التضامن الاجتماعي تختار أفضل الأسر البديلة لكفالة الأطفال    قوات الدفاع الشعبي والعسكري تواصل تنفيذ الأنشطة والفعاليات لدعم المجتمع المدني    تشكيل مانشستر سيتي المتوقع أمام ساوثهامبتون.. موقف مرموش    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 10-5-2025 في محافظة قنا    حاجة الأمة إلى رجل الدولة    لأصحاب الخمسينات.. 3 طرق للتخلص من المشاكل المعوية    الإحصاء: ارتفاع أسعار الملابس الجاهزة بنسبة 14.1% والأحذية 15.2% خلال عام    ريشة «الفلافلي» حائرة بين الراهب وآدم وحواء    منة وهنا وأسماء وتارا.. نجمات يسيطرن على شاشة السينما المصرية    ثنائيات سينمائية تشعل شباك التذاكر في 2025    علامات لو ظهرت على طفلك، مؤشر للإصابة بمقاومة الأنسولين    اليوم.. محاكمة 9 متهمين بخلية "ولاية داعش الدلتا"    آخر تطورات الحرب بين الهند وباكستان| بدء مواجهات عسكرية جديدة    الرئيس السيسي: أشكر بوتين على كرم الضيافة وأهنئ الشعب الروسي بعيد النصر    تعرف على أسعار الذهب اليوم السبت 10 مايو 2025    مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة.. ظهور مرموش ومدرب الأهلي المحتمل    مشجع أهلاوي يمنح ثنائي البنك مكافأة خاصة بعد الفوز على بيراميدز    اليوم.. بدء الموجة ال 26 لإزالة التعديات على أراضي الدولة    «احذر الخروج في هذه الأوقات».. الأرصاد تُصدر نشرة طقس عاجلة اليوم السبت 10 مايو 2025    "جميعها حالات اختناق".. إصابة 11 جراء حريق قويسنا بالمنوفية (صور)    حبس لص المساكن بالخليفة    45 دقيقة تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. السبت 10 مايو 2025    «المضارين من قانون الإيجار القديم» توضح مطالبها من القانون الجديد (تفاصيل)    جداول امتحانات الترم الثاني 2025 في محافظة سوهاج لجميع المراحل الدراسية    تكريم مجدي يعقوب ورواد الطب بنقابة الأطباء اليوم    روبيو يحث قائد الجيش الباكستاني على وقف التصعيد مع الهند    الجيش الباكستاني: رئيس الوزراء شهباز شريف يدعو إلى اجتماع لهيئة القيادة الوطنية    أسعار الخضروات والأسماك اليوم السبت 10 مايو بسوق العبور للجملة    الرئيس السيسي يعود إلى مصر بعد حضوره احتفالات عيد النصر بموسكو    نشرة التوك شو| البترول تعلق على أزمة البنزين المغشوش.. وتفاصيل جديدة في أزمة بوسي شلبي    بعد 8 ساعات.. السيطرة على حريق شونة الكتان بشبرا ملس    مدير مدرسة السلام في واقعة الاعتداء: «الخناقة حصلت بين الناس اللي شغالين عندي وأولياء الأمور»    شعبة الأجهزة الكهربائية: المعلومات أحد التحديات التي تواجه صغار المصنعين    الشعب الجمهوري بالمنيا ينظم احتفالية كبرى لتكريم الأمهات المثاليات.. صور    هل تجوز صلاة الرجل ب"الفانلة" بسبب ارتفاع الحرارة؟.. الإفتاء توضح    زعيم كوريا الشمالية: مشاركتنا في الحرب الروسية الأوكرانية مبررة    تحرك مرتقب من الأهلي بشأن محمد علي بن رمضان.. إبراهيم فايق