«أول فرع بجنوب شرق آسيا».. بدء الدراسة رسميًا بجامعة الإسكندرية في ماليزيا (صور)    البورصة المصرية تغلق الجلسة عند مستوى 36100 نقطة    وزير التعليم يوقع مذكرة تفاهم مع شركة يابانية لتعزيز تعليم الموسيقى بالمدارس    اتصال هاتفى بين وزير الخارجية ونظيره اليوناني    صلاح محسن يقود تشكيل المصري ضد بيراميدز في الدوري المصري    حملة مشتركة للكشف تعاطي المواد المخدرة والمخالفات المرورية بشارع الجيش بالمنصورة    بالصور والفيديو سابقة تحدث لأول مرة لفيلم مصري.. برج المملكة يحمل أفيش فيلم درويش لعمرو يوسف    الثلاثاء المقبل.. طرح أول أغنية من ألبوم ويجز الجديد    بعد طرح بوستر فيلم "جوازة في جنازة "تعرف على مواعيد عرضه بمصر والعالم العربي    فابريزيو رومانو يكشف موقف مانشستر سيتي من رحيل نجم الفريق    بعد اعتذار الجونة.. إعادة قرعة الدوري المصري للكرة النسائية (مستند)    جهاز الاتصالات: إيقاف الهواتف التي تجري المكالمات التسويقية الإزعاجية بداية من الأسبوع المقبل    موجة حارة.. حالة الطقس غدًا الأربعاء 20 أغسطس في المنيا ومحافظات الصعيد    بعد سرقة دراجته النارية.. إصابة شاب بطلق ناري على يد مجهولين بقنا    كان بيعدي السكة.. وفاة شخص دهسا تحت عجلات القطار في أسيوط    4374 فُرصة عمل جديدة في 12 محافظة بحد أدنى 7 آلاف جنيه    عائلات المحتجزين الإسرائيليين: نتنياهو يكذب ويضع شروطًا غير قابلة للتنفيذ لإفشال الصفقة    رئيس هيئة الرقابة على الصادرات: تقليص زمن الإفراج الجمركي إلى يومين بنهاية 2025    عمرو يوسف يحتفل بالعرض الخاص لفيلم "درويش" في السعودية    حقيقة إحالة بدرية طلبة للمحاكمة الاقتصادية.. محاميها يكشف التفاصيل    تكليفات بتوفير أصناف العلاج المختلفة بصيدلية مركز طب أسرة صحة أول بأسوان    لأول مرة «بإهناسيا التخصصى».. استئصال ورم كبير متضخم بالغدة الدرقية لمسنة تعاني صعوبة التنفس    نفق وأعمال حفر إسرائيلية جديدة داخل ساحة البراق غرب المسجد الأقصى    وزير الخارجية: الكرة الآن أصبحت في ملعب إسرائيل لوقف إطلاق النار    محمد مطيع رئيسًا للاتحاد الإفريقي للسومو ونائبًا للدولي    كيف تعرف أن الله يحبك؟.. الشيخ خالد الجندى يجيب    الشيخ خالد الجندى: افعلوا هذه الأمور ابتغاء مرضاة الله    ميلان يخسر خدمات رافاييل لياو في الجولة الأولى للدوري الإيطالي    محافظ الأقصر يلتقي وفد أهالي المدامود ويعلن زيارة ميدانية عاجلة للقرية    «التعليم العالي»: إعلان القائمة المبدئية للمرشحين لمنصب رؤساء 5 جامعات أهلية    مصادر طبية: 40 شهيدًا بنيران الاحتلال في مناطق عدة منذ فجر اليوم    صور.. النقل تحذر من هذه السلوكيات في المترو والقطار الخفيف LRT    "رقص ولحظات رومانسية"..