مثلت «ثورة 25 يناير» وغيرها من ثورات « العربى» منفذاً حيوياً للترويج ل«أردوغان» وحكمه الإسلامى الإصلاحى كنموذج يُحتذى به، مستغلاً فى ذلك ولاء جماعة الإخوان له، وشوق الشعوب العربية التى قبعت تحت ظلام الاستبداد، وتطمح إلى دولة تجمع بين الإسلام والحداثة، وبين الديمقراطية والنمو الاقتصادى. الاقتصاد كان القوة الضاربة التى استند عليها «أردوغان»، ففى عهده تحولت تركيا إلى مقصد للاستثمارات المباشرة، التى تجاوزت قيمتها 100 مليار دولار منذ 2003. وتجاوزت قيمة الصادرات التركية 152 مليار دولار، لتتمكن من الوصول إلى المرتبة ال17 على قائمة أقوى الاقتصادات فى العالم، ومن ثم أصبحت «تركيا» و«أردوغان» حلماً لكل الشعوب العربية. جاءت ثورة 25 يناير لتقدم تركيا نفسها كنموذج يمكن لمصر الاحتذاء به، واستغلت جماعة الإخوان الصورة المرسومة فى أذهان المصريين عن النموذج التركى لتروج لنفسها باعتبارها نموذجاً جديداً ل«العدالة والتنمية» فى مصر. وحلت الذكرى الثالثة ل«25 يناير» بينما النموذج التركى لم يعد محبوباً اليوم، حيث قالت صحيفة «لوموند» الفرنسية: «كلمة واحدة.. «المؤامرة»، هذا كل ما بقى من النموذج التركى، ففى الوقت الذى تعصف بأردوغان فضائح سياسية ومالية بقى وحده يصدح بأغنية المؤامرة بعد ما تعرض له من مطبات أنهكته. الألوان الكئيبة المسيطرة على إسطنبول اليوم أشبه بالأجواء القاتمة لنهاية عصر أو نهاية ولاية حكم، أو لعلها نهاية مسيرة ورحلة». وفى هذا أيضاً تقول صحيفة «توداى زمان» التركية، إن تركيا فقدت صورتها الإيجابية فى نظر الشعوب العربية، التى لم تعد تنظر لها باعتبارها نموذجاً فى الشرق الأوسط بسبب سياساتها الإقليمية، بعدما كانت تحظى سياستها الخارجية الناجحة والتحول الديمقراطى والاقتصادى بالإعجاب. كانت الشرارة الأولى لتراجع نموذج تركيا وانكشاف زيفه، هى مظاهرات ميدان «تقسيم» فى قلب العاصمة التركية والتى اشتهرت باسم احتجاجات «جيزى»، وخرجت ضد أردوغان على خلفية الحفاظ على البيئة، وسرعان ما أصبحت ضد انحرافات أردوغان الديكتاتورية حتى كشف عن وجهه الحقيقى وخلع قناع الديمقراطية، فى وقت شعر فيه بالتمكين ليقمع المتظاهرين من خلال جهاز شرطته بطريقة وحشية. أما سياسة «صفر مشاكل»، التى اشتهرت بها السياسة الخارجية التركية مع دول الجوار، فهى الأخرى فشلت بعد أن دخلت أنقرة فى أزمات الربيع مع العراق وسوريا وأرمينيا واليونان وصربيا، وغيرها من الدول. لكن الأزمة الأكبر جاءت بعد ثورة 30 يونيو فى مصر بعدما أطاح الشعب المصرى بجماعة الإخوان، الحليف القوى ل«أردوغان»، وفرس الرهان فى استعادة الإمبراطورية العثمانية وحلم الخليفة العثمانى الذى يحلم به، فأخذ الديكتاتور التركى يحرض الدول الغربية ضد مصر. وجاءت الضربة الثالثة، بكشف فضيحة الفساد التى طالت وزراء حكومة الديكتاتور التركى، حتى وصلت لإمكانية استدعاء ابنه الأكبر «بلال» الذى قالت الصحف التركية إن «والده تدخل بنفوذه لتسهيل حصوله على أراضٍ بأسعار قليلة أو مجاناً»، ليطلق بعدها «أردوغان» حملة واسعة ضد أجهزة الشرطة والقضاء، نتج عنها إقالة ونقل ما يقرب من 3 آلاف من جهاز الشرطة، وعشرات المدعين العموم. لم تعد لدى «أردوغان» إلا كلمة واحدة هى أن ما يحدث محاولة ل«الانقلاب» على الشرعية، و«مؤامرة» من الخارج، رغم أنه حليف وثيق لهم، مردداً ذات الكلمات التى ترددها جماعة الإخوان.