يكشف    «زي النهارده».. وفاة الأديب والمفكر مصطفى صادق الرافعي 10 مايو 1937    «زي النهارده».. وفاة الفنانة هالة فؤاد 10 مايو 1993    ملك أحمد زاهر تشارك الجمهور صورًا مع عائلتها.. وتوجه رسالة لشقيقتها ليلى    «صحة القاهرة» تكثف الاستعدادات لاعتماد وحداتها الطبية من «GAHAR»    تعرف على منافس منتخب مصر في ربع نهائي كأس أمم أفريقيا للشباب    رايو فاليكانو يحقق فوزا ثمينا أمام لاس بالماس بالدوري الإسباني    الجيش الباكستاني: الهند أطلقت صواريخ باليستية سقطت في أراضيها    عباسى يقود "فتاة الآرل" على أنغام السيمفونى بالأوبرا    ستاندرد آند بورز تُبقي على التصنيف الائتماني لإسرائيل مع نظرة مستقبلية سلبية    الأعراض المبكرة للاكتئاب وكيف يمكن أن يتطور إلى حاد؟    النائب العام يلتقي أعضاء النيابة العامة وموظفيها بدائرة نيابة استئناف المنصورة    البترول: تلقينا 681 شكوى ليست جميعها مرتبطة بالبنزين.. وسنعلن النتائج بشفافية    فخري الفقي: تسهيلات ضريبية تخلق نظامًا متكاملًا يدعم الاقتصاد الرسمي ويحفز الاستثمار    جامعة القاهرة تكرّم رئيس المحكمة الدستورية العليا تقديرًا لمسيرته القضائية    أمين الفتوى: طواف الوداع سنة.. والحج صحيح دون فدية لمن تركه لعذر (فيديو)    متابعة للأداء وتوجيهات تطويرية جديدة.. النائب العام يلتقي أعضاء وموظفي نيابة استئناف المنصورة    «بُص في ورقتك».. سيد عبدالحفيظ يعلق على هزيمة بيراميدز بالدوري    عمرو أديب بعد هزيمة بيراميدز: البنك الأهلي أحسن بنك في مصر.. والزمالك ظالم وليس مظلومًا    بسبب عقب سيجارة.. نفوق 110 رأس أغنام في حريق حظيرة ومزرعة بالمنيا    «لماذا الجبن مع البطيخ؟».. «العلم» يكشف سر هذا الثنائي المدهش لعشاقه    هل يجوز الحج عن الوالدين؟ الإفتاء تُجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



‏سنوات الحوار‏2010-2011
نشر في الأهرام اليومي يوم 19 - 05 - 2011

‏لا يمكن أن نزعم اننا في يوم من الايام كنا نتوقع أيا من الاحداث التي باغتتنا في السنوات العشر الاخيرة‏,‏ فهل كان يتصور أحد أن تبدأ الألفية الجديدة بدعوة صريحة للحوار بين الحضارات انضمت إليها مصر عن اقتناع‏.‏ فبالنسبة لمصر لم يكن الأمر غريبا فهي تمثل حالة خاصة من الحوار بدأت منذ فجر التاريخ. ففي كل زمن كان هناك من يحط الرحال علي أرض مصر المحروسة ليستقر بها بعد سنوات ويصبح مصريا خالصا لا يذكر عن أمس قدومه الاول.
ورغم هذا فقد بدأت الالفية باعتداءات الحادي عشر من سبتمبر وأعقبها احتلال افغانستان والعراق وحرب لبنان وسلسلة أخيرة من نداءات الحرية بدأت في تونس ومصر منطلقة منها إلي الكثير من البلاد التي تري في مصر النموذج الذي يحتذي في البحث عن الحرية بل والبحث عن الحياة. مئات الأحداث الفارقة التي غيرت خريطة العالم, ومع هذا لا يمكننا ونحن نعود إلي بداية هذا العقد ونتابع معا فكرة الحوار التي نمت في أرض الحضارات الا أن ننظر إلي الخلف في ذهول.
