عادت ظاهرة انقطاع التيار الكهربى بشكل يومى فى القاهرةوالمحافظات، لتفتح الباب أمام تساؤلات عدة بشأن سرقة التيار الكهربى، وما يسببه من إهدار للمال العام، وبخاصة إذا علمنا أن خسائر الدولة الناجمة عن هذه السرقة تقدر بنحو 8 مليارات جنيه سنوياً، وهى قيمة الخسائر السنوية لقطاع الكهرباء. ويقدر حجم سرقات التيار الكهربائى بنحو 12% من إجمالى القدرات الكهربائية المنتجة سنوياً (200 مليار كيلووات)، وهذا ما كشفت عنه «الصباح» بناء على تأكيدات المهندس جابر دسوقى رئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر، حيث أكد أن هذه السرقات تهدد أمن واستقرار الشبكة القومية، بالإضافة إلى ما تمثله من إهدار للمال العام، مشيراً إلى أن استمرار الوضع على هذا النحو سيؤدى إلى ضعف المولدات وسوف تتعرض مصر إلى ظلام دامس فى غضون سنوات قليلة. وأشار دسوقى فى تصريحات ل«الصباح» إلى أن معظم السرقات تتركز فى الأسواق العشوائية، والباعة الجائلين المنتشرين فى الشوارع، ويحصلون على التيار الكهربى بدون وجه حق، من خلال الوصلات غير الشرعية، وكذلك مناطق عديدة فى مصر، ففى الوجه البحرى تتركز فى محافظة القاهرة والعشوائيات المحيطة بها وفى مناطق الصعيد وتحديدا فى بنى سويف والمنيا وأسيوط، مؤكدا أنه يجرى حاليا اتخاذ العديد من الإجراءات وتفعيل القرارات والقوانين للتصدى بكل قوة لظاهرة سرقات التيار، والتعدى على مكونات الشبكة الكهربائية. وقال رئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر إن جهود مباحث الكهرباء أسفرت عن ضبط 41 قضية سرقة تيار كهربائى لكبار المشاركين، وضبط 7776 قضية سرقة تيار كهربائى، و«65» مخالفة شروط التعاقد، وتحصيل 8233 غرامة قضايا سرقات تيار كهربائى، وتحصيل 38 مخالفة شروط التعاقد، وتنفيذ 879 جنحة حبس. ولفت إلى أن هناك تنسيقاً كاملاً مع وزارة الداخلية والمحافظات، للتصدى لهذه الظاهرة، وضبط كل من استحل المال العام، وتقديمه للمحاكمة أو التصالح الفورى من خلال دفع قيمة ما تمت سرقته، مشيراً إلى أن العشوائيات هى المتهم الأول فى سرقة التيار الكهربى، فهناك آلاف الأسر تعيش فى العشوائيات، وتستهلك كل أسرة الكهرباء عن طريق وصلات مباشرة من أعمدة والمحولات، ويؤدى ذلك لسحب التيار الكهربى بشكل هائل، ما يؤدى إلى إضعاف المحولات الكهربائية، لأن الأخيرة تعمل بجهد محدد بحسب كم المنازل المعتمدة عليها، فى حين أن المنازل العشوائية تستمد الكهرباء من تلك المحولات مما يؤدى لجهد زائد وغير محسوب على تلك المحولات وبالتالى تتعرض للتلف. وأوضح أكثم أبو العلا وكيل وزارة الكهرباء والمتحدث الرسمى باسم الوزارة أن الشركات التسع لتوزيع الكهرباء قررت وقف تلقى أى طلبات من سكان المبانى العشوائية والعقارات المخالفة لتوصيل التيار تنفيذا لقرار وزارة الكهرباء التى أرسلت خطابا رسميا لشركات التوزيع شددت فيه على سرعة الالتزام بقرار مجلس الوزراء الصادر فى يونيو العام الماضى بوقف توصيل