فى رده على كتاب «الإسلام وأصول الحكم» للشيخ على عبدالرازق يبدأ الفقيه القانونى الكبير الدكتور عبدالرازق السنهورى دراسته، بمعانقة الوجدان للبرهان، والمشاعر للعقل، فيقول فى مقدمة الكتاب: «ولا أدعى أننى برىء من كل تحيز عاطفى فى معالجتى لموضوع يثير من الحماس العاطفى ما يجعل للمحاذير الناتجة عن البيئة والارتباط الغريزى بالتقاليد العريقة بعض التأثير على طريقة معالجته، حتى من جانب أحرص الباحثين على الموضوعية، بل إننى أقر بأننى منذ حداثة سنى لم أستطع أن أقاوم تعلقى الواضح بكل ما يتصل بالشرق.. ومع ذلك فقد بذلت جهدى فى هذه الدراسة لكى يكون عملى علميا قدر استطاعتى. لقد التزمت الموضوعية، وعملت دائما على ضبط العاطفة، حتى لا تطغى على الحقيقة». وبالنسبة للسنهورى فإن «الخلافة» هى «نظام الحكم فى الإسلام» وهى تدخل عنده، ككثيرين غيره، فى علم الفروع، خاصة فى شقه المتعلق بالقانون العام والقانون الدستورى، رغم أن الفقهاء يعتبرونها من مباحث علم الكلام. ويقول هنا: «إذا كانت نظرية الخلافة تتسع لجميع القواعد المتعلقة بنظام الحكومة الإسلامية، سواء دخلت فى نطاق القانون الدستورى، أو القانون الإدارى، أو المالى، فإنها لا تشمل جميع قواعد القانون الدستورى فى عرف التشريعات الحديثة، ولا فى نظر الفقه الإٍسلامى». ويسعى السنهورى إلى عصرنة أو تحديث نمط «الخلافة» فيؤكد أن مبدأ الفصل بين السلطات هو أساس نظام الحكم الإسلامى، خاصة ما يتعلق بالسلطة التشريعية، التى يجب فى نظره أن تكون مستقلة استقلالا تاما عن الخليفة. ويؤكد أيضا أن إجماع الأمة هو مصدر التشريع الإسلامى، وأن الأمة هى التى تعبر عن الإرادة الإلهية بإجماعها، وليس الخليفة أو الحاكم بسلطته. كما يقر بأن سيادة الأمة تؤدى بالضرورة إلى سيادة السلطة التشريعية، ولا يجب أن يملكها فرد مهما تكن مكانته، خليفة كان أو أميرا أو ملكا أو حاكما، فهى لله تعالى وهو سبحانه فوضها للأمة فى مجموعها، والتى يجب أن يرتبط بها «الإجماع» فى شكله الأمثل. ويضع السنهورى ثلاث خصائص للخلافة، أولها: أن اختصاصات الحكومة (الخلافة) عامة أى تقوم على التكامل بين الشئون الدينية والدنيوية. وثانيها: أن حكومة الخلافة ملزمة بتنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية. وثالثها: أن الخلافة تقوم على وحدة العالم الإسلامى. ويرى أن هذه الخصائص إن اجتمعت فى الحكومة الإسلامية باتت حكومة شرعية، مهما يكن شكلها، واستحقت بأن توصف بأنها «حكومة الخلافة». (ونكمل غدا)