على أحد أرصفة ميدان السيدة عائشة حيث تنام، نهضت من فرشتها وارتدت «شبشب بصباع» وتوجهت بسرعة إلى دورة مياه مسجد «الغورى» لقضاء حاجتها وغسل وجهها بالماء، والعودة إلى فرشتها لرصّ بضاعتها واستهلال يومها بعبارة «صبحنا وصبح الملك لله». هى امرأة غريبة تعمل وتأكل وتشرب وتنام فى الشارع، ومع ذلك لا تشعر بأى غضاضة، فابتسامة الرضا التى ترتسم على شفتيها تشعرك بأنها تعيش فى جنة رغم أنها عانت كثيراً فى حياتها. خديجة محمد، السيدة الخمسينية، انهار بيتها فاضطرت إلى الإقامة فى الشارع مع زوجها وابنها وأحفادها الثلاثة، تجلس أمام فرشة حديد خردة تكسب منها جنيهات قليلة تعينها فى الإنفاق على زوجها المريض الذى يبلغ معاشه 145 جنيهاً وابنها المعاق والثانى المسجون وأحفادها الذين لا حول لهم ولا قوة. خديجة، رغم ظروفها الصعبة، لا تتوقف عن الضحك وتبادل أطراف الحديث مع المارة فى سوق السيدة عائشة، والمشكلة الوحيدة التى تعانيها هى عدم وجود دورة مياه فتضطر هى والمقيمات معها فى الشارع إلى التوجه إلى دورة مياه المسجد: «لولا الحمام ما كانش يبقى عندى مشكلة.. يا ريت يعملولنا حمام عمومى». خديجة يئست من الجرى وراء المحافظة لاستخراج أوراق للحصول على شقة: «الموظفين فى المحافظة قالولى هاتى ألف ونص عشان نعملك الورق.. بالذمة ده منظر واحدة معاها ألف ونص؟». خديجة لا ترضى بالحال المايل كما تقول، فأثناء الثورة هرب ابنها من السجن الذى دخله بسبب مشاجرة، لكنها أعادته بيديها: «ابنى رجعلى هربان، خدته من إيده وسلمته لسجن طنطا العمومى عشان يقضى عقوبته ويخرج لى، مش كل يومين والتانى يهرب». خديجة معروفة فى السوق بمجدعتها وتصديها لكل من يحاول الاقتراب من فرشتها هى وأولادها: «وقفت وقت الثورة على فرشتى وما خليتش حد من البلطجية يقرّب منى أو من عيالى». ولا تحلم سوى بأن يخرج ابنها من السجن وأن يساعدها فى تحمل المصاريف، وتحلم أيضاً بشقة غرفة وصالة كى تستطيع دخول الحمام براحتها.