صار انقطاع الكهرباء طقساً يومياً يعيشه المصريون، ومعه تتحول ساعات الليل إلى ظلام معتم، وساعات النهار إلى «وقف حال»، وبينما تلقى وزارة الكهرباء بالمسئولية على وزارة البترول لعدم توفيرها الوقود تارة، وأخرى على المواطنين لعدم ترشيدهم الاستخدام، وثالثة بسبب ارتفاع درجات الحرارة، فى المقابل تترك الأجهزة التنفيذية فى الدولة وعلى رأسها الوزارة التى تعتبر المسئول الأول عن الكهرباء فى مصر، التيار الكهربائى عرضة للسرقة فى «عز الضهر»، دون أى محاولة جادة للتصدى لإهدار أكثر من 12% من إجمالى القدرات الكهربائية المنتجة سنوياً، وفقاً لرئيس الشركة القابضة للكهرباء المهندس جابر الدسوقى، والتى تقدر بنحو 8 مليارات جنيه سنوياً، تأتى على رأس الخسائر التى يتكبدها قطاع الكهرباء سنوياً، مما ينعكس سلباً على شبكة الكهرباء، وضعف مولدات الطاقة وإهدار المال العام، فيما يبتكر مواطنون طرقاً لسرقة التيار الكهربائى وسط غفلة المسئولين. على أطراف القاهرة الكبرى، تطل بنايات عشوائية برأسها، تتناثر على جنبات الرقعة الزراعية، استغل أصحابها الأحداث السياسية التى تمر بها البلاد، لإقامة بيوتهم ذات الجدران المبنية بالطوب الأحمر والأسقف الخرسانية، لا يجد هؤلاء أى مشكلة لتوصيل المرافق وفى مقدمتها الكهرباء إلى مساكنهم، سواء من الأسلاك الكهربائية التى تمر على مقربة منهم، أو من الوصلات التى تصل إلى بيوت جيرانهم، فى انتظار طلبات قدمت إلى شركة الكهرباء لم يتم البت فيها بعد، بحسب سعيد غريب أحد أصحاب العقارات المنشأة حديثاً فى منطقة «منطى» بشبرا الخيمة، حيث يقول إنه قام ببناء منزل مثل غيره من المئات الذين انتهوا بالفعل من بناء منازلهم التى تصل فى بعض الأحيان إلى عمارات شاهقة الارتفاع، وذهب الرجل الثلاثينى بعد الانتهاء من البناء للتقديم على العداد فى انتظار الموافقة التى لم يتم البت فيها حتى الآن. «تصفير العداد»، و«توصيل وصلة كهرباء من خلف العداد»، وسائل أخرى يتبعها بعض المواطنين، بهدف تخفيض الكميات التى يسجلها عداد الكهرباء على أنها استهلاك البيت، وتترجم إلى أموال فى فاتورة الكهرباء، تدفع لمحصل الشركة، وعن طرق السرقة التى يعطل فيها العداد أو يظهر فيها بيانات غير دقيقة يقول وليد عبدالوهاب، فنى كهرباء، إنها «كثيرة ومتنوعة»، منها توقيف العداد عن طريق استخدام شريحة صغيرة مقطوعة من صورة الأشعة الطبية من خلال فتحة تلاقى غطاء العداد بقاعدته، بهدف اعتراض دوران ترس العداد، هناك أيضاً توتر العداد من خلال استبدال وصلتى العداد الموجب والسالب معاً، ووفقاً لفنى الكهرباء فهناك طريقة ثالثة باستخدام مغناطيس حديدى على شاشة العداد بهدف توقيف جميع الأجزاء المعدنية عن الدوران أو الحركة وبالتالى يتم توقف العداد، لكن قبل عمل ذلك لا بد من إطفاء جميع الأجهزة ثم إعادة تشغيلها مرة أخرى، ويلجأ البعض إلى طريقة رابعة، وهى خلخلة أحد طرفى وصلة الكهرباء الداخلة للمنزل، حتى يتوقف العداد دون أن تنقطع الكهرباء عن المنزل، وأخيراً سحب وصلة من أسلاك الكهرباء الموجودة خارج المنزل قبل العداد، وغالباً ما تخصص هذه الوصلة للأجهزة الكهربائية عالية الاستهلاك مثل السخان والتكييف وغيرهما من الأجهزة الأخرى، على حد