يستل هيكل سيفه بين الحين والآخر ليطعن صحافتنا، ورغم يقيننا باختلاط الأدوار لدى الأستاذ طوال تاريخه، لكن الاعتراف بالحق فضيلة العارفين ومن ثم نقف احتراماً أمام انتقاده وطعنه أيضاً، لخص هيكل المرض الصحفى المصرى مع لميس الحديدى، واتهم الصحفيين بخلط الرأى بالخبر، ولنبدأ من حيث انتهى لنحكى الحكاية ومعها تفاصيل لم يشر إليها الشيخ التسعينى لأنه لا يعرفها، فالأقلام تحولت إلى خانات النشاط السياسى ولم تعد تكتب أخباراً مجردة بل آراء تختلط بالأخبار، والمسألة باتت تهديداً للمهنة وصناعة الصحف أيضاً، فالمهنة تحولت إلى فناء خلفى لساقطى القيد السياسى وأرباب مقاهى وسط المدينة وروابط مشجعى الأندية «الألتراس» وخلايا اليسار الفاشلة وغيرها من نتاج نظام مبارك الخرب الفاسد! السياسة تسربت إلى المهنة فلم يعد الرأى فقط فى مساحاته وأعمدته بل صار جزءًا من متون الأخبار وثنايا التقارير، لا أتحدث هنا عن صحافة حزبية تحمل أمراض النشأة وتمثل ديناصوراً منقرضاً فى دنيا المهنة، ولكن أتحدث عن الصحافة الجديدة التى جاوزت الحزبى والحكومى إلى آفاق القراءة والولائية طوال الأعوام الأخيرة، هيكل مس الظاهرة لكنه لم يقترب منها، فالتفاصيل سوداوية بحجم الانتماءات وكسر التابوهات المهنية والتعريض بمعايير الصدقية والدقة والاستسلام لهوى التلوين والخداع وتجنيب الحقيقة، ندور فى فلك ليس فلكاً لمهنة الضمير، لم تعد بعض المنابر ظلاً للحقائق، فقد ساقها الهوى إلى رمضاء الانحيازات وعكاشية التغطيات، لم تعد الرصانة هدفاً بل تحولت إلى كتاب قديم اصفراره أثر على السطور، فلا يستبينه قارئ أو يلتزم به محترف، فالرسالة مشوشة بقدر جريمة، ومهلهلة بقدر خطيئة! فى إحدى صحفنا كانت هجمة النشطاء عليها مثل عمليات إنزال المظليين خلف خطوط عدو أو ما شابه، فقد كانت تصورات النشطاء ترتكز على أن العمل مع أعداء مصنوعين فى الأذهان هدف لأن المزايدة عليهم ناجحة بامتياز، فما أسهل أن تستخدم «التقية»، إخوانية كانت أو شيوعية أو تروتسكية أو أناركية، لتبدو منظماً مدرباً ناصعاً واعياً نافعاً ومضللاً أيضاً ب«بونى تيل» أو «ذقن خفيف» أو «سالف طويل»، صالة تحرير تتحول إلى منصات للنضال ضد كل شىء وأى شىء، الأهداف قد تكون محمودة وبراقة لكنها عندما تنتقل إلى الصحافة فإنها مذمومة خبيثة، فإذا كنت «سين» أو «صاد» أو «عين» الصحفى فليس مطلوباً منك أن تنتمى فى صالة تحرير، بل مطلوب منك أن تعمل فقط بمراعاة أصول مهنة ومعايير تغطية وإلزامية مؤسسات وسياسة تحرير، «الصحيفة الأم» تحولت إلى خلية تشابه خلايا «حدتو» فجمعت النشطاء بهرولة جهل تحسد عليها، وأصبح النشطاء صحفيين ودانت لهم المنتديات وشبكات التواصل، لكن لم تدن لهم المهنة، فهى تلفظ المنحاز ابتداءً والمختال كذباً بالكفاءة، والمقعر بحكاوى الشعور الطويلة، وتسقطه مثلما أسقط القدر صخرة سيزيف، فالسقوط متكرر فى كل لحظة وبنفس السيناريو أينما ذهب وأينما حل! المرض ينتشر فى جنبات الصحافة الجديدة ولم تبرأ منه أى صحيفة، فهو يسرى مثل السرطان فى أنحاء الجسد، فأصبحت الصحف ملونة بدرجات، بعضها استطاع أن يهضم سرطانه وبعضها الآخر استسلم له بغباء إدارة وما زالت أخرى تقاوم الغروب، الصحف مثل الإنسان إذا انشغل عن نفسه فسد، لنا الله ولك الله يا هيكل.. لقد أوجعتنا!!