أصعب ما يواجه مصر فى الفترة الحالية إشكالية غياب القائد، ليس معنى ذلك أن البلد يدار بالمؤسسات خلال هذه المرحلة الحرجة، بل يعنى -من وجهة نظرى- غياب الرؤية والبوصلة والتخطيط، لدرجة أنك تشعر بأن مستقبل هذا البلد العريق بلا صاحب؛ فقد خرج الشعب بثورة لإسقاط الإخوان وألقى بكل ثقته فى جيشه، لكن لحسابات لها علاقة بماضٍ قريب ملىء بالأخطاء، وبعض الأخطار الأجنبية، يتمنع الجيش عن إدارة المرحلة الانتقالية سواء فى العلن أو السر.. أما الرئيس المستشار عدلى منصور فرجل زاهد لدرجة أنه يعتبر المسئولية عبئاً؛ فلا يتدخل سوى فى أمور بسيطة.. أما الحكومة فحدّث ولا حرج، عبارة عن جزر منعزلة وبطيئة ورخوة ومترددة، وبالطبع لا أحد يراجعها لا الجيش ولا الرئيس.. يبقى الشعب الذى فوض الجيش -وليس آخرين- لتخليصه من حكم الإخوان، والذى يثبت كل يوم أن المصريين أكثر إدراكاً ووعياً بمخاطر المرحلة الحالية من معظم الوزراء الحاليين، لكن الشعب لن يستطيع إدارة البلاد، ومع ذلك فقد تسلل إليه الإحباط جرّاء تصرفات الحكومة الخائبة والنخبة «المايعة»، وأصبح قلقاً على ثورته ومستقبل بلاده، خاصة أن أى متابع يدرك مدى التفكك الحالى وأن كثيراً من الملفات المهمة مهملة أو تُدار بدون كفاءة. حال لجنة الخمسين لا يفرق كثيراً عن حال البلد.. غياب للرؤية.. صراع مصالح.. عدم كفاءة.. نظرة ضيقة للأمور.. غياب القائد.. الاستغراق فى قضايا صغيرة وترك المسائل المهمة.. وكل ذلك بالطبع نتاج طبيعى لتشكيل اللجنة الذى استبعد كفاءات وطنية كثيرة لإرضاء أحزاب لا تملك رؤى للمستقبل وتبحث عن مصالح حزبية لقادتها، لكن الأغرب فى هذا البلد افتقاد المبادرات والأفكار الخلاقة والاستسلام لفكرة أن مصر بلد بلا كفاءات، وإذا كان اختيار الحكومة قد تم فى ظل ضيق الوقت وضغوط شعبية ودولية، فإن الفترة الحالية مناسبة جداً لاختيار كفاءات حقيقية تدير البلاد وتتصدر المشهد ويتم تقديمها للمجتمع المصرى والرهان عليها بدلاً من الذين فشلوا سواء فى الحكومة أو غيرها. أعرف أن كلماتى قد تتسبب فى إحباط البعض، لكنها الحقيقة، فمصر تستحق أكثر من ذلك بكثير، خاصة أن شعبها فى أعلى درجات النضج والوعى والانتماء والمسئولية أيضاً، ولكن لم تُستثمر حتى الآن. وإذا كان التاريخ قد لا يحاسب قادة البلاد -أياً كانوا- على أخطاء جسيمة، فالمؤكد أن الشعب سيحاسبهم على فرص عظيمة فى هذه المرحلة الصعبة لم يستغلوها لتنطلق مصر إلى الأمام. لقد تحملت مصر الكثير من التحديات، وإذا كانت الفترة الحالية قد اتسمت بتعدد من يديرونها فى الداخل والخارج فلا يمكن أن يثور الشعب ليعبث بمستقبله الخائفون والمرتعشون والممتنعون والمستغلون.. أو أن تعيش مصر فى مثل هذه الظروف بلا قيادة!!