أخطر ملف موجود الآن علي مكتب الرئيس محمد مرسي هو ملف الفتنة الطائفية.. الفتنة أخطر مئات المرات من الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تئن منها مصر لأن الفتنة باختصار تذبح مصر.. وماحدث في دهشور مجرد بداية مرشحة للتكرار بشكل دائم وقاس إذا لم نسع لحل دائم وواضح للمشكلة والابتعاد التام عن التقديرات الخاطئة التي تروج إلي أنها أحداث مفتعلة أو محاولة لوقف مسيرة الرئاسة في الإصلاح والبناء أو أنها مؤامرة علي الرئيس.. لأنه أيا ما كانت الحقيقة فإن مصر تواجه خطرا حقيقيا هذه المرة بسبب هذا الملف المتجدد وعدم التعامل معه بالسرعة والحزم المطلوبين. ومن يتابع المشهد يجد أن تبعات هذا الحادث كانت هي الأخطر لوجود ردود أفعال داخلية وخارجية في غاية التطرف.. فلأول مرة يظهر بيان من جماعة قبطية جديدة أعلنت عن نفسها تحت اسم جماعة "الإخوان المسيحيين" علي غرار جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي لها الرئيس وأصدرت بيانا أمهلت فيه الرئاسة 48 ساعة لحل أزمة دهشور المعروفة إعلامية ب"فتنة القميص" وهددت بالرد علي ما يتعرض له الأقباط من اضطهاد علي حد زعمها وقال البيان "لقد بلغ الظلم أقصي درجاته، ولنضع أمامنا القاعدة المعروفة بأن لكل فعل رد فعل مساويا له في المقدار ومضادا له في الاتجاه، والعنف لا يولد سوي العنف، والخاسر الوحيد هو رجل الشارع البسيط. ودعت الجماعة إلي القبض علي الجناة والمحرضين وتقديمهم للعدالة بشكل عاجل وتأمين عودة المواطنين المسيحيين للقرية، مع تعويضهم من قبل الدولة عن الخسائر التي لحقت بهم. وقال البيان: "ونحن مستعدون لكل أشكال التصعيد القانوني وآليات النضال السلمي"، وأضافت جماعة الإخوان المسيحيين في بيانها أن مقتل الشاب معاذ رحمه الله خلال المشاجرة يصنف في عرف القانون (قتل خطأ) وفي الأعراف القبلية "لا يحق لأهله أخذ الثأر له". وتابعت الجماعة إن ما تسعي له التيارات الإسلامية المتشددة من التصعيد الممنهج للطائفية والعنف ضد المسيحيين، الذي يتجلي في تصريحات زعماء هذه التيارات أمثال ياسر برهامي بتصريحاته عن عدم جواز إيصال القس للكنيسة، لما يترتب عن ذلك من معصية وإثم، الذي يبني اعتقادا داخل المسلم العادي بأن الآخر شر يجب القضاء عليه بشتي الطرق وبالاستجابة الرائعة من الدولة بعدم معاقبة الجناة، تهيئ المسلم العادي لقبول فكرة الاعتداء بقسوة في ظل غياب الردع أو العقاب، والكارثة الأكبر أن أمثال هؤلاء يتقلدون مناصب تتمتع بالحساسية الشديدة كعضوية اللجنة التأسيسية لوضع الدستور، كيف لشخص يتبني فكراً عنصرياً أن يضع دستورًا للمجتمع بأسره. هذا التحرك تزامن معه تحرك آخر علي المستوي الدولي، حيث تقدم عدد من المنظمات القبطية التابعة لأقباط المهجر وعلي رأسها منظمة "كيمي" لحقوق الإنسان القبطية بالنمسا، بشكوي رسمية وتظلم قانوني لمقر الأممالمتحده بجينيف والاتحاد الأوروبي ضد ما