العدادات الكودية لأصحاب العقارات المخالفة والمبانى المقامة عشوائيا. وأضاف أكثم فى تصريحات ل«الصباح»: ثمة ضرورة لتكاتف الجهود كافة للقضاء على تلك الظاهرة التى تؤثر على الشبكة القومية، وعلى ما يصل للمواطن من كهرباء، لذا تم عمل بروتوكول مع وزارة الأوقاف تقوم فيه الأخيرة بدورها فى حث الناس من خلال الوعاظ والأئمة بالمساجد للدعوة لترشيد الاستهلاك وتحريم سرقة التيار، مشيراً إلى إمكانية توفير مليار و800 مليون جنيه سنوياً من تنفيذ برامج الترشيد، وأن هذا المبلغ يضاعف 5 مرات إذا تم حسابه بالأسعار العالمية، حيث يبلغ سعر المليون وحدة حرارية 14 دولاراً، فى حين تحصل عليها الكهرباء 5.1 دولار، مؤكداً أن الاستهلاك المنزلى بلغ 43% من إجمالى الاستهلاك مقابل 13% للقطاع الصناعى، وهو مؤشر غير طبيعى والمفروض أن يكون العكس، وأن مصر لديها 44 ألف كيلومتر خطوط جهد فائق وعال و500 ألف كيلومتر للجهد المنخفض والمتوسط. وكشف أكثم عن اجتماعات مكثفة تجرى بين رؤساء شركات توزيع الكهرباء على مستوى الجمهورية وقيادات شرطة الكهرباء، للتنسيق والقيام بعمليات تفتيش مكثفة على مختلف المناطق السكنية والتجارية، للتفتيش على سرقة التيار الكهربائى، مؤكدا أن مباحث الكهرباء ستتخذ إجراءات فورية حال الضبط وتقديم المخالفين إلى النيابة العامة للتحقيق الفورى وتطبيق القانون على المخالفين، وأضاف أن جهودًا مكثفة تبذل حاليًا لضبط لصوص سرقة الكابلات الكهربائية، والخطوط الأرضية بعد تعرض العديد منها للسطو من قبل عصابات متخصصة فى هذا النوع من السرقة. وأكد أن تعليمات عليا صدرت إلى كل الأجهزة الأمنية بتكثيف تواجدها فى مناطق الأبراج والخطوط الهوائية، وتشديد الرقابة والدوريات على المناطق المماثلة فى كل المحافظات تفاديًا لتعرض المدن والقرى المحيطة بها إلى ظلام. أحمد حسنين أحد ساكنى العشوائيات بمنطقة «الدويقة» قال إن الحكومة هى المسئول الأول عن مشكلة سرقة الكهرباء نظراً لتعنتها فى إجراءات توصيل الكهرباء بالطرق القانونية، فقد سعينا أكثر من مرة لتركيب عدادات فى منازلنا، إلا أن محاولاتنا باءت بالفشل، لدرجة أننا اعتصمنا أمام الشركة القابضة للكهرباء منذ عامين ووعدونا بحل المشكلة، إلا أن تلك الوعود لم تتحقق ولم نجد أمامنا إلا أن نحصل على الكهرباء بطريقتنا وبمعرفتنا بعيدا عن إجراءات الدولة التى لا تشعر بمعاناتنا ولا توفر لنا أبسط مقومات الحياة مثل الكهرباء والماء. ويؤكد أسامة السيد - صاحب محل تجارى - أن غياب الدور الرقابى للدولة أدى إلى ازدياد الظاهرة بصورة لم يسبق لها مثيل، لدرجة أن الباعة الجائلين يسرقون التيار حول الشركة القابضة للكهرباء، فإن كان هذا هو الوضع أمام الشركة فما بال الأوضاع فى باقى أنحاء الجمهورية والمناطق النائية البعيدة عن الرقابة، بل إن غالبية سارقى التيار من المواطنين أو البلطجية أو الباعة الجائلين يقومون بعمل وصلات من الكابلات الأرضية والأعمدة لإضافة أعداد هائلة من اللمبات.