فكل هذه الاحداث شهدها العالم في عقد لتتعاقب الأسئلة ومازالت لم تحدث اعتداءات سبتمبر وماذا لو كان الناس أكثر طمأنينة.. وماذا لو كانت الثورة المصرية ولدت قبل هذا العام بعشرة أعوام كاملة؟ وماذا لو عاد الناس ليقرأوا من جديد هذه الفكرة الجديدة القديمة التي تعرفها مصر منذ آلاف السنين... فكرة حوار الحضارات! ولنبدأ من البداية.
القصة الأولي:
مردم سالاري
جوه والهدف إعادة إرساء القيم التي تقوم عليها أي دولة. وهذا هو الحال
الذي كانت عليه إيران منذ أربعة عشر عاما وفي نفس الشهر في اليوم الثالث والعشرين من مايو الذي شهد أشهر انتخابات رئاسية في تاريخ إيران وهي الانتخابات التي جاءت بوجه جديد وهو السيد محمد خاتمي الذي يعرفه الكثير من الايرانيين وإن ظل الرجل مجهولا بالنسبة للكثير من وسائل الاعلام العالمية. فربما لم يتابع العالم بدقة ما يحدث في الداخل الايراني عندما أصبح خاتمي وزيرا للثقافة والارشاد طيلة عقد كامل, ثم مديرا للمكتبة الوطنية لسنوات أخري ليرصدوا أفكار الرجل الذي تحدث من قبل في زيارة له في لبنان عام1996 عن ضرورة وجود لسقف من التفاهم بين الحضارات المختلفة.
و برغم من هذا لم يستغرق هذا التعارف الكثير من الوقت, فسرعان ما تآلفت عدسات الكاميرات مع وجه وتعبيرات هذا الرجل ابن مدينة يزد والابن البار للمؤسسة الدينية في إيران والذي كان يبدو أكثر الوقت شخصا صاحب أفكار جديدة يرسيها عبر حوارات هادئة ووجه مبتسم. ولهذا استطاع بعد بضعة أشهر قليلة أن يحصل علي لقب الملا الضاحك.
وبداية لم يكن في حسابات السياسة أن يسجل هذا الرجل صعودا لما سمي بالتيار الاصلاحي في إيران الدولة في أقل من ثمانية عشر عاما لتصل إلي مرحلة أطلق عليها الكاتب الكبير فهمي هويدي ربيع الاصلاحيين في إيران رغم كونه في الاساس رجل دولة تولي العديد من المناصب منذ بداية الثورة وحتي توليه منصب رئيس الجمهورية.
ففي الوقت الذي كان الرئيس الشيخ رافسنجاني يستعد لمغادرة المقعد الرئاسي بعد أن نجح في تأسيس أسلوب برجماتي إصلاحي آخر في فترة شديدة الدقة شهدت الحرب الإيرانية, ومحاولات البعض الزج بالثورة التي أنتصرت في نهاية السبعينات في موضوعات وتحديات, وجد خاتمي أن المشهد معد أمامه للقيام بدور يمكن أن يوصف بالتنوير السياسي.
فحالة التخوف الشديد التي كان العالم ينظر من خلالها إلي بلاده كانت تستلزم التوقف عندها كثيرا وطرح أفكار للخروج من المأزق الخارجي, ففكرة عزلة الدولة لم تكن تروق لكل من في الداخل الايراني وإن اختلفت الافكار حول كيفية الخروج.
وقد وجد خاتمي ورجاله أن الوقت في صالحه والظروف مهيأة تماما لاطلاق فكرة حوار الحضارات.
والفكرة في الاساس تقوم علي مبدأ بسيط وصعب في الوقت ذاته, فإذا كنا نعيش في هذا العالم فلابد من وجود حضارات وثقافات كبري تحكم المشهد العالمي. وهذه الحضارات يمكن أن تتصارع وتتنافس فيما بينها لتأكيد وجودها الثقافي الذي يأتي غالبا مصحوبا بوجود اقتصادي أو سياسي أو حتي عسكري.
