على الرغم من أن المصريين يتحملون عبء الأحداث الأخيرة الدامية في البلاد، إلا أن تركيا تتعامل كما لو كان كل شيء يحدث داخل حدودها وعلى أراضيها.. ومازال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يردد كلمتة الطنانة "النفاق الغربي"، رغم أنه كان صامتاً تجاه ما حدث من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وبعض القوى الإسلامية حين قاموا بتعذيب المدنيين أمام قصر الإتحادية وتقاعس في مواجهة الأحداث في مصر حتى لايدين الجماعة المتحالفة معه. لكن يبدو أن الديمقراطية لا تزال غريبة على العالم العربي والإسلامي.. وهذه هي الحقيقة التاريخية التي سيواجهها أردوغان والأتراك الإسلاميين في نهاية المطاف، نظراً لأن مبتذل خطابهم المعادي لمصر لا يقدم أي إجابات حقيقية حول كيفية ترسيخ الديمقراطية في البلاد من وجهة نظر رئيس الوزراء التركي، رغم أن الديمقراطية حقيقة وحيدة وثابتة في العالم إلا أنها تختلف كثيراً في العالم العربي الإسلامي لأسباب ثقافية وتعليمية وإجتماعية.. في حين يواجه أردوغان احتجاجات واسعه في جميع أنحاء تركيا، خاصةً في ميدانى جيزي وتقسيم إلا أنه إستخدم وسائل الإعلام المناهضة لحكومتة كأرجوحة واعتقل العديد من الصحفيين وتم تعديل الدستور خوفاً من قيام الجيش التركي بالتدخل في الشأن السياسي على غرار الجيش المصري، كما أن أردوغان خاطب وسائل الإعلام الدولية والمحلية التي نقلت لساعات إحتجاجات بلاده خرج وأكد أن قواته استخدمت رذاذ الفلفل ولم تستخدم القوه المفرطة كما حدث في مصر – حسب قوله -. جنكيز كاندار إعلامي تركي قال، إنه ليس من المستغرب في هذا الجو المشحون في المنطقة خوف كل رئيس أو حاكم على وضعه السياسي أن يلجأ إلى مهاجمة العنف في دول أخرى حتى يظهر أمام العالم وكأنه راعي الديمقراطية في المنطقة، وهو ما ينطبق تماماً على رئيس وزراء تركيا رجب أردوغان.. وعلى الرغم من أن حجم العنف والقوة من قبل الشرطة المصرية يفوق بكثير تلك التي في الشرطة التركية إلا أن الفوضى في البلدين تكاد تكون واحده لكن يبقى الإختلاف الوحيد في طبيعة وسلوك المتظاهرين، موضحاً أن أردوغان لديه إزدواجيه في التعامل مع إخوان مصر نظراً لوجود التنظيم الدولى في اسطنبول وأنه أحد أعضاء المكتب الإخواني، بالإضافة إلى أنه تجاهل كثيراً عنف الإخوان في تعذيب المدنيين أمام قصر الإتحادية وغيرها من الأماكن في القاهرة، في حين يخرج مسرعاً لإدانة الشرطة والجيش المصري في حال القيام بأى سلوك تجاه بعض البلطجية والخارجين على القانون أو عندما قامت الأجهزة الأمنية بفض إعتصامي مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي في ميداني رابعة العدوية والنهضة، تماماً مثلما حدث في 11 و 15 يونيو الماضي في ساحة تقسيم وجيزي بارك في اسطنبول حيث استخدمت الشرطة التركية قنابل غير محدوده من الغاز والجرافات لإزالة الإعتصام. ومن جانبه أشار ساميل الطيار نائب حزب العدالة والتنمية التركي، إلى أن نظرية المؤامرة على الإسلام تدور في ذهن وعقل أردوغان وجماعة إخوان مصر، رغم أن العمل السياسي لابد أن يكون بعيداً عن إستخدام الدين من أجل كسب عواطف الناس أو تكفير المعارضين، وهو عكس تجربة تركيا التي كانت تريد تطبيقها جماعة الإخوان المسلمين في القاهرة لتحقيق نهضة حقيقية سياسياً وإقتصادياً، لكن تجربتهم كانت قصيرة ولم يسعفهم الوقت لتحقيق نهضتهم وتدشقوا بتطبيق الشريعة الإسلامية رغم أن مصر إسلامية الهوى علمانية التطبيق تماماً مثل تركيا، لافتاً إلى أن كلمات أردوغان وحكومتة تجاه ما يحدث في مصر تنم عن إنحيازواضح وغير مقبول للإخوان ضد الدولة المصرية، الأمر الذي يهدد مصالح تركيا في المنطقة ومع بعض الدول العربية المتعاطفة مع القاهرة في أزمتها، موضحاً أن أردوغان يحاول أن يعطي إنطباعاً أمام المجتمع الدولي بأنه يستطيع تحريك المجتمع الدولي إلى العمل من أجل الديمقراطية في مصر، حيث دعا المانيا وفرنسا إلى عقد إجتماع عاجل لمجلس الامن الدولي لبحث العنف المصري تجاه المحتجين المؤيدين للإخوان، وفي غضون ذلك استدعت أنقرة سفيرها في القاهرة للاحتجاج على آخر التطورات هناك، رغم أن مصالح تركيا ينبغي أن تكون مع الدول وأنطمتها السياسية القائمة وليس مع جماعة إنتهت سياسياً من الساحة المصرية. مع أن عدد القتلى في مصر يصل إلى أكثر من 500 شخص في أرقام رسمية صادرة من وزارة