يحدث للأقباط بمصر وضرورة تشكيل لجنة تقصي حقائق دولية للتعرف علي ملابسات الاعتداء علي الأقباط وحرق منازلهم ومتاجرهم ومحاسبة الجناة وعدم تركهم يفلتون من العقاب، وضرورة البحث عن حلول جذرية لمنع مسلسل الاعتداء الجماعي علي الأقباط في أحداث دهشور. وطالبت المنظمة بفتح التحقيقات والكشف عن الجناة الحقيقيين والإسراع بتقديم التعويضات لمن وقع عليهم تهجير وحرق للمحلات وإعادة بناء منازلهم وأشارت المنظمات إلي أنها أرسلت نسخة من الشكوي لكل من مجلس الوزراء، ووزارة العدل، ومجلس الشعب، ومجلس الشوري، والمجلس الأعلي للقوات المسلحة، والرئيس الدكتور محمد مرسي، وكافة الجهات الرسمية بمصر لوقف ما أسمته بتهجير الأقباط. ودعت المنظمات إلي حل الأزمة بشكل جذري ومعالجة الفتن الطائفية من جذورها منعا لتكرارها ووقف ما يحدث من أبناء الوطن المسلمين من حرق كنيسة ومنازل وممتلكات الأقباط من أجل خلاف شخصي جمع مسلما بمسيحي مطالبين بوجود نظام حاسم وقوانين تعاقب الجناة، بدلاً من العقاب الجماعي بهذا الشكل، ولابد أن يقوم كل من الأمن والحكومة بمسئولياتهم للحد من الخسائر واحتواء الموقف هناك. ما يثير القلق من تكرار هذه الأحداث علي المستوي الدولي أن الولاياتالمتحدة عادت لممارسة نفس الدور التحريضي ضد مصر في ملف الحريات الدينية فقبل أيام من حادث دهشور انتقدت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون حالة الحرية الدينية في مصر، ووصفتها بأنها "ضعيفة جدا" وأن الحكومة لا تنشط في تقديم مرتكبي أعمال العنف الطائفي إلي العدالة موضحة أن أعمال العنف الطائفي تزايدت منذ سقوط مبارك، وأن السلطات غير حازمة في تقديم مرتكبيها إلي القضاء لافتة إلي إشارة التقرير بان هناك مؤشرات في أوائل 2012 علي تزايد هجرة الأقباط من مصر . وللمرة الاولي تقف التيارات الإسلامية علي مستوي المسئولية السياسية حيث أصدرت الجماعة الإسلامية بيانا حول الحادث أكدت فيه أنه لا يصح شرعا ودينا التعدي علي أرواح أو ممتلكات المسيحيين بأي حال من الأحوال، معتبرة أن ذلك يعد ظلما تحرمه الشريعة الإسلامية ووصفت الجماعة أحداث دهشور بأنها لاتعبر عن فتنة طائفية بين المسلمين والمسيحيين، ولكنها "امتداد لحادثة فردية ليس لها أي بعد ديني . الجماعة شددت علي ضرورة تطبيق القانون بحزم وبسرعة، بما يحقق العدالة الناجزة لأي مظلوم والردع لأي معتد، مؤكدة وقوفها بقوة ضد محاولة تهجير أو إبعاد أي مواطن مصري عن موطنه أو مسكنه. ودعت الجماعة الإسلامية خلال بيانها، جميع أبناء دهشور، إلي تطويق هذه الفتنة التي ضربت مدينتهم الآمنة والأخذ علي يد كل من يحاول تأجيجها، ومواجهة أي اعتداء ظالم علي أي مصري من أبناء دهشور، والعمل علي إحباط مخططات البلطجية لاستغلال الحدث في أعمال السلب والنهب حتي تعود بلدة آمنة مطمئنة. وعلي الرغم من قوة بيان الجماعة الإسلامية في الرد علي محاولات البعض إشعال نار