سعر الذهب اليوم فى السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات السبت 20 إبريل 2024    300 جنيها .. مفاجأة حول أسعار أنابيب الغاز والبنزين في مصر    عميد تجارة الإسكندرية: السيطرة على سعر الصرف يزيد من فرص الاستثمار    المتحدث باسم الحكومة: الكهرباء بتقطع عندنا في مجلس الوزاء    ارتفاع ضحايا مجزرة "تل السلطان" برفح الفلسطينية ل 6 شهداء    عاجل.. انفجار قوي يهز قاعدة عسكرية بمحافظة بابل في العراق    سفيرة البحرين: زيارة الملك حمد لمصر تأكيد على وحدة الصف بين البلدين    دوري أدنوك للمحترفين.. 6 مباريات مرتقبة في الجولة 20    أولمبيك آسفي يهزم يوسفية برشيد في الدوري المغربي    استون فيلا يفقد مارتينيز أمام اولمبياكوس في دوري المؤتمر الأوروبي    مدرب مازيمبي: عندما يصل الأهلي لهذه المرحلة يصبح فريقا هائلا    يوفنتوس يواصل فقد النقاط بالتعادل مع كالياري.. ولاتسيو يفوز على جنوى    ملف يلا كورة.. عقل كولر.. قائمة الزمالك لمواجهة دريمز.. وتألق مرموش    تقارير: مانشستر سيتي يخطط للمستقبل بدون جوارديولا.. ومدرب جيرونا "خليفته المحتمل"    وزارة الداخلية تكرم عددا من الضباط بمحافظة أسوان    جنازة مهيبة للطفل ضحية جاره.. ذبحه داخل شقة في شبرا الخيمة    حريق هائل بمخزن كاوتش بقرية السنباط بالفيوم    العثور على جثة طفل مذبوح داخل شقة سكنية بشبرا الخيمة    استعد لاحتفالات شم النسيم 2024: نصائح وأفكار لتجديد فرحة الربيع بأساليب مميزة    بليغ حمدي الدراما.. إياد نصار يكشف سر لقب الجمهور له بعد «صلة رحم»    أبرزهم عمرو دياب وإيهاب توفيق.. نجوم الفن فى زفاف نجل محمد فؤاد (صور)    آمال ماهر تتألق في حفلها بالتجمع الخامس.. صور    خالد منتصر: معظم الإرهابيين مؤهلات عليا    أدعية الرزق: مفتاح للسعادة والاستقرار - فوائد وأثرها الإيجابي في الحياة    تعليق مثير من ليفاندوفسكي قبل مواجهة «الكلاسيكو» ضد ريال مدريد    قطر تعرب عن أسفها لفشل مجلس الأمن في اعتماد قبول العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة    الحكومة تكشف حقيقة استثناء العاصمة الإدارية من قطع الكهرباء (فيديو)    داليا عبد الرحيم: الإخوان أسست حركات لإرهاب الشعب منذ ثورة 30 يونيو.. خبير: عنف الجماعة لم يكن مجرد فعل على الثورة.. وباحث: كان تعاملهم برؤية باطنية وسرية    باحث عن اعترافات متحدث الإخوان باستخدام العنف: «ليست جديدة»    دخول مفاجئ للصيف .. إنذار جوى بشأن الطقس اليوم وبيان درجات الحرارة (تفاصيل)    باحث ل«الضفة الأخرى»: جماعة الإخوان الإرهابية تتعامل برؤية باطنية وسرية    عمرو أديب يطالب يكشف أسباب بيع طائرات «مصر للطيران» (فيديو)    عاجل - فصائل عراقية تعلن استهداف قاعدة عوبدا الجوية التابعة لجيش الاحتلال بالمسيرات    إعلام عراقي: أنباء تفيد بأن انفجار بابل وقع في قاعدة كالسو    خبير ل«الضفة الأخرى»: الغرب يستخدم الإخوان كورقة للضغط على الأنظمة العربية المستقرة    يسرا: فرحانة إني عملت «شقو».. ودوري مليان شر (فيديو)    «عايزين نغني سطلانة زيكم».. عمرو أديب يهاجم بعض رموز النادي الأهلي (فيديو)    وزير الرياضة يتفقد المدينة الشبابية بالغردقة    سر الثقة والاستقرار: كيف تؤثر أدعية الرزق في حياتنا اليومية؟    