بنمط معين في الاقتصاد والسياسة ومنذ بداية العصور الحديثة ولهذا تتصارع اليوم من أجل تأكيد أكبر رقعة سيطرة علي حساب الآخرين.
وقد بحث خاتمي حوله فوجد نفسه يعيش في منطقة الشرق الاوسط وداخل كيان الحضارة الاسلامية التي خفت تأثيرها وإن لم يكن قد اختفي تماما. فالاسلام برحابته وسعة أفقه أضاف للمسلمين صفة التعليم والتعلم والانفتاح علي المجتمعات الأخري, واستطاع أن يكون حضارة خاصة به في أقل من خمسين عاما بعد بعثة الرسول صلي الله عليه وسلم. ولهذا لجأ خاتمي إلي أول مبادئ الاسلام التي تخص رحابة الصدر التي جعلت منه دينا عالميا يدخل فيه كل الاجناس ويضيفون إلي حضارته التي لا تلتزم شكلا راكدا بل تتجدد مع حركة الحياة والبشر.
فحقيقة أن في حضارة المسلمين تراثا ضخما وتاريخا كبيرا لابد أن يقرأ وينقح لنعرف كيف نتعامل معه. فهذا جانب من الاصلاح الداخلي الذي يمكن أن يأتي داخل باقة من الافكار التنويرية لاصلاح المجتمع.
فإذا نجحنا في التأكيد علي قيم التسامح والمشاركة في المجتمع نجحنا بعدها في أن نجلس مع من يختلفون عنا من البشر علي مائدة حوار وتفاهم ونحن في كامل إرادتنا السياسية والعلمية.
تصور مبسط تحول من مجرد أفكار وضعت في عدة كتب منها الديمقراطية وحاكمية الأمة و التنمية السياسية والتنمية الاقتصادية والامن و الاسلام والعالم و مدينة السياسة و مطالعات في الدين والاسلام والعصر و رسالة إلي الغد و المرأة والشباب و الخوف من الأمواج وغيرها إلي واقع يحمل اسم حوار الحضارات. فقد أنتقل خاتمي من الواقع الايراني الذي يعرفه جيدا إلي الواقع الاسلامي الذي يفهمه بحكم نشأته في أسرة متدينة وصعوده في ظل ثورة يؤمن بها إلي الواقع العالمي الذي يعرف تفاصيله بوصفه سياسيا وأكاديميا قضي عددا من السنوات مديرا للمركز الاسلامي بهامبورج بألمانيا وأستاذا جامعيا ومستشارا لرئيس الجمهورية.
وهكذا أصبح المفكر والفيلسوف رئيسا للجمهورية في واقعة ربما لا تحدث كثيرا في مثل هذه الأيام وإن كانت مرشحة لان تكون مبدأ غدا. وفي عام2001 تحقق لخاتمي ما أراد فإذا كان السيد خاتمي قد اصاب وأخفق في شئون بلاده شأنه شأن غيره من البشر, فإن دعوته في الامم المتحدة في عام1999 لاختيار عام2001 عاما للحوار بين الحضارات علي مستوي العالم انما يؤكد أن الكلمة لا يمكن أن تسجن داخل مكان أو زمان. فحقا للأفكار أجنحة تحلق بها بعيدا عن ردهات السياسة وشروط الثقافة ومفروضيات الاقتصاد.
وقد أصبح بعدها شخص كصمويل هنتجتون بفكرته حول تصادم الحضارات كشخص يحمل في دعواه الكثير من الشبهات السياسية أكثر من كونه مفكرا يبحث لأفكاره عن موطن لتنمية البشر.
فمشروع صمويل هنتجتون ونظريته في صدام الحضارات التي سبقت كانت في الاصل محصلة لمشروع دراسي بحثي قام به معهد أولين للدراسات الاستراتيجية بجامعة هارفارد. وصدام الحضارات يري أن هناك فروقا بين الحضارات وهو موجود في التاريخ واللغة والدين والثقافة والتقاليد. وهي فوارق- كما يقول الراحل د. عبد العزيز حمودة عنها في مقاله تصادم الحضارات أم حوار الحضارات تؤدي وتعمق الاختلافات حول مفاهيم الحقوق والواجبات والسلطة والحرية وهو ما يؤدي إلي صراعات دموية.
مفكر إيراني أخر من نفس حزب خاتمي الداعي للحوار هو د.عطاء الله مهاجراني وزير الثقافة والارشاد في حكومة خاتمي في فترة رئاسته الأولي ورئيس المركز الدولي لحوار الحضارات السابق في طهران يواصل نفس التفسيرات الحضارية ففي كتابه التسامح والعنف في الاسلام يؤكد علي حقيقة ضرورة وجود التسامح الثقافي والحريات الفكرية في المجتمع الاسلامي ويبين أصولها من المصادر الاسلامية.
