«يا أيها الشعب الحبيب، يا أيتها الأمة المجاهدة الصابرة لقد نجحنا والحمد لله صباح اليوم فى السيطرة على الحكم واعتقال جميع المسئولين عن النظام السابق وبدء عهد جديد، ونحن لا نكيل الوعود لكم لكننا نعلن أن النظام الجديد سيقوم على المبادئ التالية»، ثم سرد تسعة مبادئ عامة معظمها متشابه، ثم ختم البيان كالتالى: والله الموفق. رئيس الجمهورية د. صالح عبدالله سرية هذا هو البيان الذى أعده الدكتور الإخوانى الفلسطينى صالح سرية عام 1974 ليتولى حكم مصر بعد مؤامرة الإطاحة بالرئيس السادات ونظامه واعتقالهم فى مجلس الشعب، وهذا هو نص البيان كما أورده المرحوم طلال الأنصارى فى مذكراته وقد كان المتهم الثانى فى هذه القضية الشهيرة التى أطلق عليها «قضية الفنية العسكرية». صالح سرية اتفق مع بعض ضباط الجيش العراقى عام 1963 على اغتيال عبدالكريم قاسم والسيطرة على السلطة، إلا أن عبدالكريم زيدان، رئيس جماعة الإخوان بالعراق، منع تنفيذ العملية وقتها وسجن صالح لمدة عام. فى شهر سبتمبر 1971 قامت السلطات العراقية بحملة اعتقالات واسعة ضد جماعة الإخوان بعد فشلها فى محاولة اغتيال الرئيس أحمد حسن البكر ونائبه صدام حسين، وتمكن سرية من الهرب هو وزوجته العراقية، ابنة أحد قيادات الإخوان بالعراق، وأبناؤه التسعة. فى سبتمبر 1972 عين بناء على ترشيح من منظمة التحرير الفلسطينية فى المنظمة العربية للثقافة والعلوم والتربية، التابعة لجامعة الدول العربية، لذا استقر به المقام فى القاهرة وهنالك نزل على أهم أجنحة الإخوان حسن الهضيبى وزينب الغزالى ولم تكن مرت سوى شهور قليلة على الإفراج عنهما، وكان صالح يرى أن المنهج الذى اتبعته الإخوان لإعداد كوادر الجهاز السرى الخاص هو المنهج النموذجى. قدم مذكرة من خمسين صفحة الهضيبى تنصب حول ضرورة الوصول للسلطة بالقوة العسكرية، ثم أخبر الجميع بأن المرشد وافق على أفكاره، لكن الهضيبى توفى عام 1973 قبل أن يوضع هذا التفكير موضع التنفيذ، ويؤكد طلال أن زينب الغزالى قد قامت بتسليم قيادة التنظيم الشبابى القوى للجماعة إلى صالح سرية، الذى خطط بأن يتوجهوا إلى كلية الفنية العسكرية حيث يساعدهم على الاستيلاء على مخزن أسلحتها عدد من الطلاب المنتمين للجماعة ثم يتوجهون إلى مقر اجتماع السادات فى مبنى الاتحاد الاشتراكى وإعلان البيان الأول، وحينما سأل بعض المشاركين فى العملية: وماذا لو سقط قتلى من طلاب الكلية الحارسين للمخزن أو من الجنود الخدمة أمام المبنى؟ فكانت الإجابة فتوى شهيرة اسمها «فتوى التترس»، ومؤداها أن هؤلاء الجنود والحراس الذين يكون تترسهم حائلا دون قيام الدولة الإسلامية يجوز قتلهم وسوف يبعثون على نياتهم، الشىء المثير أنه بعد حوالى 35 عاما على هذه الحادثة أجريت حوارا تليفزيونيا مع طلال ولما ذكر أمر هذه الفتوى سألته بشكل مباشر: وهل اقتنعت بمثل هذا الكلام؟ فكانت إجابته السريعة القاطعة: بصراحة لا، فسألته: ولماذا إذن اشتركت فى العملية؟ فأجاب إجابة عجيبة قال فيها: بصراحة كنا قد مللنا أى انتظار، وكان لا بد أن نشبع رغبتنا فى عمل أى شىء، ومن ثم نفذوا العملية الكئيبة التى راح ضحيتها 13 قتيلا. أذكر هذه القصة ليكون واضحا لكثيرين أن ما يقال على ما يسمى بالتنظيم الدولى للإخوان ليس خيالا كما يظن البعض، بل إنه واقع إلى درجة أنه جرأ شابا غير مصرى على أن يوقع على بيان الانقلاب كرئيس لمصر (وهو على كل حال جد لشباب حماس)، كذلك تؤكد الرواية أن الإخوان لا يتحركون بناء على آمال أو آلام الشعب المصرى الذى كان يعيش حينها فرحة انتصار أكتوبر 1973، كما أنهم لا يتسمون بأدنى مستويات الأخلاق الإسلامية إذ يخونون الجميل بفجاجة، فالنظام الذى أفرج عنهم خططوا للقضاء عليه.