أدعية الرزق: دروس من التواصل مع الله لنجاح وسعادة في الحياة    مرض القدم السكري: الأعراض والعلاج والوقاية    مرض ضغط الدم: أسبابه وطرق علاجه    متلازمة القولون العصبي: الأسباب والوقاية منه    تجنب تشوه العظام.. أفضل 5 مصادر غنية بفيتامين «د» يجب عليك معرفتها    «هترجع زي الأول».. حسام موافي يكشف عن حل سحري للتخلص من البطن السفلية    داليا عبد الرحيم: الإخوان أسست حركات لإرهاب الشعب منذ ثورة 30 يونيو    تقليل الاستثمار الحكومي وضم القطاع غير الرسمي للاقتصاد.. أهم ملامح الموازنة الجديدة    وزير الأوقاف ومحافظ جنوب سيناء يفتتحان أعمال تطوير مسجد الصحابة بشرم الشيخ    محافظ قنا: بدء استصلاح وزراعة 400 فدان جديد بفول الصويا    بفستان أزرق سماوي.. بوسي في حفل زفاف نجل شقيقة غادة عبد الرازق| صور    11 جامعة مصرية تشارك في المؤتمر العاشر للبحوث الطلابية بكلية تمريض القناة    الحماية المدنية تسيطر على حريق في «مقابر زفتى» ب الغربية    50 دعاء في يوم الجمعة.. متى تكون الساعة المستجابة    انتشال جثتي شابين غرقا في نهر النيل أطفيح    حماة الوطن يهنئ أهالي أسيوط ب العيد القومي للمحافظة    معلومات الوزراء يكشف أهداف قانون رعاية حقوق المسنين (إنفوجراف)    نصبت الموازين ونشرت الدواوين.. خطيب المسجد الحرام: عبادة الله حق واجب    "التعليم": مشروع رأس المال الدائم يؤهل الطلاب كرواد أعمال في المستقبل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القرآن الكريم أساس الفن الإسلامى.. الآية والسورة منطلق الصلة بين الجزء والكل
نشر في المصري اليوم يوم 06 - 09 - 2009

أمر تحت الساباط الذى كنت أقف داخله متطلعاً إلى من يمر بالشارع الضيق المؤدى إلى مسجد أصلم السلحدار، أصبح مسجد قجماس الإسحاقى ورائى، أمر بحارة سعد الله، درب المحروق مازال يحتفظ بالاسم الذى ذكره به المقريزى، الشوارع والدروب فى القاهرة القديمة منظومة تتوازى مع فن الزخرفة الإسلامى.
هناك شارع طويل عريض، يليه الدرب الواصل بين شارعين أو ساحتين، مثل الدرب الأصفر الذى يصل بين شارعى المعز والجمالية، وقد يكون سداً لا يؤدى إلى شىء، مثل درب الطبلاوى الذى كان يصل شارع الجمالية بقصر الشوق يوماً ثم قامت عمارة جعلته سداً، وقد عشت فى كليهما، الطبلاوى والأصفر وكلاهما كانا جزءاً من القصر الشرقى الكبير فى العصر الفاطمى.
الحارة يمكن اعتبارها شارعاً أضيق، أو ناحية تضم عدة دروب وأزقة.
الزقاق: شارع أقصر وأضيق.
العطفة: أى منحنى.
الخوخة: ثقب فى جدار أو عبر مبنى يصل بين دربين أو زقاقين، وأحياناً يضطر الإنسان إلى تسلق مرتفع ليجتاز خوخة محفورة فى مبنى، عبورها يقصر المسافة، هذه هى تقسيمات المدينة القديمة والتى تبدو للغريب الذى يجهلها عشوائية، تمضى كيفما أتفق، بينما حقيقة الأمر أن المدينة منظمة، منضبطة وفقاً لقوانينها الخاصة.
مرة أخرى نحن أمام الجزء والكل، تلك سمة خاصة بالرؤية الإسلامية للكون، أساسها القرآن الكريم حيث المفتتح، الفاتحة، لذلك نجد أجمل أجزاء العمارة الباب، الباب دعوة، تأمين للغريب، للعابد، يلى ذلك رؤية مستمدة من الآية والسورة، كل آية يمكن أن تُقرأ لذاتها، غير متصلة بما قبلها وما بعدها، ويمكن أن تُقرأ كجزء من تكوين آخر، السورة، تلك الرؤية تحكم الفن الإسلامى وأساليب القص أيضاً، فالأعمال الأدبية الكبرى للأصبهانى (الأغانى) والجاحظ (البخلاء والحيوان وغيرهما) والتوحيدى (الإمتاع والمؤانسة)،
أيضاً ألف ليلة وليلة، هذه الأعمال وغيرها مبنية على تلك العلاقة بين الجزء والكل، إنها رؤية كامنة فى كل الفنون والإبداعات التى تنطلق من رؤية إسلامية، رؤية مبثوثة فى النشأة والتكوين، ليس من الضرورى الوعى بتفاصيلها، لم تتغير إلا فى القرن التاسع عشر مع بدء الاحتكاك وتمثل منجز ورؤية الحضارة الغربية.