منى زكي وأحمد حلمي في حفل عمرو دياب في الساحل الشمالي    أول تعليق من أشرف زكي بعد تعرض ألفت عمر للسرقة في باريس    تدريب المعلمين على تطبيقات الآلة الحاسبة.. بروتوكول جديد بين "التعليم" و"كاسيو"    بالصور- وزير العدل يفتتح مبنى محكمة الأسرة بكفر الدوار    من هم أبعد الناس عن ربنا؟.. أستاذ بالأزهر يجيب    بي بي سي ترصد طوابير شاحنات المساعدات عند معبر رفح بانتظار دخول غزة    "فاليو" تنجح في إتمام الإصدار السابع عشر لسندات توريق بقيمة 460.7 مليون جنيه    بالصور- افتتاح مقر التأمين الصحي بواحة بلاط في الوادي الجديد    «الوعي»: التحرك المصري القطري يُعيد توجيه مسار الأحداث في غزة ويعرقل أهداف الاحتلال    مدير أوقاف الإسكندرية يترأس لجان اختبارات القبول بمركز إعداد المحفظين    تأجيل محاكمة عاطل بتهمة سرقة طالب بالإكراه ل23 سبتمبر    مواصلة الجهود الأمنية لتحقيق الأمن ومواجهة كافة أشكال الخروج على القانون    استعدادًا للعام الجديد.. 7 توجيهات عاجلة لقيادات التربية والتعليم بالدقهلية    تقديم الخدمات الطبية المجانية ل263 مريضاً بمحافظة كفر الشيخ    فنان شهير يفجر مفاجأة عن السبب الرئيسي وراء وفاة تيمور تيمور    "الموعد والقناة الناقلة".. النصر يصطدم بالاتحاد في نصف نهائي السوبر السعودي    صعود جماعي لمؤشرات البورصة بمستهل جلسة اليوم    إلغاء إجازة اليوم الوطني السعودي ال95 للقطاعين العام والخاص حقيقة أم شائعة؟    وزير الدولة للاقتصاد والتجارة والصناعة الياباني: الاقتصاد المصري يحتل أهمية خاصة للاستثمارات    «الري»: منظومة إلكترونية لتراخيص الشواطئ لتسهيل الخدمات للمستثمرين والمواطنين    الداخلية تؤسس مركز نموذجي للأحوال المدنية فى «ميفيدا» بالقاهرة الجديدة    «100 يوم صحة» تقدم 52.9 مليون خدمة طبية مجانية خلال 34 يومًا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 19-8-2025 في محافظة قنا    عماد النحاس يكشف موقف الشناوي من مشاركة شوبير أساسيا    رابط نتيجة تقليل الاغتراب 2025 بعد انتهاء تسجيل رغبات طلاب الثانوية العامة 2025 للمرحلتين الأولي والثانية    «ثغرة» بيراميدز تغازل المصري البورسعيدي.. كيف يستغلها الكوكي؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأماكن التي مر عليها الاثنان: التغيير يسكن «الروح»
«الملاءات» استبدلت ب«العباءات» والمنازل ب«العمارات».. و«نبوت الفتوة» ب«الأسلحة البيضاء»
نشر في الوطن يوم 29 - 08 - 2012

مع بداية الرحلة فى شوارع وأزقة روايات نجيب محفوظ، تبدأ الشخصيات المصرية القديمة فى التجلى، وكأن أرواحهم خرجت لتقع فى مقارنة غير عادلة مع الشخصيات المصرية الحالية، بعد مرور ما يقرب من 100 عام على رحيلهم، وقد تغيرت ملامح المصريين وأخلاقهم.
«الفتوة» فى رواية الحرافيش، ربما كانت هناك دوافع من ضعف وجهل وخنوع خلقت لكل منطقة رجلا يحميها ويفرض «إتاوة» على أهلها، ويؤدب من يعارضه أو يخالفه، وعلى الرغم من أن الأديب لم يحدد تاريخا معينا لتلك الأحداث، فإن البعض توقع أن تنتمى لحقبة الأسرة العلوية، أما الفتوة الآن فيظهر فى كل مكان وكل وقت.
بالقرب من ميدان العتبة، تبحث عن السيارات الصغيرة «ربع نقل»، التى تقل الركاب إلى منطقتى الأزهر والحسين، فقط بالمرور أعلى كوبرى الأزهر، الأجرة 3 جنيهات.. بصوت يحمل نبرة تهديد وفرض، تحدث سائق السيارة الأجرة، لا يحمل «نبوتا خشبيا» فى يده، ربما لأن أدوات البلطجى الآن اختلفت كثيرا عن روايات محفوظ التى استوحاها من شوارع وأزقة القاهرة الفاطمية.
