هل تناقضات الشعب المصرى هى سر تفرده؟.. أم أنها أسباب نكبته؟! سؤال أفكر فيه كثيراً كلما وقعت أنا نفسى فى تناقض جديد! إنه الشعب الذى أسقط نظامين، ثار على الفساد، لكنه لا يتردد فى ممارسة الفساد برشوة «لتخليص المصالح»، أو واسطة لتعيين الأبناء، أو خرق قانون المرور! الشعب الذى خرج يتحدى الإرهاب، هو نفسه الذى منه شباب يتحرشون بالنساء! ليس غريباً أن تجد المواطن البسيط ممسكاً بالهاتف المحمول، يشكو البطالة والغلاء ويلعن الحكومة، ويتذمر من انقطاع الكهرباء أو أزمة الغاز والبنزين.. ثم يدفع مئات الجنيهات فاتورة التليفون المحمول! حين قمت أفصل التيار الكهربائى عن السخان كنت أفكر فى الرئيس القادم (المشير السيسى بإذن الله).. وكيف سيواجه هذا التحدى الرهيب.. هل سيتغير فعلاً وعى المواطن وإدراكه لأزمات الوطن.. أم سيظل على حاله وسخطه؟ فصلت التيار الكهربى، ورفعت مؤشر التكييف إلى درجة 25.. ثم أطفأته بعد قليل، الإحصائيات تؤكد أن: (الاستهلاك المنزلى يمثل 40٪ من الطاقة المولدة، فالنسبة الأكبر للطاقة المولدة تستهلكها الغسالات وأجهزة التكييف، بينما لا تتعدى الكهرباء المستهلكة فى نشاط التصنيع 30٪). وزارة الكهرباء تنشر متحدثيها للمطالبة بترشيد الاستهلاك، واستخدام اللمبات الموفرة، والتليفزيون المصرى يعلن أن وزارة الكهرباء تهيب بالمواطنين عدم استخدام الأجهزة المنزلية كثيفة الاستهلاك من 6 مساء حتى 11 مساء.. والناس مصالحها معطلة بسبب انقطاع الكهرباء. محكمة شمال القاهرة أجلت نظر كل القضايا بعد انقطاع الكهرباء داخل المحكمة، وصناعة الغزل والنسيج منيت بخسائر فادحة بسبب انقطاع التيار الكهربى، وأيضاً المصانع الكبيرة مثل مصنع مجمع الألومنيوم بنجع حمادى. هذا بخلاف الخسائر الناجمة عن احتراق معظم خطوط الإنتاج جراء اهتزاز قوة الكهرباء، والتى بلغت خلال الستة أشهر الماضية عدة مليارات.. مخصومة بالقطع من أرباح العامل البسيط. ونحن ما زلنا نتجادل حول استغلال الشركات العالمية لتطوير تكنولوجيا إنتاج الطاقة من الشمس والرياح.. وإطلاق يد رجال الأعمال فى استخدام الفحم فى صناعة الأسمنت على سبيل المثال، فى مناخ فاسد يسمح لرجال الأعمال ببناء وتشغيل مصانع لا تخضع لأى شروط بيئية ولا لأى رقابة من أى نوع. هذا القرار الأخير الهدف منه أن تترك مصانع الأسمنت الغاز الطبيعى لمحطات إنتاج الكهرباء.. رغم ما فى قرار استخدام الفحم من أضرار بيئية لن نستطيع مواجهتها، خاصة مع انعدام الرقابة على ديناصورات تصنيع الأسمنت.. لكن حتى الغاز الطبيعى نفسه مشكلة. فالشركات الأجنبية المسئولة عن التنقيب عن الغاز واستخراجه، مقابل خمسين فى المائة من قيمة الغاز المستخرج، فى حالة تقاعس غير مفهوم عن تنفيذ عقودها مع الحكومة.. فهل سنعيش على «تسول الغاز» أم ستنتهى مشكلة الطاقة باللمبات الموفرة؟! لقد قال رئيس الوزراء، المهندس «إبراهيم محلب»، إن أزمة انقطاع الكهرباء تعود إلى عدة أسباب وصفها ب«الحادة» نظراً ل(عدم وجود الوقود فى بعض الأحيان، أو عمل صيانة لبعض المحطات، فضلاً عن أن هناك بعض المحطات كانت خارج الخدمة). لكن «محلب» طمأن المواطنين بأن «مصر ستشهد صيفاً آمناً»!! بعد إضافة 1500 ميجاوات، مشيراً إلى أن «الفترة المقبلة ستشهد عملية زيادة فى الأحمال لسد النقص الحالى، الذى لا يتعدى 2000 ميجاوات». ورغم ذلك فالطلبة يذاكرون ليلة الامتحان فى الظلام، و3 مواطنين من أسرة واحدة لقوا مصرعهم فى محافظة السويس، حين نشأ حريق بأحد المولدات الكهربائية الذى حاولوا تشغيله بسبب انقطاع فى الكهرباء!! نحن نعيش كارثة حقيقية، ولا نتعلم أبداً ثقافة الاستهلاك الرشيد.. لأننا قررنا تفسير سلوكياتنا الخاطئة بكلمة واحدة: «النحس».. أو يمكن «الواد الفلول» رجع ياخد 20 جنيه ويقطع «سكينة الكهرباء»، على رأى المعزول!!