فالصيغة المبسطة للحضارة بآثارها وآدابها وأسلوب حياة البشر الذين ينسبون إليها ليست هي الاصل الآن في معني الحضارة, فقد أصبحت الحضارة ترتبط بنمط معين في الاقتصاد والسياسة ومنذ بداية العصور الحديثة ولهذا تتصارع اليوم من أجل تأكيد أكبر رقعة سيطرة علي حساب الآخرين.
وقد بحث خاتمي حوله فوجد نفسه يعيش في منطقة الشرق الاوسط وداخل كيان الحضارة الاسلامية التي خفت تأثيرها وإن لم يكن قد اختفي تماما. فالاسلام برحابته وسعة أفقه أضاف للمسلمين صفة التعليم والتعلم والانفتاح علي المجتمعات الأخري, واستطاع أن يكون حضارة خاصة به في أقل من خمسين عاما بعد بعثة الرسول صلي الله عليه وسلم. ولهذا لجأ خاتمي إلي أول مبادئ الاسلام التي تخص رحابة الصدر التي جعلت منه دينا عالميا يدخل فيه كل الاجناس ويضيفون إلي حضارته التي لا تلتزم شكلا راكدا بل تتجدد مع حركة الحياة والبشر.
فحقيقة أن في حضارة المسلمين تراثا ضخما وتاريخا كبيرا لابد أن يقرأ وينقح لنعرف كيف نتعامل معه. فهذا جانب من الاصلاح الداخلي الذي يمكن أن يأتي داخل باقة من الافكار التنويرية لاصلاح المجتمع.
فإذا نجحنا في التأكيد علي قيم التسامح والمشاركة في المجتمع نجحنا بعدها في أن نجلس مع من يختلفون عنا من البشر علي مائدة حوار وتفاهم ونحن في كامل إرادتنا السياسية والعلمية.
تصور مبسط تحول من مجرد أفكار وضعت في عدة كتب منها الديمقراطية وحاكمية الأمة و التنمية السياسية والتنمية الاقتصادية والامن و الاسلام والعالم و مدينة السياسة و مطالعات في الدين والاسلام والعصر و رسالة إلي الغد و المرأة والشباب و الخوف من الأمواج وغيرها إلي واقع يحمل اسم حوار الحضارات. فقد أنتقل خاتمي من الواقع الايراني الذي يعرفه جيدا إلي الواقع الاسلامي الذي يفهمه بحكم نشأته في أسرة متدينة وصعوده في ظل ثورة يؤمن بها إلي الواقع العالمي الذي يعرف تفاصيله بوصفه سياسيا وأكاديميا قضي عددا من السنوات مديرا للمركز الاسلامي بهامبورج بألمانيا وأستاذا جامعيا ومستشارا لرئيس الجمهورية.
وهكذا أصبح المفكر والفيلسوف رئيسا للجمهورية في واقعة ربما لا تحدث كثيرا في مثل هذه الأيام وإن كانت مرشحة لان تكون مبدأ غدا. وفي عام2001 تحقق لخاتمي ما أراد فإذا كان السيد خاتمي قد اصاب وأخفق في شئون بلاده شأنه شأن غيره من البشر, فإن دعوته في الامم المتحدة في عام1999 لاختيار عام2001 عاما للحوار بين الحضارات علي مستوي العالم انما يؤكد أن الكلمة لا يمكن أن تسجن داخل مكان أو زمان. فحقا للأفكار أجنحة تحلق بها بعيدا عن ردهات السياسة وشروط الثقافة ومفروضيات الاقتصاد.
وقد أصبح بعدها شخص كصمويل هنتجتون بفكرته حول تصادم الحضارات كشخص يحمل في دعواه الكثير من الشبهات السياسية أكثر من كونه مفكرا يبحث لأفكاره عن موطن لتنمية البشر.
