يجلس «قناوى» على قمة الجبل وقت غروب الشمس بقلب ميت وعيون لا تعرف الخوف، يتأمل الأراضى الخالية من حوله.. عباءته الرمادية التى تلحف بها وعمامته التى غطت رأسه بالكامل لم تحمه من صفير الهواء الحاد البارد الذى كان يدوى فى أذنه، لكن ذلك لم يثنه عن انتظار فرائسه التى اعتاد اصطيادها منذ 25 عاما.. لم تكن حيوانات عادية بل كانت «ذئابا». «صقر الجبل» أو «صائد الذئاب» لقبان اشتهر بهما قناوى محمد، من قرية «أبومناع» بحرى بمحافظة قنا: «كان تار بينى وبين الذئاب وبعد كده صار الأمر حماية لقطعان الماشية لأهل القرية»، كلمات تلخص بداية هواية «عم قناوى»، فخلال إحدى رحلاته فى الجبل استطاع اصطياد 5 غزلان لكن سرعان ما شم الذئاب رائحة صيده الثمين، فقامت بمهاجمته وسرقوها ليقرر بعدها الثأر من جنس الذئاب إلى الأبد. استعدادات «عم قناوى» لصيد أى ذئب ليست أمرا يسيرا وتبدأ بالكلبة التى تدعى «فلة» المدربة تدريباً جيداً على جلب الذئاب للجبل، وعصا يطلق عليها «الشومة» من خشب الزان، وتنتهى بآلة ثالثة ابتكرها بنفسه عبارة عن قطعتين حديديتين مطروقتين بطول 40 سنتيمترا لها ذراعان قويتان لإحكام القبضة على قدم الضحية. لم يعرف «قناوى» الخوف لحظة خلال اقتناص فرائسه، مرددا دوما الحكمة التى توارثها عن أجداده: «إن لم تبادر بقتل الذئب قتلك فعليك مهاجمته أولا»، وهو ما ساعده بعد ذلك على شعور أهل قريته بالأمان لهم ولقطعانهم من الغنم والماشية بعد أن اصطاد 40 ذئبا و9 غزلان: «كانوا أجمل ما اصطدت خلال أكثر من 25 عاماً، لأنها جعلتنى الأبرز والأقوى بين أهل بلدتى وجيرانها»، تشييد متحف للذئاب المحنطة، بدلاً من تعليقها على الأشجار كان حلم «عم قناوى» بعد أن جرب تحنيط الذئاب الميتة مستخدماً كميات كبيرة من «الملح»، وفى كل مرة تهاجم الديدان أجسادها وتتحلل، فمن عادات قريته سلخ الذئب اعتقادا أن أحشاءه تشفى الأمراض المستعصية مثل اعتقادهم بأن تناول كبد الذئب نيئاً يعالج فيروس سى، أما تناول «مرارته» فتعالج عقم السيدات. «فهد» هو الاسم الذى أطلقه «قناوى» على ابنه البالغ 15 عاما: «اخترت الاسم بعناية حتى أعطيه الثقة فى نفسه عندما يواجه الذئاب وأعلمه الآن اصطيادها»، مضيفا أنه تعلم من صيد الذئاب: «الشجاعة والصبر والدهاء».