ها أنذا أصل إلى ميدان صغير، ثمة شجيرات متناثرة، ألمح عربة يد يدفعها شاب، محملة بصناديق مطعمة بالصدف، المنطقة يسكنها ويعمل بها فنانون يعملون فى الخشب والجلد والفنون التى ينظر إليها المجتمع بتعال على أساس أن هؤلاء المبدعين (صنايعية) أى لا تنطبق عليهم صفة الإبداع. وهذا نتيجة لتأثير اللغة، إذ أطلق على أول مدرسة أنشأها محمد على باشا فى روض الفرج، مدرسة الفنون والصنائع،
هكذا جرى الأمر فامتدت كلمة الصنائع لتشمل الفنون الحرفية كافة، وهبطت مرتبة أهلها، أقول إننى من خلال معايشتى لهم عرفت فنانين مبدعين كباراً فى شتى المجالات يستحقون التقدير الأجل، وهذا موضوع سأعود إليه لأفصل أمره، الآن وصلت إلى مدخل مسجد الأمير أصلم بهاء الدين السلحدار.
مرة أخرى أفكر فى وادى الملوك، فى القانون الذى يحكم هرمية السلطة فى مصر، ليس فى الحياة الدنيا فقط، إنما فى مراقد الآخرة، فى وادى الملوك، لا نجد إلا مراقد ملوك مصر فقط، على مسافة ليست قصيرة نجد قبور النبلاء فى منطقة دراع أبو النجا،
أما الفنانون الذين رسموا الآلهة والملوك فلهم قرية صغيرة منزوية، ثمة مسافة يجب أن تُراعى حتى فى المراقد الأخروية، يبدو أن ذلك ليس مقصوراً على مصر فقط، خلال زيارتى لمدينة مراكش التى أحب الإقامة فيها وتربطنى بأهلها صلات مودة، زرت مقابر السعديين الذين حكموا المغرب، المقابر هناك بسيطة، كل فى لحده،
لكن ترتيب المقابر يوازى ترتيب السلطة، الأمراء ثم يليهم بعد مسافة كبار الموظفين، ثم مسافة أكبر حيث الخدم، هنا فى القاهرة يبدأ الترتيب من القلعة حيث ساكن الجنان -كما كان يلقب قبل ثورة يوليو- محمد على باشا، ثم نتدرج، مساجد السلاطين تطل على الطريق الأعظم، السلطان حسن فى المواجهة، إلى جواره مسجد خوشيار هانم المعروف بالرفاعى، فى الميدان مسجد الوالى العثمانى محمود باشا، على مقربة مسجد قانى باى الرماح أمير آخور (أى أمير الخيل) وكان أميراً مهاباً، كلما كبر مقام الأمير اقترب من مراقد السلاطين،
وكلما قلت أهميته ابتعد، جامع أصلم يبدو منزوياً، مهملاً، مفردات جماله مطمورة فى الظل، رغم أنه يطل على ميدان، أى مجمع طرق لكنه لا يسمق ولا يشب، رغم أن واجهته مرتفعة، غزيرة النقوش، المدخل المؤدى إليه من حجارة بيضاء وسوداء، نظام الأبلق، الأبيض المصفر والأسود نجدهما فى أبلق الشام.
إننى أتوقف عند المساجد التى عرفتها بصحبة الوالد منذ طفولتى، وقد صليت هنا الجمعة، كان هدفنا الرئيسى هنا مسجد السيدة فاطمة النبوية والتى نجىء إليها من ميدان الحسين راكبين عربات خضراء اللون تجرها البغال، تتبع شركة أحد اليونانيين، كان اسمه سوارس، كان أبى يتعرف على سائر المساجد ويقول إنها كلها سواء، بيوت الله.
منذ أن جئته طفلاً وأنا أجده ذا شجن باد، ربما لأنه غير معتنى به، منسى، وحيد، مثل الإنسان الذى لا يزوره أحد ولا يقصده أحد، كما يكون الإنسان فرداً وحيداً، هكذا بعض المبانى، أحياناً تبدو شائخة، وحيدة.
