القراءة الموضوعية لطريقة المعالجة الرسمية لأزمة دهشور تشير إلى أمرين: الأول، جدية ملحوظة فى التعامل مع الحدث، والتصدى لتداعياته. الثانى، التحرك اللحظى حسب تقلبات المجتمع دون امتلاك خطة عمل واضحة لعلاج التوترات الدينية. فمن ناحية أولى، اتسم أداء النظام الجديد بجدية فى التعامل مع الحادث الطائفى الأول فى عهده، بعد صمت استمر يومين. دخلت مؤسسة الرئاسة على خط الأحداث، وتصدى مستشار الرئيس محمد مرسى للشئون القانونية المستشار محمد فؤاد جاد الله للمسألة، وانتهى الأمر كما هو معلن بمجموعة من التسويات تجمع ما بين تعويض المضارين وعودة الذين تركوا بيوتهم، وفى الوقت نفسه تطبيق القانون على المتهمين بارتكاب جرائم يعاقب عليها القانون. جدية التعامل مع مشكلة دهشور جاءت بعد تحركات غاضبة من المسيحيين فى صورة بيانين صدرا عن القائمام البطريرك، وأسقف الجيزة فضلاً عن تحركات إسلامية مسيحية مماثلة فى إطار التعاون بين مشيخة الأزهر والكنيسة فى بيت العائلة، وتكثيف نيرانى من وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى، وهو ما يعنى أن المسألة لا يصح أن تُترك لتفاعلات التحرك اللحظى لإطفاء حرائق، ولكن ينبغى أن يكون هناك جهد ملموس وواضح ممنهج ومدروس يتجاوز انطباعية قراءة الأحداث وعشوائية التصرف. لاحت إمكانية حدوث ذلك فى أمرين «بيت العائلة» و«لجنة العدالة الوطنية»، الأول يغلب عليه تمثيل مؤسسى إسلامى مسيحى، والثانى عزز انخراط المثقفين والنشطاء والباحثين فى الشأن الدينى، ومحاولة رصد بؤر التوتر وتجفيف منابعه. وقد قامت لجنة العدالة الوطنية بجهد ملموس قبل أن تتوقف مع رحيل حكومة عصام شرف، ولم تُبد حكومة كمال الجنزورى اهتماما بهذه المسألة، والآن جاء الدور على حكومة قنديل. المسألة الدينية تحتاج إلى أن تستعيد هذه اللجنة -التى كان يرأسها الدكتور سيف عبدالفتاح- وتصبح مظلة وطنية لحشد وتنسيق الجهود التى تدرس، وتنبّه، وتتصدى للتوترات الدينية. البداية هى الرصد، وتحديد ملامح خريطة كائن هلامى اسمه الطائفية، لا نعرف حجمه ولا ندرسه بالعلم ولكن بالهواجس وتناقل الروايات المتضاربة فى الغالب، ويظهر «الأمن» الطرف الوحيد فى المواجهة وهو ما حدث فى أزمة دهشور، إذ بالرغم من الشكوى المستمرة على مدار سنوات من انفراد الأمن بالملف الدينى، فإذا بنا نعود إلى المواجهة الأمنية مع التوترات الدينية، دون أن نمتلك رؤية أرحب فى المواجهة سياسية واجتماعية وثقافية. لجنة العدالة الوطنية ينبغى أن تعود بفكر واضح، ومهمة محددة هى دراسة الشأن الدينى، وتحديد بؤر التوترات، والتنبيه المبكر بالمخاطر، والتدخل المباشر فى حلها، ويصبح للجنة بنية مؤسسية، وموقع إلكترونى، وخط ساخن للحوار معها، وقدرة على العمل مع الأجهزة التنفيذية، وتواصل على الأرض مع الأحزاب والجمعيات الأهلية ومنظمات حقوق الإنسان من أجل تجفيف منابع التوتر الدينى. هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية تحديد جاد للمشكلات والهموم التى يعانى منها الأقباط والتى امتدت على مدار عدة عقود، وتراكمت، وأخذت الآن بعداً هاجسياً مع تولى رئيس للجمهورية ينتمى للإخوان المسلمين، وهو ما يحاول البعض استغلاله حتى يصبح الأقباط على خط المواجهة مع نظام مرسى بينما تقف خلفهم القوى المعارضة للإخوان المسلمين. لست ضد معارضة الإخوان المسلمين، وأقف موقف المعارضة منهم فى قضايا عديدة، لكن ليس مقبولاً أن ترتدى المعارضة بردة دينية، ويجرى استدعاء الأقباط فى مواجهة ظاهرها دينى وباطنها سياسى.