تصريحات أردوغان الأخيرة المطالبة بالإفراج عن الرئيس المعزول محمد مرسي وقيادات جماعة الإخوان أثارت ردود أفعال غاضبة على جميع المستويات الرسمية والشعبية والنخبوية واتفقت جميع وجهات النظر على أن ذلك تدخلاً مرفوضًا في الشأن الداخلي المصري، وهو ما عبرت عنه رسميًا رئاسة الجمهورية التي أكدت في بيان صحفي أن مصر تعيد تقييم علاقتها مع تركيا في ضوء ما صدر عنها من رسائل متناقضة في الآونة الأخيرة. وعلى مستوى القوى الشعبية والثورية الرافضة والمستنكرة لتلك التصريحات جاء تفسير التحركات التركية بأنها تأتى فى إطار المساعى التركية غير المعلنة لفرض سيطرتها على المنطقة العربية عبر التحالف مع القوى الغربية وتوظيف تيارات الاسلام السياسى سعيًا لبعث العثمانية فى ثوب جديد برداء دينى ومرجعية فكرية تتبنى الدفاع عن الحريات. «أكتوبر» ترصد فى سياق الموضوع التالى مختلف ردود الأفعال وتوصيف الخبراء لتحركات تركيا أردوغان وتدخلها فى الشئون المصرية. قال محمد عبد العزيز من مؤسسى حركة «تمرد» إنه يتعين على تركيا أن تدرك أن ما حدث فى مصر «ثورة شعب»، وأنها خرجت من عباءة التنظيم الدولى لجماعة الإخوان، كما أن تاريخها وطبيعة شعبها يحولان دون أن ينفرد بها فصيل بعينه على المستوى الداخلى أو خضوعها لهيمنة أيا من القوى العالمية، موضحًا أن مصر لا يوجد بها معتقلون سياسيون، ولكنهم متهمون جنائيون، ويحاكمون أمام قاضيهم الطبيعى الذى يضمن لهم محاكمة عادلة. وأكد أن هناك إصرارًا من أردوغان على التدخل فى الشأن المصرى، لتحقيق مصالح استراتيجية من بوابة البطولة المزيفة التى يسعها لاختلاقها عبر التدخل فى الشأن المصرى بصفة خاصة والشأن العربى بصفة عامة. فيما طالب أحمد دراج القيادى بالجمعية الوطنية للتغيير، المنظمات الأجنبية، وكافة دول العالم بعدم التدخل فى الشأن المصرى. وأكد دراج أن حديث أردوغان، حول الوضع فى مصر، يأتى فى إطار خدمة مصالح التنظيم الدولى للإخوان، ويبتعد تمام البعد عن الحقوق والحريات العامة. وأضاف أنه يتوجب على جميع دول العالم، من أكبرها لأصغرها، الابتعاد عن الشأن الداخلى المصرى، وترك الأمر للشعب، وللقضاء ليقول كلمته، سواءً بالإدانة حال ثبوت التهم المنسبوبة للرئيس لمعزول وجماعته أو تبرئة ساحتهم حال عدم ثبوت التهم المنسوبة إليهم. فيما اعتبر د. عمار على حسن، الباحث السياسى، أن بيان الخارجية التركية، الصادر بخصوص الإفراج عن الرئيس المعزول محمد مرسى، تدخلا فى الشأن الداخلى المصرى، موضحًا أنه ينبع من هواجس أردوغان من تكرار السيناريو المصرى، داخل دولته. التحيز التركى وأكد د. حسن أن تحقيق الطلب التركى مستحيل، نظراً لمثول المعزول وكافة قيادات الإخوان أمام القضاء المصرى، والذى لا يحق معه تدخل أى سلطة كانت محلية أو دولية، مشيراً، إلى أن التحيز التركى، لجماعة الإخوان، يجعل كافة مواقفهم غير مرحب بها، من قبل السلطات والشعب المصرى. وأضاف أن الادارة المصرية، تفهم دوافع تركيا، ووقوفها ضد الجيش المصرى، خشية انتقال السيناريو المصرى إليها، وذلك يبين أن أردوغان يعمل وفق مصلحته الشخصية، وفى سبيل ذلك يستضيف التنظيم الدولى للجماعة، مشاركاً فى مؤامرة ضد رغبة الشارع المصرى. إحياء الخلافة العثمانية من جانبه فسر نبيل زكى المتحدث الإعلامى لحزب التجمع