بعد أن قدمت مصر مئات الأرواح البريئة وخرج «الإخوان المسلمون» فى مظاهرات استمرت لستة أشهر تقريباً، وأنفقوا المليارات على تلك التجمعات فى رابعة والنهضة، وذلك كله من أجل الديمقراطية التى منحت الدكتور مرسى واحداً فى المائة من أصوات المصوتين وليس من أصوات الشعب المصرى وأفنت قناة الجزيرة عمرها من أجل هذا الواحد فى المائة لأنها ترى، هى والتحالف من أجل عودة مرسى، أن هذا الواحد فى المائة يعبر عن الديمقراطية، ووقفت أمريكا على أعتاب مصر تُشعل النار وتندب حظها أن فشلت خطتها فى قسمة البلاد أو فى كسر الجيش المصرى وتستغل فى ذلك الواحد فى المائة الذى فاز به مرسى، وقد قبلنا ذلك وصبرنا على هذا ولم نرد عليه إلا ب98% صوتوا ضد مرسى وضد أمريكا وضد الجزيرة وضد الإرهاب، إلا أننا فوجئنا بالأمس القريب ببيان رسمى من أنصار بيت المقدس يقول لنا إن هذا الواحد فى المائة هو «كفر بواح» وهو شرك بالله وإن الديمقراطية هى صنم من العجوة يأكله الظالم حينما يريد فيطبقه حيناً ويتركه أحياناً حسب مصلحته وهواه، وإن الذين يؤمنون بالديمقراطية كفار لأنهم يؤمنون بأن الحكم للشعب. وجاء هذا البيان لأنصار بيت المقدس بعد أن قدم الشعب أكثر من 98% لإقرار الدستور، ولكن نسى أنصار بيت المقدس أن يذكّرونا بهذه الأحكام الشرعية -من وجهة نظرهم طبعاً- يوم أن فاز مرسى بهذا الواحد فى المائة، كما أن أنصار بيت المقدس كانوا بأنفسهم يدافعون عن هذا الصندوق وعن هذه الديمقراطية الكافرة، فما الذى حدث إذن وجعل القائد فى أنصار بيت المقدس يطلق بيانه الأخير مستخدماً فقهاً جديداً ومصطلحات لم يستخدمها من قبل؟! فهو مثلاً فى رسالته وجّه حديثه للشعب المصرى المسلم، كما يقول، يبشره بأن الكفر العالمى بدأ ينحسر وأن تباشير الإسلام بدأت تلوح بعد أن كنا نمسى ونصبح على أخبار التنكيل بالمسلمين، على حسب قوله، وبدأ يستخدم مصطلحات العدو «الصهيوصليبى». ثم تحدث أبوأسامة المصرى، الذى ألقى البيان بصوته، عن الديمقراطية التى هى شرك من وجهة نظره، لأنها إرادة الشعب وليست إرادة الله، ثم اختتم بيانه برسالة إلى الطواغيت -من وجهة نظره أيضاً- بأن عليهم أن يتعظوا لما حدث للطواغيت من الجنود والضباط مثل «محمد مبروك»، ثم أسبغ على نفسه وعلى تنظيمه أعظم الصفات فأصبحوا هم جند الله وهم الذين سيعيدون مجد الإسلام ويقضون على دستور مصر الذى لا يحرّم الربا، وهذا هو ملخص بيان السيد أبوأسامة المصرى الذى نشره القسم الإعلامى لجماعة أنصار بيت المقدس، وأرجو سيادة أبوأسامة المصرى أن يتسع صدره لعدة ملاحظات: - فأما الملاحظة الأولى، فهى أنى أشك فى أن «أبوأسامة المصرى» مصرى أصلاً، وأعتقد أنه ليس له من المصرية إلا اسمه، وذلك يتضح من خلال مخارج ألفاظه، فضلاً عن الأمثلة الشعبية التى استخدمها، فهى أمثلة لا تجدها إلا فى غزة أو فى الضفة الغربية. - أما الملاحظة الثانية فهى أن نص هذا البيان قد مر علينا فى مصر أكثر من مائة مرة، وذلك فى كل مرة تتبنّى فيها جماعة ما مهمة قتل المسلمين، فقد وردت ألفاظه فى بيان المرحوم «شكرى مصطفى» الذى قتل المرحوم «الشيخ الذهبى» والذى فجّر سينما «سفنكس»، وقد ورد نصه أيضاً وبنفس الألفاظ على لسان المرحوم «صالح سرية» الذى احتل تنظيمه مبنى الفنية العسكرية بعد أن قتل تنظيمه عشرات الجنود، وقد قرأت أيضاً نفس الألفاظ وبنفس الاستدلالات والأحاديث المذكورة والمنسوبة للرسول عليه الصلاة والسلام مثل حديث «بُعثت بالسيف بين يدى الساعة»، وقد استدلت به «الجماعة الإسلامية» وهى تقتل عشرات الجنود فى أسيوط. والعجيب أيها الأخ أن كل هؤلاء وغيرهم قد عدلوا عن هذا البيان إما