والاهم الآن كما يقول: إقامة حوار بين الأديان. فالحاجة إليه باتت ماسة أكثر من ذي قبل. فتخيل إنك تواجه هرما تاريخيا مكونا من عناصر أو أركان مهمة تشكل كلا من الجانب الداخلي والخارجي من هذا الهرم. وتلعب ثلاثة أركان الدور الرئيسي في تكوين هذا البناء. فإذا كانت الحضارة هي الهرم, فالثقافة هي روحه أو جوهره وجوهر الثقافة هي الروحانية. إن الدين هو التجسيد الرسمي للروحانية في مختلف الامكنة والأزمنة. فعلي مدي العقود الماضية سمعنا نظريتين الأولي هي صدام الحضارات والثانية هي حوار الحضارات, والاهم هو التفكير في وضع تعريف لكل منهما. فنحن في حاجة إلي إصلاح حقيقي في دراسة الدين. ومن دون إصلاح لن يكون هناك نور في نهاية النفق المظلم.
رأي يتفق عليه ان كان الحوار بين الأديان, كما يقول البروفسيور أكمل الدين إحسان أمين عام منظمة المؤتمر الاسلامي هو حوار لايجاد وسائل تفاهم أكثر وهو أمر مقبول ويجب ان نستمر فيه. ولكن إذا عدنا إلي حوار الحضارات فنقول انه في هذا الحوار يجب ان نتوخي أمرين. أولا يجب ان تكون هناك التزامات سياسية لدي الأطراف المعنية لعدم بث الكراهية والعدوانية لدي طرف ضد الآخر وان يكون هناك التزام بمد الاعلام بالوثائق والمعلومات والآراء الموضوعية عن الطرف الآخر لتحل محل الأفكار المسبقة وتيار التحامل.
حوارات مصرية
القصة الثانية:
صعب جدا أن نرصد محاولة حوار الحضارات في مصر, فإذا كان السيد محمد خاتمي قد أعاد هذه الفكرة في إيران وخاصة وان الفكرة قد ولدت
في عصور أخري وعلي أرضية مختلفة في بلاده في عصور الدولة الفارسية الأولي, فإن الوضع في مصر أكثر تعقيدا.
فهو حوار قد ينسب إلي العصر الفرعوني الذي شهد دخول الكثير من الاجناس الوافدة داخل جناح الدولة المصرية منذ نشأتها الاولي قبل زمن الاسرات الفرعونية. وقد ينسب إلي زمن البطالمة حين كانت الاسكندرية سيدة العالم, فنهاية المتوسط هي الاهرامات في عرف مفكر كبوديل. كما أن الاسكندرية كانت مهد الترجمات والفلسفات من خلال مكتبة الاسكندرية والموسيون الملكي الذي حافظ علي تراث أبقراط وجالينوس وأبوللونيوس وهيباتيا وثيون. فإذا كانت هذه الاسماء تخص فلاسفة وعلماء مصريين فقد قامت الاسكندرية بعدها في عصر الدولة الاسلامية واشتبكت معها القاهرة فيما بعد في ترجمة العديد من الكتب السريانية والأرامية واليونانية إلي العربية وقدمت نفس المهمة التي قدمتها دار الحكمة في بغداد فيما بعد.
وإن كانت هناك قضية تخص هذا التراث, كما يقول الكاتب والمحقق د. يوسف زيدان: فالتراث العربي الاسلامي لم يظهر فجأة في الفراغ. وفهم التراث العربي الاسلامي دون النظر في سوابقه اللغوية والدينية هو أمر مستحيل. وكيف نظن أن تراثنا اللغوي والكتابة قد تدفقا مقطوعي الصلة باللغات القديمة التي عاصرت فجر اللغة العربية؟ وكيف نتوهم أن التراث العلمي العربي ظهر فجأة بعد حركة النقل والترجمة كوصلة بين التراثين اليوناني القديم والعربي المستفيد منه. فالمشكلة أن أوروبا وبعد عشرين عاما من ظهور المطبعة بدأت في نشر تراثنا العربي وبعدها بقرابة قرنين ونصف القرن من الزمان بدأ العرب ينشرون علي استحياء تراثهم في بلادهم.
الا أن الجدير بالتوقف عنده هو الحياة المصرية نفسها. فليس صحيحا ما قد قيل عن أن مصر كانت في يوم من الايام كيانا مغلقا أو متخلفا بل علي العكس فهناك الأزهر الشريف الذي قاد معركة التأصيل والتي كانت تعني في وقت من الأوقات الحفاظ علي الكيان المصري والاصلاح الداخلي والوقوف أمام رغبات الحاكم الذي غالبا لم يكن ممن ينتمون لنفس جنس المواطن المصري. كما أن الأزهر لم يكن فقط ليلعب دورا طليعيا في الحياة المصرية دون أن يتقدم بشيوخ أمثال الشيخ الدمنهوري الذي جمع بين العلوم التطبيقية والنظرية والشيخ حسن العطار الذي حاول أثناء الحملة الفرنسية علي مصر أن يفهم معني تفوق هؤلاء الفرنسيين علي المصريين. وقد ساند الحركة التنويرية في مصر بترشيحه تلميذه الشيخ رفاعة الطهطاوي لرحلة فرنسا ليؤم المصريين في الصلوات ويذكرهم بدينهم. فلو لم يزرع الشيخ العطار داخل تلميذه الشيخ الطهطاوي معني الانفتاح علي الآخر وضرورة الاصلاح الداخلي التي تقوم عليها فكرة حوار الحضارات لما عاد محملا بعلوم ورؤية تبصيرية تدعو إلي مصر جديدة.