أعلى الباب دائرة تحفها نقوش جميلة، ألمح حمامة فى منتصفها المفتوح، تحتها اللوحة التذكارية.
«أنشأ هذا الجامع العبد الفقير إلى الله تعالى أصلم بن عبدالله السلحدار الملكى الصالحى.. سنة ستمائة وسبعة وأربعين هجرية..»
ألمح بقايا نقوش نحاسية على الباب، بعض مما كان يغطيه، بمجرد دخولنا نصل إلى صميم البناء، ربما لأن المساحة كلها محدودة، لكن هذه الخطوة الفاصلة بين الداخل والخارج تنقلنا إلى عالم مغاير، للجامع ثلاثة أسماء، الأول: الأمير بهاء الدين أصلم السلحدار، والثانى يطلقه الناس عليه «أصلان»، واضح أنه تم تخفيف أصلم إلى أصلان، والثالث «البهائى» نسبة إلى الاسم الأول للمنشئ «بهاء الدين».
رغم أن للجامع قبة لكن لا يوجد به ضريح، لهذا يفضل السنية كما يعرف الناس المتشددون هنا، الصلاة به، وهذا من التأثيرات الوافدة من شبه الجزيرة، ليس من المستحب عندهم الصلاة فى مساجد بها أضرحة، ومما عرفته من الدكتور خالد فهمى، أستاذ التاريخ بجامعة نيويورك، أنه اكتشف تغير عادات الدفن عند بعض المصريين، ثمة من يرفض الآن الدفن فى غرف مبنية تحت الأرض، إنما يفضل اللحد كما هو متبع فى السعودية وبعض دول الخليج، اكتشف الدكتور خالد ذلك خلال قيامه ببحث ميدانى عن منطقة الخليفة.
فى الجامع هنا غرفة للدفن لكنها خالية، وربما أراد الأمير أصلم أن يرقد فيها لكن القدر لم يمهله، حارس المسجد يعيش بمفرده فيها منذ ثلاثين عاماً، أرى بقايا محراب، بقايا رخام كان يغطيه يوماً، ثمة مساحات زخرفية، تعلوه ثلاث دوائر داخلها حشوات من الجبس، الدائرة الوسطى مركزها زهرة من ست أوراق، يتفرع منها أشكال نباتية على هيئة أذرع، كل منها تنتهى بآية قرآنية، فى فراغ المسجد ستة أعمدة موزعة، من تيجان الأعمدة يمكن معرفة الأصل، من مبنى قديم المرجح أنه كنيسة، خلال مسار الزمن تداخلت عناصر المعمار بين دور العبادة المختلفة، أجزاء من المعابد دخلت فى كنائس وأجزاء من كليهما يمكننا رؤيتها فى المساجد، هكذا نرى المعبد فى الكنيسة فى المسجد، تتوحد الأحجار ويتفرق الإنسان، أما الغاية فواحدة، عبادة الله سبحانه وتعالى عبر سلوك طرق مختلفة كلها تؤدى إليه، فلنتأمل.
كما ذكرت فإن كل مسجد حالة خاصة، ألمح هنا شرفة خشبية مرتفعة، أخرى تقارب السقف المرتفع، عنصر خاص بالمكان، لماذا أنشئ هكذا؟، هل يقوم مكان دكة المبلغ فى المساجد الأخرى، أهو مكان منعزل لصلاة النساء؟، أنه يحتمل هذا كله، إذ أصل إليه، أطل منه على فراغ المسجد أتمكن من رؤية مجموعة نادرة من الزخارف موزعة على ثلاث مجموعات، كل منها يتكون من دوائر ومربعات، مربعات مائلة وأخرى قائمة، دائرة فى الشرق تواجهها أخرى فى الغرب، رمزان جليان للشروق والغروب، للبداية وللنهاية، ثمة نوافذ مستطيلة محفوفة بإطار من الكتابة الكوفية المورقة،
أتذكر الكتابة المورقة فى مسجد الحاكم بأمر الله، ثمة تأثير فاطمى لا تخطئه العين، زخارف تشبه تلك الموجودة فى مسجد الصالح طلائع، النقوش الموزعة فى توازن غير مرئى لكنه محسوس تحدث تعميقاً لحالة الشجن. بعضها منزو وبعضها على وشك الاندثار، عتاقتها، إهمالها، تجعلنا نشعر أننا فى طلل، بقايا، الدوائر والنوافذ تيسر دخول الضوء إلى الداخل، يوجد فى الجامع مخزن غلال، وجوده يعنى أن ثمة مكاناً للإقامة، ربما كان المنشئ يقصد استضافة الصالحين أو المسافرين العابرين.
