لم أتوقع أن يكون الدستور الأمثل ولا الأفضل فى ظل الظروف التى خرج فيها، ولكن ليس لدينا رفاهية النقد والرفض والتأجيل للتطوير، فمصر على حافة المنحدر!! قبل أن يُعلَن الدستور فى صورته الأخيرة بعد تصويت لجنة الخمسين عليه مساء الأحد الماضى، وسهام النقد تلاحقه من كل اتجاه، سهام إخوانية، لو رأت نصاً قرآنياً أعلنته هذه اللجنة لاعترضت عليه، فمن يرى ثورة يوليو انقلاباً، ويصف فترة حكم الإخوان الفاشلة بأنها نموذج للنجاح لن يرضى بأى شىء، بل سيحاول هدمه كما يحاول هدم الدولة الآن! وسهام من شباب ثورى، بعضه مُحق فى نقده، ولكن الاندفاع الثورى يجعله لا يرى حلولاً وسطاً ويؤمن بأن الهدم الكامل هو بداية البناء، وبين الاثنين فريق لم يجد لنفسه مكاناً، ويرى أن طول الفترة الانتقالية، والتى صارت تخريبية، يمنحه فرصة جديدة للوجود، لذا فإن الانقضاض على الدستور وسيلة وليست غاية!! ديباجة الدستور طويلة وإنشائية، والمحاكمات العسكرية للمدنيين حتى بعد تعديلها تلقى رفضاً من الكثيرين.. المادة 146 التى يكلف فيها رئيس الجمهورية، رئيس الوزراء فيها مشكلة ومعقدة وقد تؤدى إلى عدم وجود حكومة فترات طويلة.. دعونا نتفق مع هذه الانتقادات، ولكن ماذا عن الإيجابيات فى باقى المواد؟ ألم ترضكم المواد الخاصة بالحريات وحق الاعتصام والتظاهر؟ ألم تعجبكم زيادة مخصصات التعليم والصحة، والضرائب التصاعدية التى تأخذ من الأغنياء لصالح الفقراء؟! تعالوا إلى كلمة سواء مرة واحدة بعد ثورتين؛ فهذا دستور الأزمة.. دستور وطن مجهد ممزق، دستور وطن ينام جيشه وشرطته وقوفاً فى الشوارع، دستور وُلد بين صراخ المظاهرات ودماء الإرهاب وقتل الشباب، دستور فى زمن الكراهية والصراع على جسد وطن يئنّ من الوجع!! لن يكون آخر دستور، وما لا يعجبنا فيه يغيّره البرلمان القادم، ممثل الشعب.. كفانا فراغاً دستورياً ومؤسسياً. هذا الدستور هو الخطوة الأولى والأهم فى خارطة الطريق، هو أول إجراء ديمقراطى بعد ثورة 30 يونيو.. هو الذى سيأتى برئيس وبرلمان منتخبين ويُخرس ألسنة الإخوان وأنصارهم فى الغرب. نحن نحتاج إلى ملايين المصريين ليقولوا: نعم للدستور.. فلو لم تتجاوز نسبة التصويت 70٪ فهذا يعنى باختصار فشل الثورة، وأن الإخوان يمثلون غالبية الشعب. على الملايين التى خرجت فى 30 يونيو أن يخرجوا للتصويت بنعم، إذا كانوا يرفضون الفوضى والإرهاب، إذا كانوا يريدون الاستقرار وعودة الاستثمار، إذا أرادوا أن يقولوا لا للإخوان ونعم لمصر.. نعم لدستور الأزمة ولا لأزمة الدستور.. فمصر ستبدأ معه طريق النور!!