التحركات التركية من منظور التحالفات التركية الغربية على مستوى التأمر مع أجهزة المخابرات الغربية وخاصة الأمريكية والانصياع لأوامر وتطبيق سياستها التأمرية ضد مصر، فى إطار التنسيق مع حلف شمال الأطلنطى «الناتو»، فى سبيل إحياء جثة ما يسمى «الخلافة العثمانية». وكشف زكى أن تركيا لها أطماع فى المنطقة العربية، والبيان الأخير المطالب بالإفراج عن مرسى يأتى فى إطار المصلحة المشتركة لأن الاثنين «أردوغان ومرسى» عملاء للمخابرات الأمريكية، على حد وصفه. وبخلاف ذلك أوضح أن تركيا تريد تدمير جيوش المنطقة لخدمة إسرائيل، أملا فى إقامة تحالف تركى إسرائيلى يدور فى فلك المصالح الأمريكية وتكون له الهيمنة والسيطرة على المنطقة العربية، مشيرًا إلى أن دعم الجيش السور الحر يأتى من هذا المنطلق. وأضاف أن المعزول خان وطنه وباع ضميره وارتضى أن يكون عميلاً على الشعب - حسب وصفه - ويحاكم حالياً أمام القضاء، فكيف تطالب الخارجية التركية بالإفراج عنه، وأن أردوغان يزيف الحقائق فى سبيل إثبات ولائه للمخابرات الأمريكية مثل شريكه مرسى الرئيس المعزول، ولذا يضغطان لتكرار التجربة العراقية فى مصر، وهو ما لا يمكن أن يحدث فى مصر فى ظل التفاف الشعب المصرى حول جيشه وإدراكه لما يحاك له من. المؤامرة التركية من جانبه أوضح رفعت السعيد القيادى بحزب التجمع أن تركيا تتآمر ضد مصر برعاية التنظيم الدولى للإخوان، وأن المطالبة بالإفراج عن المعزول وقيادات الإخوان عبث وتدخل فى الشأن المصرى، لن تقبل به مصر على مستوى القاعدة الشعبية ومؤسسات الحكم، مؤكدًا ضرورة أن يكون هناك ردًا حاسمًا على الموقف التركى. وأضاف السعيد أن تركيا أردوغان تهدف لتوظيف المخطط الإخوانى لجعل مصر ولاية عثمانية تابعة لها، لتحقيق مصالحها فى المنطقة. ومن ناحية أخرى أكد أن جميع القوى فى مصر ممارسة أية ضغوط داخلية أو خارجية على القضاء المصرى الذى يُحاكم الجماعة، من أجل القصاص للشهداء من الجيش والشرطة والشعب، الذين قتلوا على يد الجماعة». ومن جانبه، أوضح د. نشأت الديهى أستاذ العلوم السياسية ورئيس مركز دراسات الثورة والخبير بالشئون التركية أن الموقف التركى المعادى لثورة 30 يونيو «ثابت» ولم يتغير، وهذا الثبات يرجع لشخص أردوغان المحكوم بموقف إيديولوجى وعقائدى داعم للإخوان ومرسى منذ البداية، مغامراً بشرفه السياسى. وأضاف أن أردوغان «ديكتاتور» يدير تركيا بنفسه، وليس من خلال كيان مؤسسى، كما أنه يتحدث عن مصر وكأنها ولاية عثمانية أو تركية، وهو أسلوب يفتقد للأخلاق السياسية، لافتًا أن تنظيم الإخوان أطلق دعواته من تركيا، كما أن أردوغان هو أول من رفع شعار «رابعة»، ثم سار جميع الإخوان بالعالم على نهجه. العثمانية الجديدة من جانبه أوضح د. إبراهيم البيومى غانم أستاذ العلوم السياسية بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية أن المطامع التركية فى عودة الهيمنة التركية على منطقة الشرق الأوسط فى إطار ما وصفه بالعثمانية الجيدة التى تسعى لتوظيف التيارات الاسلامية فى الدول العربية عبر ثورات الربيع العربى وراء التحركات التركية منذ الشرارة الأولى لاندلاع الثورات العربية، مشيرًا أن تركيا أكثر الدول الإقليمية نشاطا فى دعمها ل«الربيع العربي»، حيث قامت باستضافة اجتماعين مهمين للأحزاب السورية