سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"الوطن" تقدم مظلمة فى "قصر عابدين".. وتعيش مأساة طابور المتظلمين «فيصل» جاء من الشرقية إلى القاهرة 51 مرة لتقديم مظلمة للحصول على معاش أو شقة: «حركّب وش إلهام شاهين يمكن الريس يوافق يقابلنى»
قصر منيف، سكنه الملوك، وحمل فى طياته عبق تاريخ ممتد، لكن فى ناحية منزوية من أطرافه يتجمع عشرات ممن يحملون همومهم من محافظات مختلفة إلى مؤسسة الرئاسة، وملامح الذل والإحباط والقنوط لم تفارقهم فى رحلتهم إلى ديوان المظالم. الديوان ومنذ تأسيسه فى السابع من يوليو، لم ينقطع عنه أصحاب المظالم، نساء متشحات بالسواد، ورجال عجائز بلغ بهم العمر أرذله، وشباب حاصرتهم الإعاقة، كلهم مصطفون فى طابور، يتحملون حرارة الشمس، والسفر من محافظات بعيدة، ويجيئون من جديد لنفس المكان، بعد أن قوبلت طلباتهم الموثقة بسوء حالتهم، بالتجاهل. ولا يخلو طابور الواقفين أمام ديوان المظالم من مشاجرات بين من يأتون لبحث شكواهم التى سبق أن قدموها، وبين من لم يفلحوا فى تقديم شكواهم، لمرات عديدة، فيصيح الموظف من الداخل لكل من يسمعه يتشاجر مع الآخرين: «روح اقعد فى الجنينة يا تقف فى الطابور»، ويقول أحدهم: «كل ده ضحك على الدقون وزينة عشان الناس تسكت»، ويرد عليه آخر: «هو إيه اللى اختلف كده بين الإخوان والحزب الوطنى؟». «الوطن» عايشت المواطنين وحاولت التقدم بمظلمة لشباك الديوان، وأخذنا الدور فى الطابور، وعندما لمح الموظف المسئول الكاميرا معنا كاد أن يكسرها، وتعامل معنا بخشونة زائدة، وتحفز واضح، وفى النهاية أعطانا قصاصة صغيرة، عليها تاريخ يوم التقديم ورقم الخط الساخن، تلك الورقة التى حصل على مثلها تماماً كل الواقفين فى الطابور، ثم صاح بعدها بصوته الجهورى من خلف قضبان النافذة بأن الانتظار سيكون من أسبوع لاثنين. وحتى ذلك، فى انتظار أن تلحق الورقة والشكوى بمصير قرائها من الباحثين عن حقوقهم غير المجابة. خميس راضى، قادم من محافظة بنى سويف، يقول إن تلك هى المرة الرابعة التى يأتى فيها إلى ديوان المظالم، للحصول على تأشيرة خدمة للحجاج، حتى يتمكن من السفر والعمل فى السعودية، ليعول أبناءه الخمسة، الذين لا يستطيع الإنفاق عليهم فى مصر، حيث طُرد من عمله كعامل فى مجلس المدينة، حيث كان يحصل منه على 100 جنيه فقط شهرياً، ومعه من الأوراق ما يثبت ذلك، ويقول إن المظلمة لم تجد صدى، وكلما يأتى يكون الجواب هو الانتظار، وطمأنة بورقة ومسلسل لشكواه هو 1237448، ويحكى «خميس» صاحب الخمسين عاماً، مأساته وهو يغالب دموعه، متذكرا قدومه المتوالى منذ يوم 9 يوليو حتى اليوم، ويأمل أن تحل أزمته، حتى يشارك ابنه الأكبر فى الإنفاق على الأسرة. فيصل محمد الزعلوك، جاء من القنايات بمحافظة الشرقية، قدم مظلمته أربع مرات، اثنتين منها فى قصر الاتحادية، واثنتين فى قصر عابدين، ويقول إنه أرسل للفاكس المعلن، ولم يجبه أحد، ويخرج هاتفه الشخصى، ويهاتف الخط الساخن دون رد، ويذكر أن رقم شكواه بتاريخ السابع من يوليو، ويؤكد أنه جاء فى اليوم الأول لفتح الديوان، ويقسم إنه سافر 51 مرة إلى القاهرة، والإحباط هو العنوان الوحيد، لطلبه الذى يتلخص فى معاش نظراً لظروفه الصحية الصعبة، أو شقة تؤويه من الزمان الغادر، يختم حديثه: «أنا عرفت الحل، حركب وش إلهام شاهين، يمكن الريس يوافق يقابلنى ويحل لى مشكلتى». يحاول التحرك بعيداً عن الطابور، يسير بشكل غير مستو، إذ إن شلل أطفال أصابه منذ الطفولة، جاهد إعاقته رغبة منه فى توصيل رسالته، اسمه جمال محمد السيد، يبلغ من العمر 52 عاماً، جاء ثلاث مرات منذ فتح الديوان، فى النهاية أعطوه ورقة، يحول بها إلى مجلس مدينة طنطا، ذهب إليهم فأخبروه أن يذهب إلى المحافظ، «جمال» الذى يعيش على معاش والده القليل، لم يُعين ضمن نسبة ال5% الخاصة بالمعاقين، لكن اليأس لم يصبه، وانتظر المحافظ أمام مبنى المحافظة، حيث لم يستطع أخذ ميعاد لمقابلته، فما كان من المحافظ إلا أن أجابه، وهو يركب سيارته: «أنا مش معترف لا بالمعاقين ولا بديوان المظالم»، على حد قول صاحب المظلمة.