أكثر من 60 يوماً مرت منذ أن بدأت الجمعية التأسيسية للدستور أول اجتماعاتها بمجلس الشورى. بدا الحال فى مجمله ميسراً، الجميع فيها خلية نحل تعمل هنا وهناك من أجل إنجاز مواد الدستور والخروج به إلى النور.. مدفوعين فى ذلك بطعون عديدة تلاحق التشكيل الثانى للأعضاء، ومخاوف من أن تلقى «الجمعية الثانية» مصير سابقتها. وعلى الرغم من أن تشكيل التأسيسية يغلب عليه المنتمون للتيار الإسلامى فقد تكررت داخل لجان التأسيسية، أكثر من مرة، عبارة «إرجاء هذه المادة لحين الانتهاء من صياغة بقية مواد الباب»، نتيجة لكثرة المواد الخلافية، بشكل بات يهدد مستقبل الجمعية، التى ما زال تشكيلها يواجه رفض واستياء القوى السياسية المدنية. تختلف الصورة شيئاً فشيئاً كلما اقتربنا من الاجتماعات المغلقة للجان الجمعية، لتكشف أكثر ما حاول الأعضاء ستره من خلافات، بدا بعضها خلافات شخصية فيما بينهم وارتبطت أخرى بالعقيدة والفكر.. إلى أن تحولت الاجتماعات الأخيرة إلى محاولة للبحث عن حقوق خاصة، والتهديد بتعطيل أعمال التأسيسية، ما لم تتم الاستجابة لرغبات بعض الأطراف. بدا هذا الأمر فى أزمات الهيئات القضائية، وخبراء وزارة العدل، والطب الشرعى، ونسبة العمال والفلاحين، والقضاء العسكرى. ففى لجنة نظام الحكم، كان لعمرو موسى موقف من المادة الثانية من الدستور، حيث رفض أن يكون للأزهر المرجعية النهائية، كما رفض حذف كلمة المبادئ من ذات المادة، وهو ما كان بداية لظهور الخلافات، بعد أن انتبه إليه الأعضاء المنتمون للتيارات المدنية، وأدى الأمر فى النهاية إلى إرجاء التصويت عليها لحين الانتهاء من صياغة مواد باب المقومات الأساسية. ومع مرور الوقت ازدادت الحساسية بين الأعضاء الأساسيين والاحتياطيين فى الجمعية، خصوصاً مع إصرار ممثلى التيار الإسلامى فيها، الذى يشكل ما يزيد على 70% من عضوية التأسيسية، على تهميش دور الأعضاء الاحتياطيين، رغم ما قدموه من حراك حقيقى ساهم فى إثراء المناقشات. وقالت منال الطيبى، المقرر المساعد للجنة الحقوق والحريات، إن أكثر ما يقلقها هو المنتج النهائى للدستور، ولديها كثير من التخوفات حوله، ستظهر بشكل أكبر من خلال التصويت فى الجلسة العامة على المواد الخلافية داخل التأسيسية. وأكدت الطيبى أن هناك هيمنة إسلامية على مواد الدستور، التى تجرى صياغتها الآن بشكل نهائى، مستشهدة بما حدث معها داخل لجنة الحريات، الأمر الذى دعاها إلى تعليق أعمالها داخل اللجنة، احتجاجاً على ما سمته الإرهاب الفكرى والمعنوى. ورفض محمد عبدالعليم داود، عضو الجمعية، فكرة سيطرة التيار الإسلامى على أعمال التأسيسية، قائلاً: «الأمور تسير حتى الآن بشكل ديمقراطى فى ظل وجود بعض المواد الخلافية التى سيضع التصويت النهائى فى الجلسة العامة حداً لها». وعن الطعون التى تهدد مستقبل الجمعية، حمّل داود القوى المدنية واليسارية المسئولية إذا ما حُلّت الجمعية، وجرى تشكيلها من قبَل الرئيس، وأضاف: «أرفض أن يشكل الرئيس التأسيسية التى يجب أن تكون منتخبة، ولكن مطالبة بعض هذه القوى بحلها سيؤدى فى النهاية إلى تمكين فصيل واحد منها، ليُحكم سيطرته على الدستور». وأوضح أن الأحزاب المدنية واليسارية هى التى طالبت بحل البرلمان، ومن ثم أصبحت لدينا حكومة بلا