قد يكون إنسان ما عبقرياً ومتقد الذكاء، وكذلك قد يكون مخلصاً وحسن النية، ولكن قد يصدر منه، خاصة إذا كان ذا منصب وصاحب قرارات، قرار يُلحق أضراراً بالغة ويتسبب فى كوارث جمة.. وهذا ما حدث بالنسبة لقرار السيد وزير الصناعة بإلغاء رسم الإغراق على حديد التسليح.. فقد كانت الدولة مثلها مثل الكثير من دول العالم تفرض رسم وارد على واردات حديد التسليح، حماية لصناعة حديد التسليح فى مصر، وأظن أيضاً لحماية الاحتياطى النقدى الأجنبى، وأعتقد أيضاً لحماية سعر صرف الجنيه المصرى مقابل الدولار والعملات الأجنبية.. ولكن ما حدث أنه فى بداية شهر نوفمبر رفعت مصانع الحديد سعر الحديد حوالى 80 جنيهاً للطن لارتفاع سعر البيليت فى السوق العالمية وبدأت مضاربات التجار والموزعين حتى وصل سعر الطن إلى 5300 جنيه للمستهلك، بزيادة حوالى 400 جنيه عن سعر المصنع شاملة تكاليف النولون.. وهنا بدأت بعض الصحف ووسائل الإعلام تضخم المشكلة وتضخم الأرقام حتى وصلت فى الكثير من وسائل الإعلام إلى مبلغ ألف جنيه أرباحاً للموزعين والتجار.. وكانت السوق وقتها كفيلة بأن تتوازن وتضبط نفسها، إلا أن السيد وزير الصناعة، بعنترية غير محسوبة العواقب، وأصدر قراراً بإلغاء رسم الإغراق أو رسم الوارد على حديد التسليح، فى محاولة لضبط سعر الحديد فى السوق بالنسبة للمستهلك، وكانت النتيجة لهذا القرار، هى تكالب المستوردين على فتح اعتمادات لاستيراد الحديد التركى الذى يقل سعره عن الحديد المصرى، وتكالب هؤلاء المستوردون، وما زالوا، على جمع ملايين الدولارات من البنوك والسوق السوداء لتغطية اعتماداتهم الدولارية، وكانت النتيجة أن زاد سعر صرف الدولار فى السوق المصرفية وفى السوق السوداء من 7٫12 قرش إلى قرابة ال7٫50 قرش خلال أقل من أسبوعين.. وبالطبع كان نتيجة لهذه النتيجة أن زادت وارتفعت أسعار مئات السلع المستوردة كنتيجة حتمية لزيادة سعر صرف الدولار.. ويا سيدى رئيس الوزراء ويا سيدى وزير الصناعة أهدى إليكما هذه المعلومات المؤكدة: أولاً: أنكما بهذا القرار، تسببتما فى خروج مئات الملايين من الدولارات من خزانة مصر إلى خزانة تركيا. ثانياً: أنكما بهذا القرار تسببتما فى رفع سعر صرف الدولار حتى وصل من 7٫12 قرش إلى 7٫50 قرش خلال أقل من أسبوعين. ثالثاً: أنكما بهذا القرار غير المسئول، تسببتما فى ارتفاع أسعار مئات السلع المستوردة نتيجة لارتفاع سعر صرف الدولار. رابعاً: أن تركيا نفسها التى فتحتم أمام منتجها من الحديد، الأسواق المصرية بلا رسم إغراق تفرض رسم إغراق وقدره 18٪، حماية لصناعة الحديد فى تركيا. خامساً: أنكما بهذا القرار المشبوه، ضربتم، فى مقتل، صناعة الحديد والصلب فى مصر، والحكومة تعلم أن جميع مصانع الحديد والصلب الخاصة ممولة بقروض من البنوك.. ويكفى أن الدولة تحصل على معظم أرباح هذه الصناعة من تحصيل ضريبة المبيعات ورسوم خدمات مبالغ فى أسعارها تقدمها لهذه المصانع.. وأن هذه المصانع يعمل بها مئات الآلاف من العمالة المصرية وقابلة -حين تقوم الدولة بتشجيع هذه الصناعة. سادساً: أن قراركما هذا بالطبع سيرفع سعر الحديد المصرى، وذلك لأنه بحسبة بسيطة، مصانع الحديد يا أعمامنا بتستورد البيليت، ولما تستورده بسعر صرف 7٫12 قرش للدولار غير لما تستورده بسعر صرف 7٫50 قرش للدولار. ويا مولانا رئيس الوزراء ويا سيدنا وزير الصناعة أعيدا فوراً رسم الإغراق على حديد التسليح حماية لسعر صرف الجنيه المصرى أمام الدولار وحماية لدولاراتنا التى تتسرب بلا أى مناسبة إلى تركيا، ونحن فى أمس الحاجة إليها، وحماية لأسعار مئات الأصناف من المنتجات والسلع الأخرى وحماية لصناعة قومية يدمرها قراركما. ومعلومة بسيطة لكما أن كل يوم تدخل الموانئ المصرية خمس أو ست سفن محمّلة بالحديد التركى.. أى أن كل طلعة شمس تتسرب من خزانتنا الدولارية عشرات الملايين من الدولارات إلى الشقيقة تركيا تشجيعاً لصناعة الحديد والصلب فى تركيا وتدميراً لصناعة الحديد والصلب فى مصر.. وليذهب مستشارو السوء ومصالحهم الخاصة والمشبوهة والعمولات التى يحصلون عليها من صناع الحديد فى تركيا ومن المستوردين إلى الجحيم.. والله سبحانه وتعالى من وراء القصد..