بأنفسهم أو عن طريق أتباعهم، فنرجو منك أن تبدأ من حيث انتهوا، أما حديثك إلى الشعب المصرى المسلم فجميل أن تعتبر الشعب المصرى مسلماً من وجهة نظرك، ولكنى أسألك: إذا كان شعب مصر كما تراه مسلماً فلماذا تقتله إذن وقد بررت قتلك للضباط والجنود بأنهم أعوان الطاغوت، فلماذا إذن تقتل البسطاء الذين ليسوا هم أعوان الطاغوت من وجهة نظرك، ذلك أنهم المسلمون الذين يسبحون بحمد ربهم وقد حصلوا على شهادتك بأنهم مسلمون، ومع ذلك فأنت تضع لهم القنابل فى كل مكان وحتى فى لوحة الإعلانات وفى أوتوبيس محطة كلية البنات الذى لا يركبه إلا المسلمون من الشعب المصرى حسب قولك وفى السيارات المفخخة التى تنفجر وتقتل من يمر بجانبها من ذلك الشعب الذى تسميه شعباً مسلماً، ولم تعد الأنظمة الظالمة هى التى تقتل المسلمين كما تقول، ولكن يبدو أنك تنافسهم فى ذلك. إلا أن أعجب ما سمعت فى بيانك أن المساجد فى مصر تُحرق وتشمّع بالشمع الأحمر، وهذا يؤكد وجهة نظرى فى أنك لست مصرياً ولا تعرف عن مصر شيئاً، فإن الناس البسطاء يا سيدى فى مصر هم حماة المساجد، ولم يحدث فى تاريخ مصر كله أن تم إغلاق أى مسجد، حتى مسجد النور بالعباسية الذى قامت إدارة السادات فى يوم من الأيام بتغيير مجلس إدارته، أعادته وقد أضافت إلى مساحته مساحة ضعف التى كان عليها مرتين، ثم أمر السادات ألا يُزال المسجد حتى ولو تعارض وجوده مع إنشاء كوبرى أكتوبر الذى يمر من العباسية، مما أدى إلى انحناء الكوبرى بمسافة تزيد على المائتين من الأمتار، فإذا كان للمساجد فى نفوس المصريين كل هذه المكانة فأعتقد أن قولك إن هذه المساجد تشمّع بالشمع الأحمر هو أمر تنقصه الدقة. أما قولك بأن اليهود قد أصبحوا أصدقاء لنا فأنا أفهم منك أن تقول هذا الأمر عندما كان الرئيس مرسى رئيساً لمصر عندما أرسل خطاباً إلى الرئيس «بيريز» وأعطى له الحق فى فلسطين متمنياً له الرغد فى بلاده فلسطين ثم اختتم خطابه بمقولة «صديقك الوفى محمد مرسى»، وأما قولك بأن الفريق السيسى قد نُسب إليه أنه أقر بأن خطواته تأتى بالتنسيق مع العدو الأمريكى فأنا أؤكد لك، يا أبا أسامة يا مصرى، أن السيسى قد ابتعد عن التحالف الأمريكى ملايين الكيلومترات لأنه نجح، ولأول مرة فى تاريخ مصر، فى أن ينوع مصادر السلاح وأن أمريكا كانت هى صاحبة القرار حتى فى اختيار الدكتور مرسى، وعليك أن تراجع معلوماتك مرة أخرى، بل إنى أقول لك صراحة إن ما تفعلونه بمصر من تفجيرات هو قمة الأمانى الأمريكية، إلا أنى أعجب منك يا سيدى أنك تستدل بالأنبياء والصالحين فتستدل بالنبى يوسف عليه السلام وهو فى سجنه، وتستدل بسلوك النبى محمد صلى الله عليه وسلم، مع أنى لا أراك تقلدهم أبداً ولا تسير على نهجهم حتى لو افترضنا أنك تؤمن بأنك أنت الذى يدافع عن شريعة الله وأن الشعب المصرى وجيشه لا يؤمنون بذلك، فهل سمعت يوماً عن نبى فجّر بيت أعدائه وهل سمعت يوماً أن النبى صلى الله عليه وسلم أعدّ كميناً على بيت أبى لهب، أو هل سمعت أن يوسف عليه السلام قد كوّن عصابة لتطبيق الإسلام على أهل مصر بالقوة، أم أنه صنع لهم ما يكفل لهم الأمن الغذائى لسنوات طوال. أظن أن هذا يتناقض مع تلك السعادة التى أراها فى كلماتك بأنك قتلت الشهداء من الجنود وتطلب من الأحياء أن يتخذوا عبرة من الشهيد «محمد مبروك»، واسمح لى يا «أبا أسامة» أن أقول لك إنك على خطأ وإنك لست على شىء وإن ما تفعله أنت وأنصار بيت المقدس لا علاقة له بالشرع لا من قريب ولا من بعيد. وفى النهاية اسمح لى أن أسألك سؤالاً بريئاً: «إذا كنتم أنصار بيت المقدس فلماذا تتركون الصهاينة فى بيت المقدس وتقاتلون الشعب المصرى فى بيته؟».