بمجرد العبور من أعلى كوبرى الأزهر، يتجلى مشهد لم يذكره محفوظ أبدا فى رواياته، إنه الزحام الشديد للسيارات فى الشارع الضيق المخنوق، وأبواق السيارات التى تصمّ الآذان، والمارة الذين يعبرون الطريق حاملين عشرات الأجولة الممتلئة بلوازم منزلية، بعد أن تحول شارع الأزهر إلى مكان مخصص لشراء الأقمشة بجميع أنواعها.
ينتهى دور السائق بالقرب من مسجد الحسين، وتبدأ رحلة السير على الأقدام بداية من خان الخليلى وحى الجمالية، الحوارى التى أجاد الأديب العالمى وصفها ورسم ملامحها، عشرات الدروب المتشابكة التى تحتاج إلى مرشد يقود الدخول إليها والخروج منها.
أطلال المشربيات الباقية من الزمن البعيد تحتاج رحلة بحث طويلة داخل قلب الجمالية، وعند العثور على ما تبقى من ملامح وصف محفوظ نجد حالها الآن متهالكا، يغطيها غبار أحقاب تاريخية مرت عليها وهى تشاهد ملامح مصر الفاطمية تتغير، مرورا بالاحتلال البريطانى والثورة العسكرية فى 1952، والثورة المدنية فى 25 يناير 2011، يمكن تمييزها بسهولة؛ لأن المنازل التى تغطيها المشربيات العتيقة تستند إلى عشرات الدعامات الخشبية أو الحديدية خشية سقوطها.
مشربية «أمينة» فى الرواية كانت تقع أمام سبيل بين القصرين، طبقا لوصف محفوظ: «يلتقى تحتها شارع النحاسين الذى ينحدر إلى الجنوب وشارع بين القصرين الذى يصعد إلى الشمال»، وكانت هى تسترق النظر من الثقوب المستديرة الدقيقة التى تملأ أضلافها المغلقة عند انتظارها بعلها السيد أحمد عبدالجواد وهو عائد من سهرته منتصف الليل.
مدخل بين القصرين الآن تزينه لوحة معدنية كبيرة سوداء بها خريطة لتوضح للزوار تاريخ المكان وتكوينه، وعلى اليمين يوجد طابور طويل على كشك الخبز المدعم، الذى لم تعاصره شخصيات محفوظ، وأمامه توجد عربة خشبية صغيرة بها ألواح زجاجية لبيع «السمين والكبدة»، وحول العربة يقف مجموعة من الرجال يتناولون طعامهم وهم يراقبون المارة.
أمام كشك الخبز وعربة «السمين» يقع مسجد ومدرسة محمد بن قلاوون بنقوشه القديمة المحفورة التى ما زالت تحفظ للمنطقة آثارا مرت عليها أجيال، حتى إن أمينة، بطلة ثلاثية محفوظ، كانت دائمة النظر إلى مئذنتى قلاوون وبرقوق، اللتين ترصدهما من خلف مشربيتها.
الصورة التى جسدتها كلمات محفوظ للقراء ربما تحتاج اليوم إلى «عصف ذهنى» لاستحضارها؛ فالبيوت التى كانت يسكنها أبطاله أزيل معظمها، وظهرت الآن بدلا منها عمارات تصل إلى خمسة أدوار.
واختفى باب البيت الكبير الذى يغلق بالمزلاج، وكذلك المشربية الأرابيسك دقيقة الصنع، التى وصف من خلفها محفوظ حياة السيدة المصرية المغلقة من خلال عائشة، ابنة أحمد عبدالجواد، التى كانت تختفى لتراقب الضابط الشاب الذى أعجبت به من خلف المشربية، التى حل مكانها اليوم النافذة المكونة من أضلاف «شيش خشبى» وزجاج، حتى أشباه الفتاة عائشة استبدل بهن أيضا فتيات يقفن بكل ثقة لنشر الغسيل بعد عصره فى الشارع للتخلص من المياه الزائدة.
