كتقلب الأجواء فى واشنطن تبدل وضع مصر من موضع الانتصار والقوة بعد زيارة رئيس المخابرات اللواء محمد فريد التهامى التى صاحبها الإعلان عن تسليم مصر لطائرات الأباتشى، إلى وضع الذل والانبطاح مع زيارة وزير الخارجية نبيل فهمى.. وقبل أسبوع من زيارته لأمريكا طالبنا وزير الخارجية فى مقال هنا فى جريدة «الوطن» بأن ينتظر الانتخابات الرئاسية المصرية ويحضر إلى واشنطن وهو فى وضع قوة، لأنها عاصمة لا تحترم غير الأقوياء وأن موعد زيارته الآن يثير جدلاً حول المستفيد الحقيقى منها.. ولكنه حضر وقال إن الهدف شرح الموقف فى مصر، وكنا نتساءل أى موقف يتم شرحه والمرحلة الانتقالية أوشكت على الانتهاء؟! ومع ذلك حضر نبيل فهمى وتحرك فى واشنطن بموكب مهيب وأقام فى جناح رئاسى بفندق ريتز كارلتون الفخم، وتحدث نبيل فهمى وشرح الصورة فى مصر، ولكنه كان يتحدث وكأنه وزير خارجية دولة صديقة لمصر بنبرة صوتية تفتقد الحماس أو الإيمان بالقضية التى من المفترض أنه يدافع عنها. كانت الإهانات توجه لمصر الواحدة تلو الأخرى من قلب واشنطن وفى ظل وجود وزير الخارجية بعد الحكم بإحالة أوراق 683 إخوانياً إلى المفتى، وكنا ننتظر ردوداً دبلوماسية قوية منه أو من المتحدث باسم الخارجية السفير بدر عبدالعاطى الذى لا يطيق كلمة نقد فى حق وزيره وكأنه منزَّل من السماء! المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية تخرج وتعلمنا الأدب فى بيانات صحفية دون أن يردها أحد.. السيناتور «ليهى» يقف ويهاجم مصر بضراوة ولا يجد من يوقفه عند حده. إلى أن جاء حوار العار والإهانة عندما استضاف راديو أمريكا نبيل فهمى؛ إذ كان وزير الخارجية نبيل فهمى صيداً سهلاً لمذيع راديو أمريكا، وتطوع الوزير بتوصيف علاقة مصر بأمريكا بأنها زواج وليست علاقة عابرة لليلة واحدة! ابتسم المذيع وأبدى إعجابه بالوصف «الرومانسى» ثم سأله عن حالة هذا الزواج، فأجاب وزير الخارجية أنه غير مستقر ولكنه قائم! والسؤال هو عن أى بلد يتحدث نبيل فهمى؟ وأى شعب الذى يمثله نبيل فهمى؟ ولماذا هذا الانبطاح الذى لم تعرفه مصر منذ تصريح أمين عثمان إبَّان الحرب العالمية الثانية عندما وصف علاقة مصر ببريطانيا بأنها زواج كاثوليكى، وكان مصيره الاغتيال على يد مجموعة من الشباب الوطنى بقيادة الرئيس الراحل أنور السادات ومحمد إبراهيم كامل وزير الخارجية الأسبق، وقاموا بفعلهم هذا انتصاراً لمعنى النخوة الوطنية، ولا أعرف كيف غاب هذا المثل عن نبيل فهمى وهو يهين مصر هذه الإهانة! وفى موضع آخر من الحوار لا يقل جدلاً عن سابقه، جاء عندما ذكره المذيع بأنه كان عميداً لإحدى كليات الجامعة الأمريكية فى القاهرة، واتخذها المذيع منطلقاً ليسأله عن زميله عماد شاهين المتهم فى قضية التجسس مع الرئيس المعزول محمد مرسى، وكان رد «فهمى» أنه تحدث فى هذه المسألة مع المسئولين المصريين فهو يعرف عماد شاهين جيداً ويأمل أن يدافع «شاهين» -الهارب الموجود حالياً فى واشنطن- عن نفسه أمام المحكمة ويحصل على محاكمة عادلة! إذن هذا هو وزير خارجية مصر، صدق أو لا تصدق! هذا هو وزير خارجية ثورة يونيو التى أفسدت كل ترتيبات الغرب فى الشرق الأوسط وبدأت فى إعادة رسمه من جديد! يتحدث بهذا الشكل المنبطح عن علاقة مصر بأمريكا. نحن لسنا مجرد نزوة لأمريكا تقضى متعتها لليلة وترحل نحن متزوجون! ياللعار! عفواً سيادة الوزير، إن كان هناك زواج فهو زواج حرام، وليس بين مصر وأمريكا ولكن بين أمريكا وبينك، التى جاملتها كثيراً على حساب كرامة هذا الشعب. أما المثير للاشمئزاز حقاً فهو محاولات التبرير التى ساقها المتحدث باسم وزارة الخارجية السفير بدر عبدالعاطى، الذى يطلب أن نكذب ما سمعناه من وزيره ونصدق ما يقوله هو، على الرغم من كون التسجيل الصوتى للحوار معلناً ومتاحاً وستجدونه على البوابة الإلكترونية لجريدة «الوطن». السفير بدر عبدالعاطى، الذى أبلغنى شخصياً بضيقه من بعض مما أكتب عندما وصفت دبلوماسية وزيره «فهمى» بأنها دبلوماسية «التريد ميل» التى تبذل جهداً وتجرى فى المكان دون أن تنطلق خطوة واحدة إلى الأمام، خرج فى تصريحات تليفزيونية ليقول إن نبيل فهمى، وزير الخارجية، قال إن العلاقة بين مصر وأمريكا كالزواج الشرعى وليست نزوة، فى سياق الحديث عن مستقبل العلاقات المصرية الأمريكية، وإنه يجب تلاشى أخطاء الماضى، وأن تكون العلاقات مبنية على الاحترام المتبادل والمنفعة المشتركة، وإن العبارة انتشرت بمنطق «ولا تقربوا الصلاة»، موضحاً أن حقيقتها أن تكون هناك ندية. إذن يريد بدر عبدالعاطى أن يستخف بعقولنا إرضاءً لوزيره، بدر عبدالعاطى يرى أنه عندما نصف العلاقة بين الدولتين بالزواج فإننا نتحدث عن ندية فى العلاقات! بأى منطق يزن هذا الرجل حديثه؟! وعلى أى كوكب يعيش؟! وفى تقديرى أن كرامة مصر التى لم يسلم شرفها بعد هذا الحديث لن ترد إلا بإقالة الوزير نبيل فهمى، وأن الجهاز الدبلوماسى المصرى بات بحاجة ماسَّة إلى تكرار تجربة المرحوم كمال حسن على الذى أعاد الانضباط داخل المؤسسة الدبلوماسية بعد استقالة كل من المرحوم إسماعيل فهمى والمرحوم محمد إبراهيم كامل، وأن أفضل من يقوم بهذه المهمة الآن هو اللواء مراد موافى، رئيس جهاز المخابرات العامة الأسبق، لحين قدوم حكومة منتخبة. كفانا إهداراً لكرامتنا! مصر لا يليق بها هذا العار، ليست مصر هى التى تنبطح أمام أمريكا بهذا الشكل، وإذا كان من يتحدثون باسم مصر لا يدركون قيمتها فليرحلوا فوراً.