فمشروع صمويل هنتجتون ونظريته في صدام الحضارات التي سبقت كانت في الاصل محصلة لمشروع دراسي بحثي قام به معهد أولين للدراسات الاستراتيجية بجامعة هارفارد. وصدام الحضارات يري أن هناك فروقا بين الحضارات وهو موجود في التاريخ واللغة والدين والثقافة والتقاليد. وهي فوارق- كما يقول الراحل د. عبد العزيز حمودة عنها في مقاله تصادم الحضارات أم حوار الحضارات تؤدي وتعمق الاختلافات حول مفاهيم الحقوق والواجبات والسلطة والحرية وهو ما يؤدي إلي صراعات دموية.
مفكر إيراني أخر من نفس حزب خاتمي الداعي للحوار هو د.عطاء الله مهاجراني وزير الثقافة والارشاد في حكومة خاتمي في فترة رئاسته الأولي ورئيس المركز الدولي لحوار الحضارات السابق في طهران يواصل نفس التفسيرات الحضارية ففي كتابه التسامح والعنف في الاسلام يؤكد علي حقيقة ضرورة وجود التسامح الثقافي والحريات الفكرية في المجتمع الاسلامي ويبين أصولها من المصادر الاسلامية.
والاهم الآن كما يقول: إقامة حوار بين الأديان. فالحاجة إليه باتت ماسة أكثر من ذي قبل. فتخيل إنك تواجه هرما تاريخيا مكونا من عناصر أو أركان مهمة تشكل كلا من الجانب الداخلي والخارجي من هذا الهرم. وتلعب ثلاثة أركان الدور الرئيسي في تكوين هذا البناء. فإذا كانت الحضارة هي الهرم, فالثقافة هي روحه أو جوهره وجوهر الثقافة هي الروحانية. إن الدين هو التجسيد الرسمي للروحانية في مختلف الامكنة والأزمنة. فعلي مدي العقود الماضية سمعنا نظريتين الأولي هي صدام الحضارات والثانية هي حوار الحضارات, والاهم هو التفكير في وضع تعريف لكل منهما. فنحن في حاجة إلي إصلاح حقيقي في دراسة الدين. ومن دون إصلاح لن يكون هناك نور في نهاية النفق المظلم.
رأي يتفق عليه ان كان الحوار بين الأديان, كما يقول البروفسيور أكمل الدين إحسان أمين عام منظمة المؤتمر الاسلامي هو حوار لايجاد وسائل تفاهم أكثر وهو أمر مقبول ويجب ان نستمر فيه. ولكن إذا عدنا إلي حوار الحضارات فنقول انه في هذا الحوار يجب ان نتوخي أمرين. أولا يجب ان تكون هناك التزامات سياسية لدي الأطراف المعنية لعدم بث الكراهية والعدوانية لدي طرف ضد الآخر وان يكون هناك التزام بمد الاعلام بالوثائق والمعلومات والآراء الموضوعية عن الطرف الآخر لتحل محل الأفكار المسبقة وتيار التحامل.
حوارات مصرية
القصة الثانية:
صعب جدا أن نرصد محاولة حوار الحضارات في مصر, فإذا كان السيد محمد خاتمي قد أعاد هذه الفكرة في إيران وخاصة وان الفكرة قد ولدت
في عصور أخري وعلي أرضية مختلفة في بلاده في عصور الدولة الفارسية الأولي, فإن الوضع في مصر أكثر تعقيدا.
فهو حوار قد ينسب إلي العصر الفرعوني الذي شهد دخول الكثير من الاجناس الوافدة داخل جناح الدولة المصرية منذ نشأتها الاولي قبل زمن الاسرات الفرعونية. وقد ينسب إلي زمن البطالمة حين كانت الاسكندرية سيدة العالم, فنهاية المتوسط هي الاهرامات في عرف مفكر كبوديل. كما أن الاسكندرية كانت مهد الترجمات والفلسفات من خلال مكتبة الاسكندرية والموسيون الملكي الذي حافظ علي تراث أبقراط وجالينوس وأبوللونيوس وهيباتيا وثيون. فإذا كانت هذه الاسماء تخص فلاسفة وعلماء مصريين فقد قامت الاسكندرية بعدها في عصر الدولة الاسلامية واشتبكت معها القاهرة فيما بعد في ترجمة العديد من الكتب السريانية والأرامية واليونانية إلي العربية وقدمت نفس المهمة التي قدمتها دار الحكمة في بغداد فيما بعد.
