طالما راود حلم "الخلافة العثمانية" مخيلة رئيس الوزراء التركى "رجب طيب أردوغان"، واستشعر وجود هذه الفرصة مع اندلاع ثورات الربيع العربى وبالأخص ثورة 25 يناير في مصر، مما دفعه إلى استخدام كافة الوسائل المباشرة وغير المباشرة للتدخل في الشأن المصرى من أجل تحقيق الحلم القديم. أردوغان بدأ بالفعل بالتصريحات التي تدعم ثورة الشعب المصرى في 25 يناير، وتنتقد تصدى الرئيس الأسبق حسنى مبارك لمطالب الثوار، وما إن سقط نظام المخلوع حرص على تدعيم العلاقات المصرية التركية في ظل حكم المجلس العسكري عن طريق زيارة قام بها إلى القاهرة الرئيس التركى عبدالله جول استقبله خلالها المشير حسين طنطاوى. مع صعود جماعة الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم بدأت تركيا ترمى بثقلها داخل مصر، بعد أن وجدت في الجماعة الفرصة الحقيقية لبسط نفوذها على المنطقة عن طريق السيطرة على مصر لما لها من ثقل في المنطقة وكونها الشقيقة الكبرى لجميع الدول العربية. الأتراك وجدوا ضالتهم في التدخل الاقتصادى - كون أن أول مطالب ثورة يناير كان "عيش – حرية –عدالة اجتماعية" - بزيادة المشاريع التركية في مصر والتي تصب في مصلحتها، حيث بلغ حجم هذه الاستثمارات نحو 174 مليون جنيه خلال الفترة من يناير إلى أغسطس الجارى عبر تأسيس نحو 21 شركة، طبقًا للتقرير الصادر من الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة. ويبدو أن أفكار "حسن البنا وسيد قطب "ليست وحدها ما جمع بين الرئيس المعزول محمد مرسي وأردوغان، أو كون الاثنين أعضاء في التنظيم الدولى لجماعة الإخوان المسلمين وما يترتب على ذلك من مصالح مشتركة، وإنما وضح أيضًا أنهم يشتركان في استخدام لغة الجسد وخاصة الأصابع للتعبير عن آرائهم، حيث اعتاد الرئيس المعزول استخدام هذه اللغة في خطاباته على شاكلة " أنا شايف صوبعين تلاتة بيلعبوا في مصر"، وحذا حذوه أردوغان في الكلمة التي ألقاها في 18أغسطس الجارى.. في مدينة "بورصة" ضمن مراسم بدء العمل بمجموعة مشاريع لإعادة الإعمار، فقام أثناء إلقاء كلمته برفع "أربعة أصابع من يده"، في إشارة إلى اعتصام ميدان رابعة العدوية الذي قامت قوات الأمن بفضه في"14 أغسطس" ومعه ميدان النهضة. وإصرارا من أردوغان على التدخل في الشأن المصرى دعا مجلس الأمن الدولي إلى اجتماع عاجل لبحث الوضع المصرى غداة فض الشرطة المصرية لاعتصام أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، فيما وصفه بالمجزرة "، كما قال إن أعضاء المجلس الذين يرفضون عقد هذا الاجتماع لن يتمكنوا يوما من تبرير قرارهم أمام التاريخ. واللافت أن موقف "أردوغان" تناقض مع قيامه قبل نحو شهرين بفض اعتصام ميدان "تقسيم" في شهر يونيو بكافة الوسائل بما فيها استخدام الرصاص الحى ضد المعتصمين السلميين بالفعل، والذين لم يحملوا أي أسلحة من أي نوع، وعلى الرغم من ذلك قامت الشرطة التركية باستخدام العنف في مواجهتهم، وهناك العديد من الفيديوهات والصور التي توثق استخدام أشد أنواع العنف من قبل الشرطة التركية تنفيذًا لتهديدات أردوغان للمعتصمين بقوله "لن أسمح للفوضى أن تعم تركيا، وعليهم أن يظهروا نواياهم الحسنة ويغادروا ميدان تقسيم". أردوغان الذي صعد إلى سدة الحكم في "14 مارس 2003 عن طريق توليه رئاسة حزب العدالة والتنمية والحصول على أعلى نسبة مقاعد داخل البرلمان التركى لا يخلو تاريخه من تهم التحريض حتى داخل دولته، حيث تم اتهامه في نهاية فترة رئاستة كعمدة ل مدينة إسطنبول " 1994-1998" وإيقافه عن العمل السياسي ومنعه من تولى الوظائف الحكومية، بالإضافة إلى مذابحه ضد "أكراد تركيا" واعتقال عبدالله أوجلان زعيم حزب العمل الكردستانى المحظور. وقد بدأت العلاقات التركية المصرية تأخذ منحني مختلفا أثناء وبعد ثورة "25 يناير"، وزادت تحديدًا بعد صعود جماعة الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم في مصر، حيث وجد طيب أردوغان فرصته سانحة لتحقيق حلمه بعودة الإمبراطورية العثمانية مرة أخرى، وأعادة مجد أجداده في منطقة الشرق الأوسط وأقامة "إمبراطورية إسلامية سنية" برئاسة تركيا، خاصة وأنها فشلت في الحصول على " عضوية الاتحاد الأوربي "، فضلا عن المرجعية الدينية "للحزب الحاكم في تركيا، وعليه بدأت أولى خطوات تدخله في الشأن المصرى بشكل غير مباشر عندما أتى إلى مصر على رأس وفد مكون من 200 من رجال الأعمال الأتراك و14 وزيرًا من حكومته في زيارة امتدت لمدة يومين - " 17و18 من نوفمبر 2012" - وقام بمنح مصر قرضًا ب "مليار دولار" وعقد عدة اتفاقيات وصلت إلى 27 اتفاقية في مختلف المجالات "التجارية والاقتصادية والصحية والأنمائية". ويأتى تدخل تركيا السافر في الشأن المصرى ووصفها ثورة 30 يونيو بانقلاب عسكري، بسبب توافق أهدافها مع جماعة الإخوان المسلمين، وخوفا من صعود التيار الإسلامي السلفى والذي يرى مصر دولة علمانية لا تتفق ومعتقداته، وهذا يؤكده ما حدث أثناء زيارة أردوغان لمصر وإعلانه خلال المؤتمر الاقتصادى أن تركيا دولة علمانية، ففى حينها وجهت إليه حملة من الانتقادات من قبل التيار السلفى المصرى ولم يكن من الجماعة إلا أنها رفضت التصدى للسلفيين في ذلك الوقت ولكنها استمرت في توقيع الاتفاقيات مع تركيا وتدعيم العلاقات معها أملا في أن تنقل لها تجربتها إلى مصر. ولأن كثيرًا ما تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، جاءت ثورة 30 يونيو لتحطم أحلام أردوغان وتلقى بها إلى جب عميق لن تستطيع الخروج منه ثانية، لذا استمر في الهجوم عليها مسخرا كل إمكانيات تركيا للقضاء على هذه الثورة التي لبى فيها الجيش المصرى نداء الشعب لمساندته.