يجب على الأحزاب السياسية أن تقود معركة ضد التمويل الأجنبى للجمعيات التى أصبح معظمها مشبوها.. وأصبحت بمثابة خنجر فى ظهر الوطن.. يجب على «الكسب غير المشروع» أن يفتح هذا الملف بكل قوة ودون خوف أو تردد.. بعدما تحولت مجموعة من معتادى الإجرام والصعاليك إلى مليارديرات من هذه الأموال.. وبعدما أصبحت تجارة على حساب الوطن والشعب تفوق تجارة المخدرات والسلاح المشبوهة.. يجب على الأجهزة الرقابية أن تفرج عن ملفاتها التى كادت تذوب فى ثلاجتها.. هذه الأموال لا تُنفق إلا فى إطار ولا تغدق على أصحاب هذه الجمعيات إلا لأهداف معينة ومخططة.. إن الحكومات المتعاقبة على حكم مصر كانت، وما زالت، أجبن من أن تتخذ خطوات جادة تجاه هذا السرطان الذى استشرى بشكل مخيف ومرعب تجاه مستقبل هذا الوطن.. إن حكومات الحزب الوطنى التى هيأت الأرض والمناخ والغطاء السياسى لمثل هذا العمل الإجرامى كانت سببا فى تبعية القرار للخارج فى كثير من الأمور.. وأصبح هذا السلاح ينهش فى جسد الوطن.. إن الحكومات التى أعقبت ثورة 25 يناير كانت عاجزة لولا أن سيدة واحدة، سيسجل اسمها فى التاريخ بحروف من نور، هى التى أيقظت هؤلاء من نومهم العميق عن تلك الفاجعة التى كادت تقضى على الأخضر واليابس وحرّكت القضية أمام القضاء، وللأسف وللأسى فوجئنا بانبطاح الحكومة والمجلس العسكرى الحاكم فى ذلك الوقت بالسماح بخروج المتهمين الأجانب فى القضية على طائرة المخابرات الأمريكية من مطار مصر تحت سمع وبصر ومباركة النظام الحاكم فى ذاك الوقت.. وجاءت حكومة «مرسى» لتواصل مسلسل الاستسلام والانبطاح لهؤلاء.. ولم تكن حكومة «الببلاوى» أفضل من سابقيها، لكنها زادت الطين بلة، فيبدو أن فريقا بها يعمل كغطاء شرعى لهذه الجمعيات المشبوهة، ويبدو أن مِن بين أعضائها مَن حصل على جزء من التورتة.. ويبدو أن الجزء الآخر يخشى على مقعده واتخذ من ضغوط الأمريكان على مصر فى إبعاد فايزة أبوالنجا والإطاحة بها عبرة لمن يعتبر، تلك السيدة التى يجب ألا تختفى عن المشهد، لا بد أن تتعلم منها الأجيال؛ فموقفها الرائع فى تفجير هذه القضية دون خوف أو تردد جعل أعناق الرجال ممن خلفوها تتضاءل أمام وطنيتها ومواقفها.. إن هذه الأموال التى تغدَق يا سادة لا تغدَق هناك إلا بموافقة أجهزة المخابرات العالمية لتقسيم هذا الوطن وزرع الفتن بين صفوف الشعب المصرى.. وإذا كان هذا هو موقف الحكومات المصرية قبل الثورة وبعدها.. فموقف الأحزاب لا يقل سوءا عن مواقف هذه الحكومات.. فصمت هذه الأحزاب يضعها فى خانة الاتهام ورضاها عن هذا ومباركتها لذلك خوفا من التأثير على قادتها فى الانتخابات ضاربين بمسئوليتهم الوطنية وبتاريخ ومستقبل أحزابهم عرض الحائط.. المشكلة يا سادة أن نظام الحزب الوطنى وأجهزته قامت بزج بعض هؤلاء الذين أصابهم الطمع والجشع على الأحزاب لتلويثها وإلصاق بقع سوداء فى ثوبها الأبيض.. وتمكنوا من الاندماج فى هذه الأحزاب وشُكلت لهم الجمعيات ويسر بعض المسئولين فى هذه الأحزاب الطريق إلى