قبل أن أتطرق إلى منشئ المسجد الأمير أصلم أتوقف عند إنسان أصبح من المعالم هنا، عم محمد، أقول له يا عم رغم أنه يصغرنى سناً، أحاوره فى الشرفة الخشبية المرتفعة، من خلال صلته بالمكان نقف على ما يشد البشر إلى الحجر هنا، كلاهما يتبادلان التأثير.
يقول عم محمد إنه من مواليد حارة جامع أصلان رقم 49، وراء المسجد، اعتاد التردد على المسجد الذى كان شبه مهجور، تعرف إلى رجل اسمه محمود، كان يصعد إلى المئذنة ويرفع الأذان، ويبذل الجهد للحصول على سجاد من أهل الخير، كان فى المسجد اثنان من المنصورة يتبعان الأوقاف، أحدهما عاد إلى بلده، وبقى الآخر وكان مرتبه ضئيلاً جداً لا يفى حاجته لذلك ترك العمل، لم يكن مقبولاً أن يغلق المسجد، عم محمد أخذ المفتاح، وفى هذه الأيام انهار البيت القديم الذى يقيم فيه، آوى إلى الجامع أصبح يقوم بكل شىء، كنس ومسح.
أسأله عما إذا كان لديه ارتباط خاص بالمكان، يقول بسرعة:
«أنا لو ماكنتش عشقت أصلم ماكنتش قعدت، طيب ما أنا كان ممكن أروح مسجد فاطمة النبوية، لكن كان يتهيأ لى أنى باشوفه جانى فى المنام وكان لابس أبيض فى أبيض، وقال لى خلى بالك من الجامع، الخلاصة بقيت أنا والجامع حتة واحدة».
يقول عم محمد إنه ينام فى الغرفة التى كان من المفروض أن تكون مدفناً، يغلق الباب ليلاً ويصبح متواجداً بالمكان، المنطقة فيها ناس مبسوطين، المهن الأساسية هنا النجارة والأحذية، بعد الزلزال أرادوا أن يرمموا على نفقتهم، جاء مهندس من الأوقاف وطلب الفلوس التى جمعها لكن.. «الكلام ده مايدخلش علينا».
يقول عم محمد إن أصعب لحظة مرت عليه يوم الزلزال الذى وقع عصراً، يقصد زلزال عام 1992، يومها الجامع مال ورد تانى، كان ذلك وقت صلاة العصر، لولا عناية الله بالمسجد وقوة أساسه لأصبح بسيسة، يعيش عم محمد متفرغاً تماماً للمسجد، لا أسرة ولا مشاغل أخرى، أسعد أوقاته عندما ينفرد بالمكان، عندما يصبح متواجداً بالمسجد، أحياناً يحاور نفسه ويجادلها.
أحد أصحاب ورش الأحذية على الطرف الآخر من الميدان يقول إن الأمير أصلم كان يحمل السلاح للسلطان قلاوون أو الظاهر بيبرس، إنه غير متأكد، لكن فى كل الأحوال كان يخدم «الريس»، يتدخل أحد الواقفين ليقول إن المسجد حدثت به شقوق بعد الزلزال، لكن مثل البشر فيه جوامع غنية وحظها كويس، وفيه جوامع فقيرة، أصلم يشبه الرجل الذى يتقدم فى العمر ويصبح على قد حاله، «لما يعجز يبقى غلبان» ده جامع غلبان.
هل صحيح إن أصلم غلبان؟
بالتدقيق فيما يتضمنه من نقوش وزخارف يمكن القول إنه كان ثرياً، وأن بعضا من آثار هذا الثراء مازال، فقط، يحتاج إلى بعض العناية، هنا نصل إلى الأمير أصلم، من هو؟ وما هى ملامحه؟
الأمير أصلم هو أحد مماليك المنصور قلاوون الألفى، وبعد أن تم توزيع الملك الأشرف خليل بن قلاوون بعد قتله أثناء سلطنة الناصر محمد بن قلاوون، كان نصيب الأمير سيف الدين أقوش المنصورى، ثم انتقل إلى الأمير سلار، كان المماليك بعد اختفاء سادتهم يتم توزيعهم كجزء من التركة.