رقابة تشريعية، مبيناً أن ذلك من أخطاء هذه القوى وهى تدفع ثمنها الآن. ويقول صلاح حسب الله، عضو الجمعية، احتياطى: «هناك محاولة لاستحواذ التيار الإسلامى على صياغة مواد الدستور، وهو ما سيرفضه الشارع المصرى»، مشيراً إلى أن الخلافات بدأت تدب داخل اجتماعات اللجان بعد إصرار أعضاء فى الجمعية من حزبى الحرية والعدالة والنور السلفى على إضفاء شكل معين فى صياغة بعض مواد الدستور. واتهم محمد عبدالقادر، ممثل الفلاحين بالجمعية، أعضاء التأسيسية من النخبة والتيار الدينى بالعمل على عزل الفلاحين وعدم إشراكهم فى إعداد الدستور، وأكد أن لجنة نظام الحكم بالجمعية المنوط بها إعداد نصوص المواد المتعلقة بالفلاحين وبنسبة ال50% فى المجالس النيابية، لم تدعُه للاستماع وتوضيح وجهة نظر الفلاحين ورؤيتهم للدستور. وأعرب عن استيائه من تصريحات بعض الأعضاء، بشأن توصل الجمعية إلى قرار بإلغاء نسبة العمال والفلاحين، قائلاً: «ده شغل كبير.. وهناك لجان تعمل دون أن يعرف الآخرون عنها شيئاً، فضلاً عن سيطرة الأحزاب الإسلامية على عمل التأسيسية». وحذر عبدالقادر من فشل الجمعية، بسبب تعالى النخبة على الطبقات الكادحة التى يمثلها العمال والفلاحون، منتقداً لجنة الاقتراحات والحوار المجتمعى، لعدم مناقشتها المقترحات التى قدمتها نقابة الفلاحين للجان المختصة، وتمثلت فى ضرورة أن تكفل الدولة حق الفلاح فى التأمين الصحى الشامل، والتعليم، والمياه النظيفة، والمعاش المحترم، أسوة بدساتير العالم. وتابع: «يا من تتحدثون باسم الدين، اتقوا الله فى الفلاحين، ما تضحكوش علينا بمقولة إحنا كلنا فلاحين، كذريعة لإلغاء النسبة من الدستور، واللى بينا وبينكم الصندوق، إذا أُلغيت النسبة لن نسمح بتمرير هذا الدستور». وسعت لجنة المقترحات والحوار، ومقررها الدكتور محمد البلتاجى، إلى إخراج منتج شعبى لدستور مصر، من خلال جلسات الاستماع التى عُقدت مع جميع الهيئات والأحزاب السياسية فى مصر، إلا أن هذا المجهود الذى لا يمكن الانتقاص منه فشل فى حل أزمات المواد الخلافية فى الدستور الجديد، فتحولت أزمة إلغاء نسبة العمال والفلاحين إلى معركة بين أعضاء التأسيسية الرافضين لها والمؤيدين. وعلى الرغم من مطالبات القوى السياسية بتقليص صلاحيات الرئيس فى الدستور الجديد، فإن المواد التى صيغت فى جميع أبواب الدستور تعطى الرئيس صلاحيات واسعة، وتخلق منه فرعوناً جديداً.. ويتضح هذا فى المواد الخاصة بإعلان الحرب وتعيين المحافظين. والخلافات والانتقادات لم تقف عند لجان كتابة أبواب الدستور، وإنما انتقلت إلى المرحلة الأخيرة من إعداده فى لجنة الصياغة، المعنية بصياغة المنتج النهائى لأبواب الدستور، خصوصاً فى ظل خلوّ لجنة الصياغة من فقهاء الدستور، وكانوا هم الأقدر على صياغة وكتابة الدستور بشكل أكثر دقة، وتعبيراً عن الجميع. أبرز المواد الخلافية فى الدستور: 1- المادة الثانية الخاصة بمرجعية الأزهر الشريف. 2- نسبة العمال والفلاحين. 3- ضم القضاء العسكرى لباب السلطة القضائية. 4- الحبس فى قضايا النشر. 5- انتخاب المحافظين وإعلان حالة الحرب. 6- تعيين رؤساء الدولة السابقين فى مجلس الشيوخ مدى الحياة. 7- إضافة مادة انتقالية تسمح ببقاء الرئيس الحالى فى منصبه لنهاية مدته الرئاسية.