عند مدخل بيت القاضى الذى تحول إلى جراج للسيارات، بعد عبور البوابة، تبدأ أشباح نساء نجيب اللاتى رسم ملامحهن يرتدين الملاءات السوداء فى الاختفاء، بعد أن حلت مكانهن سيدات أخريات يرتدين العباءات السوداء، وهناك من ترتدى الخمار، وأخريات يلبسن النقاب، السيدات أصبحن يتحركن بحرية أكثر بعد أن كسرن حاجز المشربية، الذى منع نساء محفوظ من الاندماج فى المجتمع، والذى اقتصر على العوالم فقط.
أمام «قسم شرطة الجمالية» فى الجهة المقابلة، يقع منزل نجيب محفوظ الذى وُلد به، يشير محمد عبده الحصرى، صاحب مصنع «اللىّ»، إلى البيت الذى يقع أسفله مقهى عند مدخل حارة قرمز: «ده مكان البيت اللى اتربى فيه، لكن اتهد واتبنى واحد غيره».
يستشهد الرجل الخمسينى، الذى يجلس مع سيدة جارته بجوار مصنعه الذى يبعد عن مكان منزل محفوظ نحو 10 خطوات: «مش هو قال إنه كان بيشوف مئذنة مسجد الحسين وجامع برقوق من الشباك»، ويؤكد على كلماته بالإشارة إلى المئذنتين.
الطريق الضيق الملتوى الصغير «تعافر» أشعة الشمس لتتسلل إليه، مما يميز عطوف وأزقة الحسين وخان الخليلى والجمالية؛ حيث مداخل الدروب فقط نظيفة أرضيتها من الحجارة كما شارع المعز، وتحمل معظم الأزقة أسماء مدونة على لوحات زرقاء.
فى الطريق إلى «قصر الشوق» يفتتح الشارع الضيق برقعة كبيرة من مياه الصرف الصحى تغرق المكان، ويتعامل سكان المنطقة مع الأمر بكل سهولة، بعد السير على قوالب الطوب المتراصة على جانبى الطريق المتعرج غير المنتظم.
خطوات قليلة وتبدأ «مواسير» المياه الضخمة فى الظهور، تعوق حركة المارة تماما، تقف مثل حجر عثرة فى طريقهم، والعبور له طريقتان: إما الانحناء للمرور من أسفل الماسورة، أو الصعود على سقالة خشبية ثم النزول من الاتجاه الآخر على واحدة شبيهة، خلاف أكوام القمامة المنتشرة على جوانب الممرات الضيقة.
حارة قصر الشوق، المتفرع عنها عدد من الحارات والعطوف، يقدرها الأهل بنحو 8 أزقة صغيرة تقف البيوت بداخلها منحنية صامتة، تستمع إلى حركة المارة الدؤوب التى تتلاشى مع المرور بالقرب من مدرسة الملكة شوق، على مدخل الحارة المنحنية، وطبقا لرواية الحداد الذى التحق بالمدرسة فى الخمسينات قبل سقوط أجزاء من جدرانها، فإن هذا المنزل يعود لأميرة تدعى شوق، لكنه لا يعرف لأى حقبة تاريخية تنتمى.
القاهرة الفاطمية التى استوحى محفوظ منها شخصيات ووقائع رواياته ربما تندثر ملامحها بفعل الزمن، مثل اختفاء عساكر الإنجليز والطربوش والبرقع والمشربية والسوارس، التى صدمت أمينة عندما حاولت زيارة الحسين.
كما أن أهالى الجمالية من الأجيال الجديدة لا يعرفون جيدا أماكن مشهورة حملت أسماء كتب وروايات للأديب الحائز جائزة نوبل مثل زقاق المدق، والسكرية، أما متوسطو العمر فيعرفون بعض المناطق، لكن لا يربطون الأماكن بروايات محفوظ.
ويبقى فقط من يمتلكون المعلومات هم الأجيال الكبيرة التى تخطى عمرها 50 عاما، هؤلاء لم يعاصروا أحداث روايات محفوظ، لكنهم استمعوا إلى الحكايات من الآباء والأجداد فى جلسات السمر الليلية على المقاهى المنتشرة هناك، وبعضهم يتذكر نزوله فى الصباح الباكر لشراء الجريدة، وآخرون يستحضرون صورته وهو جالس على مقهى الفيشاوى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.