الصحة، وصف رئيس الوزراء التركي رجب أردوغان الشرطة والجيش المصري بأنهم ذبحوا الشعب، كما أدان الخسائر في الأرواح والممتلكات وحرجت كلماته بشكل أكثر عدوانية محلياً ودولياً ضد الدولة المصرية. حيث قال "لقد تم استهداف الإنسانية في مصر وأنه يوم 15 أغسطس تلقت الديمقراطية والشعب مجزرة من قبل ضباط وجنود الشرطة بإستخدام المدفعية الثقيلة في مواجهة المعتصمين السلميين، وأضاف لقد شاهدنا على شاشات التلفزيون أولئك الذين قاموا بالإنقلاب العسكري بذبح الشعب علناً أمام العالم، ونحن لا يمكن أن نقف صامتين في وجه الظلم. وفي هذا الصدد أوضح حافظ أبو سعده رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، أن كلمات أردوغان تؤكد أنه يحمل عداءاً كبيراً للدولة المصرية بعد الإطاحة بالإخوان من الحكم، وخاصةً الجيش المصري الذي إستطاع تفنيد مخطط الشرق الأوسط الكبير برعاية الإخوان.. كما أن مساندتة ووقوفه بجوار التنظيم الدولي لإخوان المسلمبين أمر مثيراً للجدل والشكوك حول طبيعة المخططات التي يديرها مع التنظيم الإخواني ضد الدولة المصرية، ويكاد يكون الطرفان ضالعان في العنف والفوضى التي تحدث في البلاد، موضحاً أن هناك الكثير من الناس في تركيا المعارضين لحزب العدالة والتنمية الحاكم هناك يتساءلون: لماذا لا يظهر رئيس الوزراء نفس النهج الديمقراطي أمام شعبه؟، رغم أنه خرج وسحق جميع من شاركوا في إحتجاجات جيزي وتقسيم بارك.. حيث لم يكن أردوغان صادقاً حول تقييم الديمقراطية كثيراً في المنطقة وانه أول من خرق بنودها مع شعبه الرافضين لسياساتة، وبالتالي لم يحترم حرية التعبير أو الرأى المخالف لمشاريعة، كما أنه لم يصبر كثيراً على المحتجين وخلال أربعة أيام قام بفض الإعتصام بالقوة في المقابل ظلت السلطات المصرية صابرة على إعتصام الإخوان غير السلمي بشهادة منظمة العفو الدولية أكثر من أربعين يوماً، موضحاً أن إزدواجية أردوغان مع التنظيم الدولي للإخوان ترجع إلى أنهم أوهموه بأنه سيكون قائد الخلافة الإسلامية العثمانية في المنطقة، وبالتالي تم ترسيخ هذا الحلم في عقل أردوغان وسعى إلى تطبيقة بكافة السبل بالتعاون مع دول عربية، حيث كان يريد تحويل مصر إلى ولاية عثمانية تابعة لتركيا يديرها من هناك، ويقوم بتنفيذ سياسياتة وقرارتة الرئيس المعزول محمد مرسي بالتنسيق مع التنظيم الدولي بإسطنبول. أولئك الذين يفشلون في إتباع عقلية أردوغان بشأن تطبيق الخلافة العثمانية أمراً يلقي ظلالاً من الشك حول التزامه بالديمقراطية.. فخلال إحتجاجات إسطنبول قتل خمسة أشخاص وفقد 11 بصرهم وجرح أكثر من 8.000 ممن عارضوا سياسيات أردوغان في احتجاجات جيزي وتقسيم بارك، وحسب محمد زارع الناشط الحقوقي، أن أردوغان لديه تخوف شديد وحساس للغاية من الانقلابات العسكرية، ولذلك لجأ إلى تعديل دستور بلاده من أجل ردع أية تحركات عسكرية في هذا الشأن لعدم تدخل الجيش في الحياة المدنية أو السياسية أو ينحاز إلى متظاهري البلاد وينقلب على النظام السياسي هناك تماماً مثلما حدث في مصر، حيث يرى رئيس وزراء تركيا أن تلك الأيام ولت منذ زمن طويل، لكن هناك الكثير من الناس في اسطنبول تتزايد مخاوفهم عن مراكز القوى الغامضة ومازال كثيرون يتساءلون كيف للديمقراطية في تركيا أن تتم بعد قمع المحتجين ووضع إيلكر باشبوغ القائد العسكري وقرابة 400 من الأفراد العسكريين وراء القضبان بتهمة التخطيط لإنقلاب عسكري منذ أكثر من عشرة سنوات. ويرى جمال عيد الناشط الحقوقي، أن أردوغان يعرف جيداً أن صعود مصر كقوى في المنطقة بعد سنوات من الخفقان في سياساتها ومواقفها الخارجية سوف يؤثر بشكل كبير على تركيا، خاصةً وأنه منذ قيام ثورات الربيع العربي لجأت الدول العربية إلى إسطنبول لحل أزماتها الداخلية السياسية بإعتبارها المنقذ الجديد في منطقة الشرق الأوسط، بعد أت إنكفأت مصر على مشاكلها الداخلية وتوارت خارجياً الأمر الذي سمح لأردوغان أن يرى في دولتة وفي نفسه أنه ملهم المنطقة والقادر على تغيير خريطتها وفق إدراة ورغبة تركيا، موضحاً أن رئيس الوزراء التركي فقد اليد العليا من كونه بطل الديمقراطية في الداخل بسبب الاحتجاجات التي وقعت في بلاده وتعامل معها بعنف وسط صمت دولي وعدم تدخل من القاهرة، ومع ذلك لا يكف أردوغان عن الحديث في إدانة الأحداث في مصر، في حين يقوم أيضاً ببذل قصارى جهده لقمع شعبه المعارض لسياساتة في الداخل.