بعد أن أسهب فى نقد ما ذهب إليه الشيخ على عبدالرازق فى كتابه «الإسلام وأصول الحكم» يقول الفقيه القانونى الكبير الدكتور عبدالرازق السنهورى إن هناك إجماعاً عند أهل السنة والجماعة والشيعة والمعتزلة على أن الخلافة واجب شرعى، ولا يرفض هذا سوى الخوارج، الذين لا يقرون بقيام الخلافة، ولا أى نوع من الحكومة، وفى نظرهم فإن الخلافة ليست ضرورية دائماً إذ يمكن للناس أن يحققوا مصالحهم وينظموا أمورهم من دونها، وليست نافعة دائماً لأنه لا يمكن أن ينتفع بالخليفة إلا من يصل إليه، وهؤلاء قلة محدودة، وهى أيضاً ليست دائماً ممكنة، لصعوبة انطباق شروطها فى كل زمان ومكان على شخص بعينه، وهى فى نظرهم تؤدى فى كثير من الأحيان إلى فتن وحروب جراء التنافس عليها. عند هذه النقطة يصف السنهورى رأى على عبدالرازق فى الخلافة بأنه «شاذ»، فيقول: «لاحظنا أن مؤلفاً معاصراً، هو الشيخ على عبدالرازق، قد أخذ برأى الخوارج، بعد أن أيده بحجج مستحدثة براقة، ولكنها فى نظرنا مشكوك فى متانتها». ويسعى السنهورى إلى تفنيد السندين اللذين اتكأ عليهما عبدالرازق فى رفضه للخلافة، فيرى أن قول الأخير بغياب أى سند لوجوب الخلافة فى العقل ولا فى الشرع وأنها فى الأغلب قامت بالقوة، هو خلط واضح بين وجود نظام الخلافة وبين طريقة اختيار الخليفة. كما لم يقبل السنهورى ما انتهى إليه عبدالرازق من أن الإسلام نظام دينى روحانى بحت، وراح يجلب أدلة شرعية ووقائع تاريخية يثبت من خلالها أن الإسلام عرف الدولة منذ عهده الأول، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم مارس مهام الحاكم. ولم يكتفِ السنهورى بهذا بل راح يستخدم ملكاته القانونية الراسخة فى إنشاء نظام متكامل ل«الخلافة الإسلامية» من دون أن يتوقف عند المسميات، حيث يستبدل «الخليفة» بكلمة «الرئيس»، ليؤكد ضرورة انتخابه من قبل الأمة، ثم يضع شروط الناخبين والمرشحين، وإجراءات الانتخابات، ثم يذهب إلى ما هو أوسع من ذلك بوضع مشروع لإعادة الخلافة فى صيغة «جامعة شعوب شرقية». وما انتهى إليه السنهورى من حيث الشكل لا يختلف كثيراً عما تقره الديمقراطية الغربية فى الوقت الحالى، وما ينفرد به الإسلام هنا لا يزيد على وضع مبادئ أرسخ وأعمق لضمان العدل والحرية. وإذا كانت الممارسة التاريخية فى أغلبها قد ضربت هذه المبادئ فى مقتل، فإنها لم تمت، ولن تموت، لأن النص المؤسس الذى ينطوى عليها، وهو القرآن الكريم، باقٍ إلى قيام الساعة. (ونكمل غداً)