تعبير " أخضر" يعنى المتوافق مع مظهر ونشاط النبات فى لونه وفى وظيفته الطبيعية. ليس له من أثر فى البيئة المحيطة إلا مايفيدها ويفيده. ولايزداد خضارها ويحلو إلا إذا حصلت على عناصرها المفيده من الأرض التى ضربت فيها جذورها. وقد تزداد حرارة أشعة الشمس عليها فتحترق الأوراق أو الثمار. وقد تقل مياه الرى أو تسوء فى جودتها وعليه تنعكس مساوئه على انتاجه من جودة المنتج. ووقت السنة المناسب لبذر البذور أو المناسب لعملية الحصاد يمثل عنصرا فى غاية الأهمية لاستدامة الزراعة. ولى تجربة فى زراعة البطيخ، فقد مَرّت على الموقع قبل جَمعِهِ بوقت بسيط موجة حارة غير اعتيادية أبلغنى على أثرها من يقوم بالفلاحة بأنه مضطر لجَمعِهِ مبكرا قبل أوانه لأن "أم" البطيخ ماتت. وكانت الأم هى أوراق النبات التى ذَبُلَت بفعل الحرارة، وهى التى كانت توفر له غذائه. وبيع البطيخ بأقل من قيمته. وهكذا المدينة الخضراء، لها نفس المعنى فى بيئتها المحيطة بما يفيد المدينة وبيئتها معاً. ومثل ما حدث للبطيخ عندى، إذا زادت درجة الحرارة فوق المدينة أى مدينة تقل كفاءة الظروف الحياتية فيها. وحقيقة تزداد الحرارة فوق المدن عموما فيما يسمى علمياً " الجزيرة الدافئة" وهو ما أطلقنا عليه فى الصحافة المصرية "السحابة السوداء". وهنا يتركز اهتمام القائمين على إدارة المدن بتقليل تأثير تلك الظاهرة "الجزيرة الدافئة". والمسئول الأول لتكوين تلك الجزيرة الدافئة هو الحرارة المنبعثة من المدينة تحت تأثير أشعة الشمس المباشرة على الكتلة المبنية فيها، والشوارع الإسفلتية السوداء التى تمثل حوالى ثلث مسطح المدينة. هذا إضافة الى الناتج الحرارى من السيارات المنتشرة فى الشوارع، وأجهزة التكييف والتبريد. وهنا تتركز المشكلة التى تواجهها المدن الخضراء فى تقليل الحمل الحرارى عن طريق حماية المبانى من أشعة الشمس، وتقليل مسطح الإسفلت الأسود، وتخفيف حركة السيارات مع تقليل أعدادها على الطرق، وتقليل فى استخدام أجهزة التكييف. ذلك كان جانباً من علاقة أشعة الشمس بالمبانى وهو الجانب الحرارى. أما الجانب الآخر من أشعة الشمس فهو جانب الإضاءة. فأينما دخلت أشعة الشمس فى البيت فإنها تضيئه. وإن لم تدخله مباشرة فنستطيع أن نعكسها من على مرآة لكى تدخل الى البيت. وتقدّمْت بهذه الفكرة الى أحد أصحاب المحال المتخصصة فى عمل مرايا، والمجودة على أحد الشوارع فى حى الهرم، وكان ذلك بمناسبة انقطاع التيار الكهربائى وقت أن كنت عنده. وقد فعل بأن أخذ أحد مراياه ووضعها على كرسى فى الشارع تحت أشعة الشمس وأنعكس ضوءها الى الداخل وأناره بصورة كافيه لإظهار المعروض. وكانت فكرة عملية بسيطة يمكن لأى شخص تنفيذها. نحن فى مصر وفى تاريخ قديم وقت إنشاء الأهرام ومقابر وادى الملوك فى الاقصر، تم تنفيذ الانشاءات باستخدام تلك الفكرة، فإن مقبرة سيتى الأول فى وادى الملوك قد تم حفرها لعمق حوالى 300 متر داخل الجبل، وهى ذات رسومات وألوان طبيعية تم توصيل الإضاءة اليها بعواكس توضع على مدخل المقبرة. وفى هرم خوفو بالذات تتضح تلك الفكرة من أن مسار دهليز مدخله يميل بدرجة 26.5 وهى نفس زاوية الميل للنفق الصاعد حتى حجرة الملك والتى يصل اليها شعاع الشمس بعد أن ينعكس ضوءه مرتين الأولى من مرآه موضوعة على مدخل الدهليزعند السطح الشمالى للهرم ، ثم من على سطح ماء موضوع فى مسطح محفور فى الحَجَر آخر الدهليز النازل وقبل النفق الصاعد. فكرة انعكاس ضوء الشمس تلك التى بدأت من عند المصريين القدماء أجدادنا، تم استخدامها فى برلمان المانيا فى برلين. ففى عملية تجديد البرلمان القديم من عدة سنوات تم استبدال القبة الحجرية فى وسط المبنى والتى تشبه قبة مجلس الشعب عندنا فى مصر بقبة زجاجية تدخل منها الأشعة الضوئية الى الداخل حيث استحدثوا مخروط ضخم مكون من عدة مرايا كثيرة تعكس الضوء من ذلك الوسط الى كل أركان المبنى فى الداخل. ذلك الفكر البسيط الذى استخدمه القدماء أجدادنا ثم استخدمه العلماء البنائين فى المانيا تحول الى علم يمكن من خلاله تثبيت المرايا بزوايا محسوبة على مبانى لكى تعكس ضوء الشمس الى مبانى مواجهة لها يقصد من خلالها إنارتها من الداخل من فتحات يتم تصميمها لهذا الغرض. وتنفيذ تلك الفكرة ليست ببعيدة عن مهندسينا الآن فهم يستطيعون تنفيذها بالعلم الذى تلقوه فى الجامعات المصرية. وذلك هو العمران الأخضر. فبدون استخدام الكهرباء فى النهار نستطيع إنارة المبانى بكفاءة أكثر ونخفف الحمل البيئى لمدننا. إن صناعة التشييد فى مصر تستنفذ حوالى 70% من الطاقة القومية ، نستطيع ترشيدها من خلال مثل ذلك الفكر البسيط. الحضارة المعاصرة فى العالم تنشد الأفكار الحديثة بعد أن تشبعت بالمعرفة والمعلومات فى الألفين عام الماضية ،والمدينة الخضراء فكرة مملوءة بالأفكار، خبراءها ذوى ياقات خضراء، أقتصادها أخضر، النقل فيها أخضر، مبانيها خضراء، والفكر فيها أخضر. وليس معنى ذلك انها مدهونه باللون الأخضر، أو بسبب إنتشار المزروعات الخضراء فيها، ولكن لأن ما يتم فيها لايسئ الى البيئة بل يكسبها حياة مملوءة بالإنسانية، بدون مشاكل مثلما تفعل النباتات الخضراء.