7 يناير 2014، عيد ميلاد رسول السلام للعالم، السيد المسيح، عليه وعلى أمّه العذراء البتول الُمصطفاة، أجملُ السلام وأطيبُه. عدتُ للتوّ من الكاتدرائية، التى أعتبرُها هرمَ مصرَ الرابع، وأحد حصون الجمال والمحبة فى بلادى. الترانيمُ تصدح، وتسبيحُ الله الواحد يأتى من كلّ صوب، والدعاءُ لمصر ونيلها وشعبها ينطقُ به كل حجر وكل شجرة، وكل قلب يخفق من حولى. صافحتُ قداسةَ البابا تواضروس، رمز أرثوذكس العالم أجمع، وليس أقباط مصر وحسب، فاستقبلنا بابتسامة محبة يقول لسانُ حالِها: «نثقُ أن غداً أجملُ بكم وبنا، يداً فى يدٍ نبنى مصرَ الطيبة التى أرهقناها كثيراً»، فابتسمتُ وأومأتُ كأنما أقول: «الغدُ أجملُ لأن الله معنا، ولأن كل الأمور تعمل معاً للخير، للذين يحبّون الله، ونحن نحب الله». هو الفرحُ الذى يغمرنا فى الأعياد الجميلة التى تجمع المصريين على الحب والتآخى دون النظر للعقيدة، لأنها شأنُ الله وحده، إنما شأنُنا هو الوطن، الذى علينا إعمارُه وإنهاضُه من كبوته، ولن يتم هذا إلا بنبذ الفُرقة، والوقوف جبهةً صلبة فى وجه عدو الخير وعدو مصر. مصرُ المعجزة تتقنُ صناعةَ الفرح، مهما ضربتها المحنُ وأنهكتها الصعاب، مصرُ التى خصّها الله بالتطويب والمباركة والأمان فى كتبه السماوية؛ فبارك الإنجيلُ شعبَها: «مباركٌ شعبى مصر»، وأمّن القرآنُ ضيوفَها: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللهُ آَمِنِينَ}. هى مصرُ التى استقبلتِ المولودَ المقدس وأمَّه البتول وآوتهما من بطش هيرودس الشرير الذى همَّ بقتل الطفل الكريم، الذى حصّنه اللهُ من نخس الشيطان، حتى غدا شاباً صالحاً يجولُ يصنعُ خيراً، تفجّرت عيونُ الماء فى كل موطئ قحطٍ وطأته قدمُ السيدة الطاهرة، وتشقق الصخرُ بين يديها بالزهور والطيب. لكن، فى غمرة فرحتى بين إخوتى فى الكاتدرائية، شعرتُ بوخز شوكة لا تليق بمناسبة مثل هذه تجمع الناس على الفرح! دباباتٌ هنا وهناك، ورجالُ بوليس وشرطة عسكرية يغمرون الكاتدرائية كأنما هى ثكنة عسكرية! للأسف لوجودهم ضرورةٌ لأننا فى لحظة إرهاب عسرة، يتربصُ بنا فيها عدو الخير لينثر الدماءَ ويغمر قلوبَنا بالثكل، فيفسدُ علينا لحظة التحوّل الديمقراطى ويكسر فرحتنا بأول دستور مدنى تكتبه مصرُ بأقلام أبنائها جميعاً. حزنتُ لأن كثيراً من المسلمين ومن إخوتى المسيحيين حُرموا من حقّهم الطبيعى فى دخول الكاتدرائية ومصافحة البابا وتهنئته بالعيد، بأى حق يُحرم مسيحىٌّ من لقاء رمزه الدينى؟ إنها الدواعى الأمنية «الضرورية» للأسف، لكيلا ينقلب العرسُ مأتماً كما يحدث لأقباط مصر كلَّ حين، فلا يردّون علينا إلا بمزيد من المحبة والغفران. أتساءلُ: متى تختفى حراسةُ الكنائس؟ لماذا تُهدد بيوتُ الله؟ إنما هى أماكنُ مباركة يُرفع فيها اسمُ الله، ولا تتردد فيها إلا أقوال المحبة والتسامح. من عقيدة المسيحى أن يقول: «ليس لى عدو من بنى الإنسان، حتى مَن يقتلنى أو يحرق كنيستى ليس عدوى، عدوى هو الشيطان، أما القاتلُ فليس إلا عَصا فى يده، فهل أُعادى عَصا؟ بل واجبى أن أتحد مع أخى القاتل لنحاربَ معاً عدوى وعدوه: عدو الخير»، لهذا قال البابا شنودة، رحمه الله: «نحن لا نعرفُ سوى الحب». هل أنا بحاجة إلى أن أُذكّر كلَّ إرهابى أن أول كلمة نزلت فى القرآن الكريم كانت: {اقْرَأْ}، وليس «اقتلْ» أو «احرقْ»؟!