الفتنة وتوضيح لموقف الإسلام الرافض لفكرة تهجير الأقباط وحرق منازلهم إلا أن تعامل الرئاسة مع الموضوع لازال بعيدا عن المطلوب فكل هذه التحركات يجب أن تطلق كل صفارات الإنذار أمام الرئاسة المصرية الجديدة لأن الدولة لاتزال غير قادرة علي الردع والحكم علي مرتكبي الأحداث الطائفية بالقانون حسبما يري المفكر والباحث وممثل التيار العلماني بالكنيسة كمال زاخر الذي أرجع ماحدث في دهشور إلي غياب حلول حقيقية بين طرفي الأزمة كأفراد وليس كمسلمين ومسيحيين، خاصة أن بينهم مشاكل عديدة منذ سنوات. زاخر يري أنه يجب تحميل كل الأطراف مسئوليتها وتطبيق القانون علي الطرف المسلم والطرف المسيحي وألا تحل المسألة كالعادة بالجلسات العرفية. وعلي المستوي المجتمعي سعي عدد من الأحزاب والمنظمات إلي الذهاب لدهشور من أجل الوقوف علي الوضع بها حيث أرسل المجلس القومي لحقوق الإنسان والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية والمنظمة المصرية لحقوق الانسان بعثات تقصي حقائق للوقوف علي ملابسات الحادث إلا أن المنظمة المصرية أصدرت بيانا نقل فيه عن حافظ أبو سعدة رئيس المنظمة المصرية أن حل الأزمات الطائفية يلزمه وجود إرادة سياسية لتطبيق القانون علي أي مخالف وكل من شارك أو حرض علي العنف الطائفي ،سواء كان مسلمًا أو مسيحيًا. أبو سعدة أكد أنه لابد من توافر إرادة سياسية واعية تتفاعل فيها كافة مؤسسات الدولة وعلي رأسها وزارة الأوقاف ومؤسسة الأزهر ووزارة التربية والتعليم ووزارة الإعلام ووزارة الداخلية مع الكنيسة والمجتمع المدني والأحزاب السياسية للعمل علي رسم خطط مرحلية مُلحة وخطط استراتيجية طويلة المدي لإنقاذ الوطن من مغبة مثل هذه الأحداث، وعدم الاكتفاء بالحلول الأمنية فحسب ، وإعادة الأقباط إلي منازلهم التي اضطروا إلي الهجرة منها، مشددا علي أن مخاوف الأقباط بقرية دهشور طبيعية ومنطقية وتكررت بأحداث مختلفة سابقة مثل كنيسة فرشوط والوراق وإمبابة وأطفيح . توجد أمام مؤسسة الرئاسة العديد من الحلول التي طرحت خلال الفترة الماضية لحل الأزمة الطائفية بشكل جذري أهمها تفعيل مبادرة بيت العائلة الذي يضم شيخ الأزهر وقيادات الكنيسة وتفعيل قانون منع التمييز بين المواطنين وتطبيق القانون علي الجميع والتوقف عن جلسات الحل العرفي وكل ذلك يتوقف علي إرادة سياسية يجب أن تتمتع بها مؤسسه الرئاسة في هذا الملف تحديدا كما قال الدكتور عمرو حمزاوي، عضو مجلس الشعب السابق والذي أكد أن الرئاسة تحتاج لأجهزة إنذار مبكر، للتعامل مع التوترات الطائفية والعنف الذي تنتجه معتبرا أن الحلول الأمنية لا تكفي، ولا المجالس العرفية، لافتا في الوقت نفسه، إلي أن هناك لجنة قائمة اسمها لجنة العدالة الوطنية، منسقها كان الدكتور سيف الدين عبد الفتاح، ووضعت تصورا لأجهزة الإنذار المبكر، مطالبا الرئيس مرسي بالسماح لها بالعمل مشددا علي أن الحلول الأمنية فقط لن تذهب بنا بعيدًا.