بيوت ليست كالبيوت، وحياة ليست كالحياة، وبشر ليسوا كالبشر، هكذا هو حال أهالى مساكن الإيواء بشبين الكوم بالمنوفية، الذين يعيشون مأساة حقيقية، بعد صدور قرار إدارى بإزالة العمارات التى كانت تؤويهم، دون تدبير مساكن أخرى بديلة، ويحتشد نحو 100 أسرة، فى غرف لا تصلح للحياة الآدمية، بحمامات مشتركة، وسط تلال من القمامة، ورغم أن المتضررين تقدموا بعديد من الشكاوى إلى محافظ المنوفية ومنظمات حقوق الإنسان، لتدبير مساكن بديلة، ولكن دون جدوى. كان المسئولون بديوان عام محافظة المنوفية أصدروا قرارا بإخلاء المساكن، ونقل السكان إلى خيام وسط هذه الموجة من الطقس السيئ التى تضرب عموم مصر، وهو القرار الذى وصفه الأهالى «بالغاشم»، غير أن اللجنة المشكلة من قسم المساكن والشئون القانونية والعلاقات العامة والشئون الاجتماعية بحى غرب وديوان عام المحافظة، أجرت حصرا للمقيمين الفعليين بمساكن الإيواء بالعزبة الغربية خلف مسجد الصحابة لتدبير مكان مناسب لنصب خيام الإيواء تمهيدا لنقلهم خوفا من سقوط العمارات على رؤوسهم بعد حادث انهيار بلكونة إحدى الغرف ووفاة سيدة وإصابة زوجها بإصابات خطيرة. «الوطن» انطلقت إلى تلك المساكن، فاكتشفت أنها تضم 6 عمارات، بكل عمارة خمسة طوابق، يحتوى كل طابق على 16 غرفة، كل واحدة منها، يسكنها أسرة لا يقل عدد أفرادها عن 8 أشخاص، مدخل العمارة عبارة عن متر إلا ربع متر تقريبا، تدخل منه لتجد نفسك فيما يشبه المعتقل أو السجن، الحمامات مشتركة، والعمارات تحيطها القاذورات وبرك مياه الصرف الصحى. «منال»، إحدى المتضررات، ظنت محرر «الوطن» فى البداية، أحد موظفى الحى الذين يتوافدون عليهم للتنبيه بإخلاء الغرف، فباغتتنا بقولها: «إحنا مش هنسيب هنا، هنموت قبل ما نروح الخيام»، وما إن استوعبت الموقف، حتى جلست يعلو وجهها علامات الهم، لتحكى لنا عن مأساتها قائلة: «ميرضيش ربنا إننا نسيب الغرف ونروح فى خيام فى الجو ده، إحنا معانا عيال صغيرين، لو هيقبلوها على نفسهم يقبلوها، مش هنسيب بيوتنا ونروح أى خيام، لو الغرف هتقع فوق دماغنا مش هنسيبها»، وتابعت: «إحنا عايشين 6 أو 7 فى الغرفة الواحدة، شايفين الغلب، والبلد كلها بترمى الزبالة هنا، وعايزين تطلعونا من هنا على خيام، دا ميرضيش ربنا، الغرفة دى تقع فوقى وفوق عيالى، بس مش هطلع». والتقينا امرأة مسنة، أوضحت أنها تعيش فى هذه العمارة منذ 50 عاما، متذكرة الحادث الأليم الذى تعرضت له جارتها «سماح» التى سقطت من بلكونة غرفتها لتلقى حتفها ويصاب زوجها، وتابعت: «سماح وجوزها كانوا واقفين فى البلكونة، فسقطت بيهم»، وأضافت: «لو أعطونا كل أسرتين شقة هنوافق، إحنا مش عاوزين غير شقق مؤقتة فى مساكن الأوقاف، لحد ما يبنوا لنا المساكن تانى، إنما خيام فى البرد ده لا.. حرام»، فيما ذكر عبداللطيف عبدالعزيز، أنه يسكن وأولاده بمساكن الإيواء منذ حوالى 10 سنوات فى غرفة صغيرة، مضيفا: «الغرفة ضيقة والحمام مشترك والحياة لا تطاق، ورغم ذلك يريدون نقلنا إلى خيام ويبخلون علينا بتوفير مساكن بديلة لنا، وكأننا كُتب علينا أن نبقى على الهامش فى كل شىء»، وكشف جاره محمد خميس الشرقاوى عن أنه اضطر إلى تحويل الحمام إلى غرفة للمعيشة بعد سقوط منزله من 15 عاما، واصفا الحياة التى يعيشها وأسرته بغير الآدمية، والتى قد تنفر منها الحيوانات. وقالت هانم محمد موسى، إنها تسكن بالإيواء منذ 20 عاما، وتعيش حياة غير آدمية مع زوجها وأولادها داخل حجرة واحدة ولا مصدر رزق لهم، كما أنهم محرومون من الخدمات الأساسية، وتحاصرهم القمامة ومياه الصرف الصحى والحشرات والعقارب، وأضاف عدد من سكان الإيواء أنهم تقدموا بالعديد من الشكاوى إلى المحافظة، التى كانت تحيلهم إلى الشئون الاجتماعية التى طردتهم، وأكدوا أن أيا منهم لا يملك 5000 جنيه ليدفعها مقدما لشقة من شقق المحافظة، حيث لا يوجد لديهم مصدر رزق ثابت. وكشف أشرف عبدالله، من الأهالى، عن جانب آخر من المأساة، مشيراً إلى أنه حدثت قبل ذلك كارثة عندما اختلطت المياه بالكهرباء، ما تسبب فى مصرع عدد من الأطفال، وتابع: «قدمنا فى قرعة الإسكان وكنا من بين الفائزين ورغم ذلك حرمونا من حقنا»، وأضاف جاره أحمد عبدالفتاح إبراهيم، أنهم يعيشون وسط أكوام القمامة ومياه الصرف الصحى التى أصابتهم وأولادهم بالأمراض، خاصة الحساسية، وطالب بتخصيص شقق بعمارات الأوقاف لهم، مؤكدا أحقيتهم بهذه الشقق لضمان حياة كريمة لهم ولأسرهم. من جانبه، أكد الدكتور أحمد شيرين فوزى، محافظ المنوفية، تشكيل لجنة من قسم المساكن والشئون القانونية والعلاقات العامة والشئون الاجتماعية بحى غرب وديوان عام المحافظة لإجراء حصر للمقيمين الفعليين بمساكن الإيواء بالعزبة الغربية خلف مسجد الصحابة وتدبير مكان مناسب لنصب خيام الإيواء استعدادا لإعادة بناء المساكن الآيلة للسقوط، وأكد المحافظ أنه حصل على الاعتمادات المالية من وزارة الاستثمار والتخطيط لتنفيذ مشروع تجديد المساكن فى أسرع وقت، نظرا لانهيار إحدى البلكونات ووفاة سيدة، مؤكدا أنه مضطر لنقلهم لخيام وليس لديه أى بدائل أخرى، وتساءل: «البرد ولا المساكن تتهد عليهم؟»، وأشار المحافظ إلى أنه سيتم إعادة تصميم المساكن بطريقة آدمية بحيث يكون لكل شقة دورة مياه مستقلة.