السفارات، ليس للحصول على تأشيرة سفر للعلاج وحضور مؤتمرات، بل لتدعيمها ورغبة فى توحشها حتى تكون سندا لها وعونا.. ونجح أصحاب هذه الجمعيات فى زج أذنابهم وبعض حِسان النية مقابل إغداق مكافآت شهرية عليهم، بدعوى إعداد تقارير إلى عضوية الأحزاب فى لجان المحافظات والقرى والمراكز.. ثم بعد فترة إلى عضوية الجمعيات العمومية والمؤتمرات العامة لهذه الأحزاب.. حتى يحق لهم اختيار القيادات.. ثم أن يكونوا أصحاب النفوذ الأول فى توجيه أذنابهم لاختيار الهيئات العليا وقيادات الأحزاب.. بل وصلوا فى مرات عديدة وفى الكثير من الأحزاب فى اختيار رؤسائها وقياداتها.. ومن هنا، ومن السهل واليسير جدا، أن يصبح قرار هذه الأحزاب تحت سيف هؤلاء الذين اندسوا فى خلسة من الزمن ليلوثوا ثوبا ناصع البياض للحركة الوطنية المصرية.. وللأسف هنا يكون قد تم التحايل على القوانين التى تمنع حصول الأحزاب على الأموال من الخارج ويكون هؤلاء المافيا سببا فى تلويث شرفاء الأحزاب والمعارضة وإعطاء الفرصة لمن يتربص بهذه الأحزاب لضربها من أى نظام مع أى بادرة خلاف تحدث. وربما تعود بى الذاكرة فى عام 2005، عندما تقدمت بطلب إحاطة حول التمويل الأجنبى، وللأسى والأسف فوجئت وفوجئ الشعب المصرى بقيام السفير الأمريكى ذى الميول الصهيونية، ديفيد وولش، بتوزيع مليون دولار على أصحاب ست جمعيات، ثم تطور الأمر بعد ذلك لمواصلة السفارات بتوزيع الملايين على هذه الجمعيات، وخضت معركة تحت قبة البرلمان لمدة سنوات أكشف هذه الجرائم، لكن كانت الدنيا ضدى فى البرلمان، ومن يريد أن يقف معك يقف بخجل، فإذ كنت أقول وأهاجم زُج هؤلاء فى الأحزاب فأجد رئيس أحد الأحزاب يقول: «وإيه يعنى؟ ما جمعية المستقبل لجمال مبارك بتاخد».. المهم أننى فى الآخر حصلت على مكافأتى وهى فصلى؛ لأننى كشفت هذه القضية والجريمة فى حق هذا الوطن، وصدر قرار بخروجى من الجلسة ومنعى من الكلام بالقوة، وتصفيق حاد من نواب «الوطنى» مؤازرين ومؤيدين من كان سببا فى فصلى. ورغم ذلك فإنى والله لا أحمل له الآن شيئا، هدانى وهداه الله.. ولم أجد إلا النائب المحترم علاء عبدالمنعم يربت على كتفى فى أخوة وخروج النائب المحترم محمد الصحفى ليخفف عنى.. وجاءت الجمعية العمومية لحزب الوفد العريق لترفض قرار الفصل وتتخذ الهيئة العليا قرارا بفصل من ينتمون إلى جمعيات وعدم الربط بين عضوية الحزب وعضوية الجمعيات.. وجاءت القضية التى فجرتها الفاضلة فايزة أبوالنجا لتثلج صدرى وتمنحنى الطمأنينة بأن فى هذا الوطن شرفاء وأن صراخى فى البرلمان كان لوجه الله ثم خوفا على هذ الوطن وكل جميل فيه. والآن أقول بأعلى صوتى: إن الحكومة متورطة فى هذه الجريمة بصمتها إن لم تكن مشاركة بها.. وإن الأحزاب تكتب نهاية أعضائها بيدها وتلوث تاريخها وتجعل لعنات زعمائها الذين رحلوا تحل عليهم.. وتجعل الشعب يسحب الشرعية منها.. طوبى لمن يطهر حزبه وفصيله ممن اندسوا عليه.. ما أجمل وأروع وأعظم أن تخوض المعارك حتى النفس الأخير.. أهلا بالمعارك.