قول فنى الكهرباء. مخازن متنوعة الأشكال والألوان ومختلفة الأحجام، ترقد على جانبى الطريق الدائرى، وتحديداً فى منطقة القوس الغربى، تتنوع مساحاتها وارتفاعاتها، بعضها مسقوف بالصاج، والآخر مكشوف، تقتصر نشأتها على الجدران التى تحدد مساحة المخزن وبوابة حديدية ضخمة.. وكما رصدت «الوطن» بالصور، يستغل بعض ملاك هذه المخازن أعمدة الإنارة المخصصة لإنارة الطريق الدائرى، ويتم سحب وصلة كهربائية من فتحة صغيرة أسفل العمود، ويحفر لها فى الأرض الترابية، حتى تصل إلى داخل المخزن. ورغم تكرار هذا الأسلوب فى سرقة تيار الكهرباء، على الطريق الدائرى فى مناطق «الخصوص»، و«مسطرد»، و«بشتيل»، و«منطى»، لم تشهد هذه المناطق أو بعضها كما يقول محمود وردانى، المقيم بمنطقة «باسوس»، أى حملات لمواجهة سرقة التيار الكهربائى، مدللاً على ما يقول «لحد دلوقتى المخازن ما زالت تعمل على وصلات الكهرباء من الأعمدة». «قبل 25 يناير 2011، كان الباعة الجائلون فى منطقة وسط البلد يقفون على أهبة الاستعداد، لحمل بضاعتهم والهرولة بها فى الممرات الجانبية، هرباً من الأمن، أو البلدية كما يلقبونهم».. هكذا تحدث أيمن فاروق، أحد الباعة الجائلين بالمنطقة. يواصل الشاب العشرينى: «بعد هذا التاريخ وعلى مدار الأعوام الثلاثة الماضية، ثبت الباعة بضاعتهم فى أماكنها، ونصبوا تندات تحميهم من شمس الصيف وأمطار الشتاء، وبمرور الوقت أوصلوا لمبات الكهرباء إليها، حيث الفرشة الواحدة تسلط عليها 4 لمبات، لا تقل قدرتها عن 200 وات، ولأنهم لا يدفعون أى مقابل نظير استهلاكهم للكهرباء، يتركون اللمبات تعمل على مدار ال24 ساعة». ووفقاً لأبوالفتوح، الرجل الخمسينى، صاحب أحد المحال بميدان العتبة، فإن الباعة الجائلين الذين يمدون وصلات لفرشاتهم، أحياناً يقومون بفصل لمبات الإنارة، ليس حرصاً على استهلاك الكهرباء، بقدر خوفهم على استهلاك اللمبات نفسها. «سرقة التيار الكهربائى وتعطيل العدادات حرام شرعاً».. هذا ما نصت عليه فتوى صادرة من دار الإفتاء المصرية فى منتصف شهر أبريل الماضى. وزارة الكهرباء من جانبها طرحت عدة حلول لوقف نزيف الخسائر الناتجة عن سرقة التيار، أحدها إصدار قرار بتوصيل التيار إلى البنايات العشوائية من خلال عداد كهرباء يسجل برقم كودى، بدلاً من اسم صاحب المنزل، لحين انتهاء إجراءات التراخيص أو التصالح مع الجهات التنفيذية المسئولة، بينما سجلت الوزارة فشلاً فى وضع حد لطرق سرقة التيار الكهربائى الأخرى، حيث لم تنجح فى تحقيق أى نتائج ملموسة على أرض الواقع. وفى الوقت الذى لا يتجاوز فيه المعدل العالمى لفقد التيار 7% فى أسوأ الظروف، بواقع 3.5 فقداً فنياً، ومثلها فقداً تجارياً، وفقاً لاحد المسئولين بشركة شمال القاهرة لتوزيع الكهرباء، فإن نسبة الفقد فى شمال القاهرة فقط وصلت إلى 12٪ من كمية الطاقة المشتراة، لتصل الخسائر بسبب الفقد إلى 50 مليون جنيه شهرياً، أى بواقع 600 مليون جنيه سنوياً، بينما تصل نسبة الفقد فى شركة جنوبالقاهرة إلى 8.5٪ بما يؤدى لخسائر سنوية فى إيرادات الشركة تصل إلى 450 مليون جنيه. ويوضح المسئول أن 90% من نسبة الفقد فى الكهرباء داخل محافظاتالقاهرة الكبرى، تتمثل فى المبانى غير المرخصة وسرقات الباعة الجائلين.