المعارضة ومؤتمر لمجموعة التنسيق بخصوص ليبيا. وكانت تركيا أول قوة إقليمية تقوم بدعم الثورات فى تونس ومصر منذ اندلاعها. وأسهمت فى جهود منظمة حلف شمال الأطلسى لتنفيذ قرار الأممالمتحدة فى ليبيا. ومن خلال تركيا وصل معارضو النظام الخمينى فى إيران إلى ملاذ آمن. وخلال العامين الماضيين فر من إيران ما لا يقل عن 600 شخص من معارضى النظام الخميني، من ضمنهم الكثير من المسئولين البارزين السابقين. وأضاف أن تحقيق هذه الأهداف يأتى فى إطار التعاون الوثيق بين تركيا والولايات المتحدة، وهو ما جعل من تركيا حليفا للقوى التى تروج للإصلاح فى المنطقة. التراجع الاستراتيجى الأمريكى والمطامع التركية ومن ناحية أخرى أوضح د. غانم أن تركيا تحت قيادة أردوغان، أصبحت لاعبا انتهازيا بعد أن كانت تفضل الأوضاع الراهنة. مشيرًا إلى أن ذلك يأتى على خلفية التراجع الاستراتيجى للولايات المتحدة تحت رئاسة أوباما، الذى بعث من جديد للامال والاطماع التركية فى منطقة الشرق الأوسط فى اطار سياسات العثمانية الجديدة التى تسعى لتحقيق أهدافها عبر ملء هذا الفراغ بمزيج من الدبلوماسية والتجارة والقوة العسكرية. وأضاف أنه فى إطار السعى لتحقيق هذه الأهداف فإن تركيا لا تريد أن تقوم إيران، القوة المغامرة، بملء هذا الفراغ. ومع السقوط الحتمى لنظام الأسد فى دمشق، تخسر طهران دولة تابعة مهمة. كما أن التغيير فى سوريا يضع نهاية لحزب الله فى لبنان. وأوضح أنه منذ عشر سنوات، كانت هناك تكهنات بأن لدى رجب طيب أردوغان، الرجل الذى قاد الإسلاميين فى تركيا نحو السلطة، أجندة سرية تهدف إلى إيجاد دولة دينية بقبعة بدلا من العمامة. وأكد أن أردوغان نسخة تركية من فلاديمير بوتين، القيصر الروسى غير المتوج. موضحًا أنه كما يستخدم بوتين القومية الروسية فى سياسته الرامية إلى إحياء الإمبراطورية السوفياتية، وعلى الأقل جزئيا، فإنه من المفترض أن يساعد تاريخ أردوغان الإسلامى على إعادة إحياء الإمبراطورية العثمانية. بعبارة أخرى، فإن الظهور كإسلامى جديد لا يزيد على كونه وجها للأيديولوجية العثمانية الجديدة. وقد ظهرت لمحة عن ذلك فى الخطاب الأخير لأردوغان الذى كان يحتفل فيه بفوز حزبه فى الانتخابات. وزعم أن فوز حزب العدالة والتنمية يحتفى به فى جميع أنحاء شمال أفريقيا ودول البلقان والشرق الأوسط، وبعبارة أخرى، فى جميع المناطق التى كانت جزءا من الإمبراطورية العثمانية. وأضاف أنه فى إطار السعى لتحقيق تلك الأهداف تتجه تركيا نحو تعزيز وجودها الاقتصادى فى معظم هذه المناطق، حيث يقدر حجم الاستثمار التركى فى الشرق الأوسط ودول البلقان وشمال أفريقيا بنحو 100 مليار دولار. وتعد تركيا المستثمر الأجنبى الأول فى سوريا والبوسنة والهرسك وألبانيا. كما أنها شريك تجارى قوى لليبيا والجزائر. وقد نشطت البنوك التركية والمتعهدون الأتراك فى جميع أنحاء المنطقة لمدة تزيد على عشرين عاما. وسوف يلبى مشروع العثمانية الجديدة احتياجات تركيا فى بعض المجالات خاصة مع تحطم آمالها تقريبا فى الانضمام للاتحاد الأوروبي، حيث وجدت أنقرة مجالا جديدا لسياساتها الخارجية فى دول الشرق الأوسط الكبير ودول البلقان. ومن الممكن أن تتمكن هذه المنطقة الشاسعة والغنية من امتصاص الفائض الديموغرافى التركى الذى ذهب بصورة تقليدية إلى غرب أوروبا.