فلم تكن رؤيا الشيخ الطهطاوي التي جاءت متضمنة في كتابه تخليص الابريز في تلخيص باريز تتبتعد كثيرا عن التعرض بجرأة لم يعتبرها المصريون للحقوق والدستور. وبعدها بحوالي خمسة وثلاثين عاما تحدث الطهطاوي بشكل أكثر موضوعية عن الحرية والديقراطية في كتابه مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية ويقول: لقد تأسست الممالك لحفظ حقوق الرعايا والحرية وصيانة النفس والمال والعرض علي موجب أحكام شرعية وأصول مضبوطة مرعية, فالملك يتقلد الحكومة لسياسة رعاياه علي موجب القوانين.
واستمر المشروع التنويري الحواري من بعد الطهطاوي مع رجال كلطفي السيد وقاسم أمين. الا ان أكثر ما يمكن أن ينسب إليهم من نجاح هو النقد الذاتي. فكما يقول المفكر الكبير السيد يسين: لابد من وجود الثقة في الذات حتي ولو كان الطرف الآخر أقوي ثقافيا فلا مانع من أن نأخذ منه, فالتلميذ يمكن ان يعلم أستاذه ولا حرج في ذلك. فالأخذ والعطاء أمر بالغ الأهمية.
القصة الثالثة:
تعارف الحضارات
مرة أخري نعود إلي نفس فكرة التعارف والتحاور. ففي الاسكندرية التي كانت تقوم بنفس هذه المهمة لآلاف السنين بدافع حضاري, وليس سياسيا أو إقتصاديا. كانت تدور مناقشة أخري هذا الاسبوع. هذه المناقشة كانت تستفسر في بدايتها عن معني تعارف الحضارات. ففي العالم نشأت حضارات منذ فجر التاريخ وقد أعترف بالحضارة المصرية والعراقية والرومانية واليونانية كواضعي مبادئ لفكرة التحاور بين البشر. وهم بالفعل ليسوا كل الحضارات التي تناولت هذه الفكرة, فلا يستطيع أحد استثناء تجارب الشرق الآسيوي او الغرب الاوروبي أو حتي حضارات الأمريكتين عندما نتحدث عن حضارات لها تاريخ. الا اننا في الاسكندرية الان وبعد مرور عشر سنوات نناقشها من زوايا أخري فهناك الفكرة نفسها ومعني التعارف الحضاري في الفكر الاسلامي والخبرة والممارسة ونماذج من أدب الرحلات ومناقشة معني تعارف الحضارات ومدي تأثيره علي العالم والحضور المسيحي العربي في مسألة تعرف الحضارات. وهي رؤي اجتمع لها مفكرون وباحثون من مصر والسعودية والمغرب والجزائر وتركيا وإيران. وكلها تهدف منذ البداية وكما يقول د. صلاح الجوهري أي تعميق الفكرة وتأكيد معني وجودها في المنظمات الدولية.
ولاعجب في وجود هذه الرغبة في التعارف الآن بين الحضارات, فنحن في مصر الآن نبحث مرة أخري عن الطريق لوجود نقد ذاتي في الاتجاه الصحيح وإصلاح الداخل. كما اننا في الوقت نفسه نسعي للحوار مع الآخر من خلال سياسة خارجية ناجحة ومن خلال الوصول إلي العالم من خلال دوائر أربع كما يحددها د. إسماعيل سراج الدين الدائرة العربية التي تعد الاتجاه الاكثر قربا وتأثيرا والذي يجب أن تسلكه مصر كأول أولوياتها, ثم الاتجاه الاسلامي وهو اتجاه يسير بمحاذاة الدائرة العربية بل ويضيف إليها الكثير من العلاقات الناجحة التي يجب أن تجمعنا بدول آسيا بكل ثقلها ودولها العربية, بالاضافة إلي كتلة آسيا الوسطي وتركيا وإيران, والدائرة الافريقية التي يجب ان نعبر إليها عبر الدول الاسلامية وعبر اهتمامنا بالقارة السمراء التي تركناها بعيدة عن الاهتمام والوجود المصري لسنوات. وأما الدائرة الرابعة فهي الخاصة بحوض البحر المتوسط الذي يعتبر أهم روافد الحضارة المصرية والتي تقف الاسكندرية الآن كشاهد علي هذا الدور المتجدد, فهذه الدوائر والاتجاهات الأربع ضرورة لمصر الآن لكي تعبر إلي مرحلة العطاء الدولي الذي يجعلها دولة تقف في مصاف الدول المتقدمة في هذا العالم.
ولهذا فقد كانت السنوات العشر الاخيرة سنوات جديرة بأن تفهم رغم كل ما حدث, فلا يمكن للناس أن تحيا وسط عالم ينعم بشئ من التناغم دون أن يكون هناك تعارف بينهم ودون أن يكون هناك حوار. فالفكرة لا تموت والأيام في صفها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.