بعد عودة الملك الناصر من الكرك، أنعم عليه بإمرة عشرة، أى قرر الناصر محمد ترقيته إلى أمير على عشرة مماليك، ثم ترقى إلى أمير مائة، كان ماهراً فى رمى النشاب، مع سلامة صدر وخير، إلى أن مات يوم السبت عاشر شعبان سنة سبع وأربعين وسبعمائة، عندما يموت الملك على فراشه فهذا يعنى أنه كان محمود السيرة، رقيق الطبع، معظم نهايات المماليك كانت مأساوية، خاصة الكبار منهم، الذين اقتربوا كثيراً من السلطان. يقول على باشا مبارك فى خططه:
وأنشأ بجوار هذا الجامع داراً سنية وحوض ماء، للسبيل، وإلى الآن هذا الجامع مقام الشعائر وبه أربعة ألونه، وعلى حائط الليوان الذى عليه المنبر ألواح رخام فى الدائرة، وكان على صحنه قبة هدمت الآن وبقى مكشوفاً، وله بابان بشارع أصلم، مكتوب بأعلى أحدهما:
«بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أنشأ هذا الجامع المبارك العبد الفقير إلى الله تعالى أصلم عبدالله السلاح دار المالكى الصالحى»، وأبتدأ فى عمارته فى سنة خمس وأربعين وسبعمائة وأوفى فى ربيع الأول سنة ست وأربعين وسبعمائة.
وله أوقاف تحت نظر الأسطى سليمان السندبيسى بتقرير من المحكمة، ومبلغ إيراده فى السنة اثنا عشر آلف قرش وأربعة وستون قرشاً، منها إيجار أماكن أحد عشر ألف قرش وتسعمائة وستة وتسعون قرشاً ونصف، وأحكار سبعة وستون قرشاً ونصف، يصرف منها فى الرواتب أربعة آلاف وأربعمائة وأحد عشر قرشاً ونصف والباقى للعمارات.
ينتهى ما أورده على باشا مبارك، كان فى زمنه يحسب بالقرش الذى اختفى تقريباً الآن بعد المليم، وفى الطريق الجنيه أفارق مسجد أصلم عائداً إلى الميدان، رغم الإهمال الذى يخيم على الجامع إلا أنه يترك فى نفسى أثراً، وفى خلواتى عندما أكون بمفردى أستعيده، أتذكر الضوء داخله، ونقوشه التى يتداخل فيها الفاطمى بالمملوكى، والحارس الوحيد الذى أصبح جزءاً من البنيان، أحياناً يتوحد الإنسان بالعمارة، لكن الإنسان عمره أقصر.
أعبر الميدان متجهاً إلى مسجد السيدة فاطمة النبوية، إلى اليمين زاوية صغيرة مدفون فيها الشيخ عبدالله الدسوقى شقيق الشيخ إبراهيم الدسوقى، أتوقف لقراءة الفاتحة، ثم أواصل لزيارة السيدة فاطمة النبوية، وقد كنا نتردد عليه كثيراً صغاراً بصحبة الوالدين، رحمهما الله.
يقول الناس إنها مدفونة هنا، والثابت تاريخياً أنها لم تدخل مصر، لكن ما يعنينى الرمز، المعنى، يمكن القول إنه ما من فرد من آل بيت الرسول عليه الصلاة والسلام إلا وله مرقد فى مصر، المصريون حلوا المشكلة بما يسمى مراقد الرؤيا، أن يأتى شيخ مهيب فى المنام، ويأمر أحد الصالحين ببناء مرقد لأحد أفراد بيت النبوة، يكون ذلك أمراً واجب التنفيذ، هكذا يمكننا زيارة السيدة سكينة والسيدة رقية والسيدة عاتكة فى شارع واحد يلى جامع ابن طولون،
هنا توجد الأسطورة أيضاً، بالقرب من مسجد أصلم يقول الناس عن مسجد صغير أن خادم الرسول مدفون فيه واسمه سيدى عبدالله، يذكرنا ذلك بمدينة فاس، حيث يوجد مبنى جميل فى المدينة يقول الناس إن الرسول عليه الصلاة والسلام فى طريق عودته ليلة الإسراء به عرج على فاس وشرب من عين ماء لاتزال تدفق، فاس بنيت فى القرن الثانى الهجرى، إنها المدن القديمة، لها تاريخها الخاص غير المدون يتحرك به البشر، هنا فى الدرب الأحمر تعجبت لما سمعته عن الناس عن أم السلطان شعبان، ولهذا تفصيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.