حين سقط على الرصيف، لم يهتم كثيرون، اعتبروه نائما أو فى غفوة، من فرط ما اعتادوا سقوطه ووهنه، تصوروا أنه سيهب واقفا من جديد ليجول فى دائرته المعتادة، مقاهى وسط البلد، لكنه «سقط ولم يعد»، لتتعالى الصيحات حوله: «بهنسى مات يا شباب»، ويتولى من كانوا رفاقه مهمة تكفينه ودفنه، بعد أن عاش حياته دون أن يجد من يمد إليه يد العون ولو برغيف خبز أو بطانية. «مات من البرد والجوع»، قالها أحمد خليل واصفا وفاة الشاعر السودانى والفنان التشكيلى وعازف الجيتار، الذى هجر فرنسا واستقر فى القاهرة، بعد أزمة نفسية ألمت به نتيجة فراق زوجته. «خليل» قابله أول مرة قبل عامين: «على الحال نفسه من وقتها، ملابس رثة وحديث قليل، ووجه ميّزه الاتساخ والشعر المجعد الطويل، وصداقة تجمعه بالنشطاء ورواد مقاهى وسط البلد». أصدقاؤه ثاروا لوفاته المأساوية، وحولوا موقع «تويتر» إلى سرادق عزاء. «بهنسى مات وارتاح، مكنش حد حاسس بيه، الكل كان فاكره مجنون، بس هو إنسان وعاقل وجواه جرح وألم»، قالها أحمد مكى واصفا حال رفيق المقهى، بينما يروى «خليل» قصه أخرى: «فكرنا ندخله مستشفى الأمراض العقلية، لكنهم اشترطوا موافقة مكتوبة من أسرته، ففضل أن يعيش مشردا فى الشارع». موت «بهنسى» بهذه الطريقة أثار حفيظة الجالية السودانية فى القاهرة، التى اعتبرته وصمة عار فى جبين السودانيين، وجبين كل من اعتبره فى يوم ما صديقه ولم يساعده. ويقول منعم سليمان: آخر ما كتبه قبل وفاته «بهديك الفوضى.. شجار طفلين.. فى ساحة روضة.. بهديك الغربة.. هتاف الموتى وصمت التربة.. بهديك حزنك»، رحل بهنسى وأهدى حزنه للإنسانية.