بعد النزول الباهر للمرأة المصرية فى الاستفتاء متحدية كل التهديدات بالويل والثبور وعذاب القبور التى أطلقتها الجماعة الإرهابية قطعاً سنرى اكتساحاً للمرأة فى البرلمان القادم، هذه المقولة تتردد كثيراً على ألسنة العديد ممن أبهرتهم المرأة المصرية، لكن تظل الإجابة: - بالطبع لا. - لماذا؟ - لأن المرأة لن تصوت للمرأة بالضرورة. - أمر عجيب، لماذا لن تصوت المرأة للمرأة وهى التى تتحمس للانتخاب وتتحمل المعاناة فى الطوابير الانتخابية أكثر من غيرها؟ - لأن العملية الانتخابية تدار وتتحكم فيها عوامل بعيدة عن قيم الخير والعدل والجمال. فأهم عامل هو ما تملكه المرشحة من مال للدعاية الانتخابية، عامل آخر قد يغنى على المال هو الانتماء لعائلة كبيرة ممتدة لديها أصهار فى مناطق أخرى وقرى مجاورة ومن ثم تدعم أصوات العائلة المرشحة إذا أقنعتهم أن يكون مرشح العائلة أمرأة. عامل ثالث قد يساعد، وهو وجود حزب قوى يدعم المرشحة مادياً وبشرياً بمجموعات عمل تساعدها وقوة تنظيمية تدير له حملتها الانتخابية. عامل رابع وهو الوجود على الأرض بين الناس لفترات طويلة والعمل معهم وحل مشكلاتهم. كل هذه العوامل لا تتوافر بسهولة للمرأة المصرية التى تقف الثقافة المجتمعية معها حائلاً لعدة أمور منها أن يكون معها ثروة تستطيع التحكم فيها واتخاذ القرار باستخدامها فى الانتخابات، فالثروة عادة ما تأتى للمرأة عن طريق الميراث، الأمر الذى يعد مشكلة فكثير من العائلات لا تورث البنات وإنما تنعم عليهن ببعض فتات التركة بادعاء عدم تفتيت ملكية الأرض أو تسليمها لغريب «يُقصد هنا الزوج». العامل الثانى، وهو العائلة الكبيرة الممتدة، ذات الأصهار والتى عادة ما تفضل رجلاً ممثلاً لها، العامل الثالث، وهو الأحزاب الداعمة، وهنا حدّث ولا حرج، فالأحزاب أغلبها محافظ ربما أكثر من المجتمع وعادة ما تدار القرارات داخلها بعيدة عن الأسس الموضوعية. إما استناداً إلى مصالح مباشرة أو صلات قرابة أو جلساء المقاهى والاجتماعات. العامل الرابع، وهو الوجود على الأرض وسط الناس لفترات طويلة، وهو ما يندر توافره سواء بين الرجال أو النساء. وعادة ما نجد هذه السيدة ممن وضعهن عملهن فى خدمة الناس، مثل موظفات الأحياء والمجالس المحلية أو الجمعيات الأهلية الخدمية. وفى حقيقة الأمر لا تحسم الانتخابات بعامل واحد من هذه العوامل، وإنما باثنين أو ثلاث على الأقل مجتمعة. - حتى لو اجتمعت هذه العوامل يظل السؤال: لماذا لا تعطى المرأة صوتها للمرأة المرشحة؟ - هذه سؤال ساذج، مثل لماذا لا يدعم المثقفون المثقفين؟ ولماذا لم يحقق الشباب حضوراً فى برلمان 2011 وهو ما قيل عنه برلمان الثورة التى قادها الشباب؟ مخطئ من يعتقد أن فئات معينة لديها الوعى لتنتصر لمن يمثلها وتقاوم سطوة المال والدعاية. - إذن سنُصدم للمرأة الثانية فى نسبة هزيلة فى البرلمان القادم؟ - بالتأكيد إذا لم تُتخذ إجراءات قانونية تضمن مشاركة المرأة، وهو ما يستلزم ألا نقع تحت ابتزاز أن هناك مطالب عدة ب«كوتا» من فئات محددة مثل الأقباط والعمال والفلاحين والشباب والمعاقين. فى الحقيقة هذه المقولة أقرب إلى مخرج سهل من تحمل المسئولية تجاه المرأة ودعم مشاركتها، لأن هذه المطالب مردود عليها بأن معيار المرأة هو المتفق عليه عالمياً وليس الكوتا المهنية أو الدينية أو الإثنية لأن المعايير الأخرى تترتب عليه نتائج ربما تشكل خطورة. - يظل السؤال الأهم: ما الهدف من وجود المرأة فى البرلمان، رد الجميل للمرأة أم لحاجة تنموية حقيقية؟