وإن كانت هناك قضية تخص هذا التراث, كما يقول الكاتب والمحقق د. يوسف زيدان: فالتراث العربي الاسلامي لم يظهر فجأة في الفراغ. وفهم التراث العربي الاسلامي دون النظر في سوابقه اللغوية والدينية هو أمر مستحيل. وكيف نظن أن تراثنا اللغوي والكتابة قد تدفقا مقطوعي الصلة باللغات القديمة التي عاصرت فجر اللغة العربية؟ وكيف نتوهم أن التراث العلمي العربي ظهر فجأة بعد حركة النقل والترجمة كوصلة بين التراثين اليوناني القديم والعربي المستفيد منه. فالمشكلة أن أوروبا وبعد عشرين عاما من ظهور المطبعة بدأت في نشر تراثنا العربي وبعدها بقرابة قرنين ونصف القرن من الزمان بدأ العرب ينشرون علي استحياء تراثهم في بلادهم.
الا أن الجدير بالتوقف عنده هو الحياة المصرية نفسها. فليس صحيحا ما قد قيل عن أن مصر كانت في يوم من الايام كيانا مغلقا أو متخلفا بل علي العكس فهناك الأزهر الشريف الذي قاد معركة التأصيل والتي كانت تعني في وقت من الأوقات الحفاظ علي الكيان المصري والاصلاح الداخلي والوقوف أمام رغبات الحاكم الذي غالبا لم يكن ممن ينتمون لنفس جنس المواطن المصري. كما أن الأزهر لم يكن فقط ليلعب دورا طليعيا في الحياة المصرية دون أن يتقدم بشيوخ أمثال الشيخ الدمنهوري الذي جمع بين العلوم التطبيقية والنظرية والشيخ حسن العطار الذي حاول أثناء الحملة الفرنسية علي مصر أن يفهم معني تفوق هؤلاء الفرنسيين علي المصريين. وقد ساند الحركة التنويرية في مصر بترشيحه تلميذه الشيخ رفاعة الطهطاوي لرحلة فرنسا ليؤم المصريين في الصلوات ويذكرهم بدينهم. فلو لم يزرع الشيخ العطار داخل تلميذه الشيخ الطهطاوي معني الانفتاح علي الآخر وضرورة الاصلاح الداخلي التي تقوم عليها فكرة حوار الحضارات لما عاد محملا بعلوم ورؤية تبصيرية تدعو إلي مصر جديدة.
فلم تكن رؤيا الشيخ الطهطاوي التي جاءت متضمنة في كتابه تخليص الابريز في تلخيص باريز تتبتعد كثيرا عن التعرض بجرأة لم يعتبرها المصريون للحقوق والدستور. وبعدها بحوالي خمسة وثلاثين عاما تحدث الطهطاوي بشكل أكثر موضوعية عن الحرية والديقراطية في كتابه مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية ويقول: لقد تأسست الممالك لحفظ حقوق الرعايا والحرية وصيانة النفس والمال والعرض علي موجب أحكام شرعية وأصول مضبوطة مرعية, فالملك يتقلد الحكومة لسياسة رعاياه علي موجب القوانين.
واستمر المشروع التنويري الحواري من بعد الطهطاوي مع رجال كلطفي السيد وقاسم أمين. الا ان أكثر ما يمكن أن ينسب إليهم من نجاح هو النقد الذاتي. فكما يقول المفكر الكبير السيد يسين: لابد من وجود الثقة في الذات حتي ولو كان الطرف الآخر أقوي ثقافيا فلا مانع من أن نأخذ منه, فالتلميذ يمكن ان يعلم أستاذه ولا حرج في ذلك. فالأخذ والعطاء أمر بالغ الأهمية.
