كم كان وسيماً.. كم كان حنوناً.. وكيف كان رجلاً يؤمن بأن الحب جاء ليعطى ويهب ويحمى، لا لكى يحول الحياة إلى سلسلة متتالية من الكوابيس الوحشية! لمست صورته بأناملها التى ما زالت تحمل إحداها دبلته فى يدها اليسرى.. لم تكتب عليها اسمه، بل كتبت «كل شىء».. موجعة الصورة.. ابتسامته تخترق أيامها القادمة برصاصة مدممة ببقايا جسده فى منتصف قلبها تماماً وكأن الرصاصة خرجت من جسده لتسكن قلبها للأبد، حيث كانت تقف على الضفة الأخرى فى انتظار أن يعود.. ولم يعد.. فى ذاكرتها صور كثيرة له.. وكلمات أكبر من حجم الكون.. وشمس كانت تنتظر أن ينثرا أحلامهما الملونة بين خيوطها بعد أن تحدد موعد زفافهما قبل اغتياله بأسبوع واحد.. جمعتهما كل المواسم إلا موسم الحب هذا العام، وبدلاً من يحمل لها حبيبها «ذلك الدبدوب الأحمر وباقة العطر فى زهورها التى تحب» أهداها الموت أطواق الياسمين بلون الدم ورائحة القبر وعتمة الفقدان. سافرت مع صورته إلى أبعد من حدود السماء، حيث يسكن الآن.. فهو شهيد والشهداء يسكنون جنان الخلد.. نادته بدمع حائر.. ودمع ثائر.. «وحشتنى».. لماذا أنت تحيا؟ وأنا أموت؟ لماذا لم تأخذنى معك لنحيا سوياً فى جنة السماء بدلاً من جنة أرضنا التى رتبنا فيها كل زاوية واخترنا معاً قطع أثاثها وتشاجرنا على ديكوراتها ولون الحوائط والسجاد بها؟؟ هل يوجد عندك سجاد باللون «الموف» الذى أحبه؟؟ أعتقد لو كان باللون الأخضر سيكون مريحاً أكثر للعين كما كنت تحاول إقناعى دائماً!! ابتسمت وقالت: «أنا عارفة إنك مبسوط دلوقتى لأنك تعيش بين دفتى البساط الأخضر الممتد بامتداد الروح والبصر».. يتحدثون هنا كثيراً عن قوائم طويلة من الشهداء.. أعمارهم مختلفة لكن وجوههم متشابهة حد التطابق.. بعد أن اكتشفوا أن كل جباههم كان مكتوباً عليها بحبر سرى «مصر».. هل التقيتهم؟ هل تتنزهون معاً بعد أن جعلكم الفراق رفاقاً؟ هل تتسامرون وتضحكون معاً؟ كم كانت ضحكتك رائعة وكأنها بيرق من بيارق الشمس! هل أحببت غيرى من حور العين؟ سأقتلك لو فعلتها!! فأنا أتقبل أن أكون أرملة الحياة بدونك لكنى لا أقبل بأن يكون لى ضرة! هلا دعوت الله لأجلى أن أكون زوجتك فى الجنة قريباً؟؟ أرجوك افعلها.. أريد أن أركض معك فى البرارى الخضراء.. لا تكن أنانياً.. لا تستمع وحدك!! لقد وعدتنى أن نضحك ونلعب ونحيا سوياً، لماذا كلما انتظرت موعدى مع الموت لألقاك.. لا يحضر؟ سمعت أنهم سيطلقون اسمك على أحد الشوارع تخليداً لذكراك.. أردت وقتها أن أبكى وأصرخ إلى أن يغمى علىّ.. فهم بذلك سيجعلون منك مجرد يافطة سيعلوها التراب يوماً ما وسينسى المارة بعد عشر سنوات من تكون وهم يتسكعون فى الشوارع بلا هدف وسوف تصبح بمرور الوقت مجرد اسم فى قائمة شهداء آخرين سينضمون إليك تباعاً. لذلك ألا ترى أنه أصبح ضرورياً أن تستقبلنى بين ذراعيك فى عيد الحب بعد أن أحببت الموت لأجلك! أتدرى ما هديتى لك فى عيد الحب يا حبيبى؟؟ لقد رفضت أن أضع ذلك الشريط الأسود فى جانب صورتك كعادة بالية للموتى يرثون بها الأحياء! بل وضعت شريطاً أحمر بلون «الفالنتين» وبجانبه قطع الشيكولاتة التى نحبها.