«من جاور السعيد يسعد» و«اختار الجار قبل الدار» و«جارك القريب ولا أخوك البعيد».. أمثال شعبية لا تنطبق عليها جملة ولا تفصيلاً، فرغم أنها تعيش فى بيتها منذ سنوات طويلة فإنها لم تشعر يوما بأى حنين لجيرانها، هى امرأة أربعينية شاء القدر أن تكون الغرفة التى تقيم فيها بمفردها بعد وفاة والديها وزواج أشقائها، ملاصقة لمشرحة زينهم. اعتادت «نحمده عبدالمنعم» يوميا أن تصحو على الصراخ والعويل وتنام على عديد الحزن وكلمات الفراق، فى البداية كانت تبكيها صرخات الأمهات الثكلى، ويدمى قلبها بكاء الأطفال الأيتام، كانت حالتها النفسية تسوء مع كل جثة تدخل وتخرج من المشرحة ومع الوقت اعتادت على الصراخ والعويل وعلى رؤية الجثث. حجرة لا تزيد على 3 أمتار ورثتها نحمده عن والدها، وتعيش فيها بمفردها، دون أن يتسرب إلى قلبها أى خوف من المشرحة التى تلاصق غرفتها فقد اعتادت أن تقف على باب غرفتها فترى جثثاً تخرج وتدخل وأهالى يتمزقن حزنا على ذويهم، فتدخل لتواصل ما كانت تفعله دون أن يحرك المشهد فيها ساكنا. علاقة نحمده بالمشرحة لم تقف عند مرحلة الفرجة، فهى تساعد العمال والحانوتية فى نقل الجثث وتغسيل الأموات، مقابل دخل بسيط يعينها على الحياة، ليس هذا فقط بل باتت المشرحة بيتها الثانى، إنها تستخدم دورة مياهها باستمرار لأن غرفتها بلا دورة مياه، تقول نحمده: «زمان كان المبنى القديم من غير شبابيك وكنت طول اليوم أشوف جثث وأنا طالعة وداخلة من الحمام، ومرة شفت طبيب بيشرح جثة وهو بياكل قعدت اضحك عليه ولفت نظرى منظره وهو بياكل أكثر من وهو بيشرح». الغريب أن نحمده التى عاشت سنوات طويلة فى هذه الغرفة، ملت منها، وتتمنى أن تعيش فى مكان آخر لا يعلو فيه صوت الصراخ والعويل: «طول عمرى عايشة بين الأموات.. نفسى بقى أموت بين الأحياء».