القصة الثالثة:
تعارف الحضارات
مرة أخري نعود إلي نفس فكرة التعارف والتحاور. ففي الاسكندرية التي كانت تقوم بنفس هذه المهمة لآلاف السنين بدافع حضاري, وليس سياسيا أو إقتصاديا. كانت تدور مناقشة أخري هذا الاسبوع. هذه المناقشة كانت تستفسر في بدايتها عن معني تعارف الحضارات. ففي العالم نشأت حضارات منذ فجر التاريخ وقد أعترف بالحضارة المصرية والعراقية والرومانية واليونانية كواضعي مبادئ لفكرة التحاور بين البشر. وهم بالفعل ليسوا كل الحضارات التي تناولت هذه الفكرة, فلا يستطيع أحد استثناء تجارب الشرق الآسيوي او الغرب الاوروبي أو حتي حضارات الأمريكتين عندما نتحدث عن حضارات لها تاريخ. الا اننا في الاسكندرية الان وبعد مرور عشر سنوات نناقشها من زوايا أخري فهناك الفكرة نفسها ومعني التعارف الحضاري في الفكر الاسلامي والخبرة والممارسة ونماذج من أدب الرحلات ومناقشة معني تعارف الحضارات ومدي تأثيره علي العالم والحضور المسيحي العربي في مسألة تعرف الحضارات. وهي رؤي اجتمع لها مفكرون وباحثون من مصر والسعودية والمغرب والجزائر وتركيا وإيران. وكلها تهدف منذ البداية وكما يقول د. صلاح الجوهري أي تعميق الفكرة وتأكيد معني وجودها في المنظمات الدولية.
ولاعجب في وجود هذه الرغبة في التعارف الآن بين الحضارات, فنحن في مصر الآن نبحث مرة أخري عن الطريق لوجود نقد ذاتي في الاتجاه الصحيح وإصلاح الداخل. كما اننا في الوقت نفسه نسعي للحوار مع الآخر من خلال سياسة خارجية ناجحة ومن خلال الوصول إلي العالم من خلال دوائر أربع كما يحددها د. إسماعيل سراج الدين الدائرة العربية التي تعد الاتجاه الاكثر قربا وتأثيرا والذي يجب أن تسلكه مصر كأول أولوياتها, ثم الاتجاه الاسلامي وهو اتجاه يسير بمحاذاة الدائرة العربية بل ويضيف إليها الكثير من العلاقات الناجحة التي يجب أن تجمعنا بدول آسيا بكل ثقلها ودولها العربية, بالاضافة إلي كتلة آسيا الوسطي وتركيا وإيران, والدائرة الافريقية التي يجب ان نعبر إليها عبر الدول الاسلامية وعبر اهتمامنا بالقارة السمراء التي تركناها بعيدة عن الاهتمام والوجود المصري لسنوات. وأما الدائرة الرابعة فهي الخاصة بحوض البحر المتوسط الذي يعتبر أهم روافد الحضارة المصرية والتي تقف الاسكندرية الآن كشاهد علي هذا الدور المتجدد, فهذه الدوائر والاتجاهات الأربع ضرورة لمصر الآن لكي تعبر إلي مرحلة العطاء الدولي الذي يجعلها دولة تقف في مصاف الدول المتقدمة في هذا العالم.
ولهذا فقد كانت السنوات العشر الاخيرة سنوات جديرة بأن تفهم رغم كل ما حدث, فلا يمكن للناس أن تحيا وسط عالم ينعم بشئ من التناغم دون أن يكون هناك تعارف بينهم ودون أن يكون هناك حوار. فالفكرة لا تموت والأيام في صفها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.