من المؤكد أن جلوسك أمام أي شخصية صاحبة تاريخ طويل قد يجعلك متوترا إن لم تكن متوترا بطبعك وإحقاقا للحق أعترف أن الجلوس أمام هذا الرجل ليس شيئا سهلا وهو الذي جلس وحاور كبار رجال الدولة وشخصيات عربية ودولية وله من الأرشيف الصحفي ومن المواقف ما يثير في نفسك كل هذه التساؤلات.. وهذا ما جعلني أتأخر عن ميعادي معه عشر دقائق في محاولة مني لمراجعة ما سأطرحه من أسئلة عليه. فهو ملجأ كثير من الأقلام الشريفة في أزماتها وصاحب مواقف تحمل علامات هذا الزمن الجميل في الصحافة المصرية، إنه مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين، الكاشف لنا عن إجابات كثيرة حملناها الأيام الماضية في بلاط صاحبة الجلالة، والذي أجاب بكل صدق وثقة وبألفاظ معبرة وصائبة لما يعنيه كصحفي مخضرم، مما جعل الحوار معه أشبه بدرس كامل في الصحافة.. كان ل «الأهالي» معه هذا الحوار.. صرحت بعد فوزك في انتخابات النقابة أن أهم ما يشغلك هو ضبط العلاقة بين الحكومة والصحفيين.. كيف تري ملامح هذا الضبط؟ - لا أستطيع أن أقول إلا أن هذه العلاقة في حالة «تذبذب» فأحيانا يقع بعض التوتر نتيجة بعض الخلافات التي تصل فيها معالجات بعض الصحفيين إلي الانتقاد الحاد وهو ما تعتبره الحكومة انتقاصا من قدرة الرئيس وقيمته وفي أحيانا أخري «الحكم» يستمع إلي أصوات كثيرين يحرضونه علي الصحافة وحريتها، ورغم هذا التذبذب فإنني أراها مستقرة عند حدود لا نعتقد أنها رديئة ولا نعتقد أنها جيدة، فحقوقنا كصحفيين التزم بها الحكم اقتصاديا، وأوقف تنفيذ أحكام الحبس التي صدرت ضد صحفيين سواء تم هذا من خلال التماس منا وتدخل الرئيس أو تدخلنا، بجانب أن القضاء نفسه لم يصبح ميالا إلي عقوبة حبس الصحفيين لأنها لم تعد مقبولة وبطل العمل بها في كثير من الدول، ربما لم ننجح بقدر كاف في تغيير كثير من البنود التي كنا نأمل في تغييرها مثل تغيير بعض بنود العقوبات ولكننا نجحنا في وقف تنفيذ جميع الأحكام فيما عدا حكم المغربي وصحيفة البلاغ لأنه يتعلق بقضية أخلاقية وأيضا أهمل طلب النائب العام في الحضور فأحاله للمحكمة. وماذا عن الحقوق الاقتصادية للصحفيين؟ - حققنا جزءا كبيرا منها فالمدينة السكنية أوشكت علي الانتهاء والدخول في مرحلة التنفيذ ويبقي لنا نقل ملكية الأرض كما حدث في التجمع الخامس إلي وزارة الأوقاف، لأنها لا تريد أن تصرف مليما إلا في هذه الحالة ثم تعيد ملكيتها لنا والقرار لابد أن يصدر من وزير الإسكان ونحن نلاحقه خلال الأيام الماضية لإصداره وموضوع الأرض الخاص بنادي النقابة أوقف تماما وأبطل الحكم الابتدائي وسددنا الفلوس. رأس المال ما رأيك في سيطرة رأس المال بأنواعه علي الصحف المصرية؟ - لسنا ضد أن يساهم رأس المال في الصحافة لأن الصحافة المصرية كلها نهضت طوال تاريخها علي ذلك فمثلا أولاد أمين هم من صنعوا الأخبار وأولاد تكلا صنعوا الأهرام وأولاد زيدان صنعوا دار الهلال وفاطمة اليوسف صنعت روزاليوسف ولكن كل هؤلاء كانوا صحفيين ينتمون إلي القطاع الخاص وسلموا عبدالناصر مؤسسات قوية ولم يسلموه دكاكين صحفية صغيرة ولهذا لسنا ضد مشاركة رأس المال خاصة مع زيادة عدد كليات الصحافة وخريجيها والعرض يزيد علي الطلب ولكن أحيانا نجد شبابا يضطر للعمل تحت هذه المظلة بعقد كاذب ويقبل أن يقدم استقالته علي عقد غير حقيقي وكثير من الجرائد تفتح وتغلق ولا نعرف لماذا يتركون لنا صحفيين في حالة بطالة لذا سنتقدم للمجلس الأعلي للصحافة بطلب اجتماع طارئ لمناقشة هذا، خاصة مع ما يحدث عندما يشتري البعض صحيفة ليغير خطها السياسي دون مراعاة لشرط الضمير، وستناقش الضوابط التي يمكن فرضها علي رأس المال الخاص وهل يمكن لأي عقد بيع أن يغير اتجاه الصحيفة. وماذا عن الصحف القومية والحزبية؟ - لا أقول إن وضع الصحف القومية متمايز ولكنه أفضل الجميع وكل صحفي في مصر يعلم أن حقوق الصحفيين في الجرائد القومية أفضل من أي صحيفة خاصة أو حزبية، والتجربة علمتني أيضا أن رؤساء تحرير الصحف القومية للأسف أكثر حرية في قراراتهم من معظم رؤساء تحرير الصحف الأخري، وهذا ليس معناه أنها تحمل صيغا مثلي ولكنها صيغ يعتريها مشاكل كثيرة فمازالت الصحف القومية عاجزة عن أن تصبح صحفا قومية بالفعل لأنها مفترض ألا تنحاز لحزب بل لمصالح الوطن وتدير الحوار بين كل قوي المجتمع وحتي إن رأيناه في بعضها ولكن بشكل خافت لهذا يجب أن تحمل هذه الصحف قدرا من الاستقلال النسبي عن الحكومة. وأعتقد أن المنافسة مع الصحف الخاصة قد يجعلها تقوم بهذا لأن ساحة العمل الصحفي لا تصلح إلا في وجود المنافسة، أما الصحف الحزبية فلم تصل أيضا لصيغة مثلي نتيجة لأن رئيس الحزب أحيانا يصبح رئيس تحرير الجريدة أو يزاحم رئيس التحرير في اختصاصه أو يختصر الحزب في مجرد صحيفة. تسييس الأخبار هل تري أن الصحف الخاصة أو ما يطلق عليها «مستقلة» لديها أيضا ملاحظات؟ - للأسف قليل منها ملتزم بحقوق الصحفيين والضوابط المهنية فبعضها يعتقد أنه يوجه البلد من خلال «تسييس الأخبار» فالأخبار ملعوب فيها وملونة لأهداف صغيرة ولا فصل بين الخبر والرأي ولا تهتم بحريات الناس الشخصية ولكنني أجد علي الجانب الآخر صحفا خاصة قدمت نجوما جددا للمجتمع المصري بعد التعود علي أخبار الحكومة فقط طرحت أبطالا حقيقيين سواء كانوا جيدين أو سيئين ولكنهم في الشارع المصري. إلي أي مدي تري المنافسة بين كل هذه الصحف؟ - أتصور أن كل هذه الصور وتنوع الملكية يخدم حرية الصحافة رغم بعض القصور فيهما جميعا، وحجم الحرية المتاح في الصحافة المصرية ليس موجودا في أي بلد عربي وأتحدي أي شخص فلا توجد أي صحيفة عربية تجرؤ علي انتقاد أميرها أو وزيرها في حين سقطت في مصر كل المقدسات. لماذا اختفت المدارس الصحفية الآن؟ - بالفعل اختفت المدارس الصحفية «لأن لا أحد فاضي لأحد» الجميع يشغله الكثير بعد أن كانت في مصر خمس مدارس صحفية مهمة هي «الأهرام» مدرسة في كيفية كتابة الخبر و«الأخبار» مدرسة التحقيق الصحفي المثير، وروزاليوسف مدرسة الكتابة الساخرة ودار الهلال مدرسة في الصورة، جميعها ولدت أجيال صحفيين جيدين، ولم يعد هناك اليوم انتماء حقيقي للصحيفة أتذكر أننا كنا ندخل اجتماعات التحرير قلقين من الجريدة التي سبقتنا في أي خبر، أما الصحفيون الآن يتربون «شيطاني» من واقع تجربتهم وخطأهم وقراءاتهم الخاصة - إذا كانوا يقرأون - دون أن يكون لهم جيل رائد ومعلم. حقيقة أزمة الدستور أزمة جريدة «الدستور» طرحت كثيرا من التساؤلات حول وضع الصحافة المصرية الراهن.. ما حقيقة الأزمة؟ - بصراحة شديدة كان يمكن حل مشكلة الدستور في وقت زمني لولا عدة عوامل منها أن هواة السياسة يتصورون أننا أمام مشكلة سياسية علينا أن نلعب عليها لنحرج النظام، وبعض الزملاء الذين كانوا في الدستور لم يريدوا إطلاق سراح زملائهم، ومنذ اليوم الأول ناشدنا إبراهيم عيسي وأكدنا له أن النقابة ستقف معه في شرط الضمير وعليه إطلاق سراح زملائه وإقناعهم بالذهاب لعملهم لأن صدور الصحيفة وانتظامها و120 صحفيا معلقة في حين أن ما حدث تكرر في جرائد أخري سابقة مثل الأهرام فعندما تركها هيكل قال لنا إن الأهرام ليست ملكي وأنها ملكنا جميعا ولابد أن يلتزم الصدور وحدث أيضا مرات كثيرة في جريدة «الأهالي» و«الناصري» والدنيا لم تهد، لذا كان علينا أن نضع الأشياء في أحجامها الطبيعية وهذا ليس معناه عدم التعاطف مع إبراهيم عيسي وقد عرضت عليه الذهاب معه لأي مكان. وماذا عن موقف «النقابة»..؟ - النقابة وقفت معهم ولم تتركهم، ولكن بعض الزملاء في الدستور أنفسهم متصورون أن الحياة ثورة دائمة وهم اليوم منقسمون علي أنفسهم وقد تقدم لي عدد كبير قبل الاتفاق بطلبات للعودة للجريدة تحت مظلة النقابة وكان لابد أن أقول إنني مسئول عمن يريد العودة وأيضا عمن يريد الاعتصام، هذا بجانب أن الملاك الجدد للجريدة ليس لديهم خبرة في إدارتها أحدهما متشدد جدا والآخر لين جدا، وفي النهاية لن نتحرك في أي اتجاه إلا بموافقة الصحفيين علي كل شيء. قانون مهلهل ماذا عن قانون نقابة الصحفيين الحالي.. واقتراح إنشاء قانون جديد؟ - أود فعليا أن أفعل قانونا جديدا ولكن للأسف بعض الزملاء أعضاء المجلس كذبوا علي أنفسهم وقالوا إن «أحمد عز» هو المحرض لعمل قانون جديد وهو كلام غير منطقي، من يكون هو ليحرضني؟ ولكنهم خجلوا من أنفسهم واعتذروا وقالوا إنهم يخشون من عمل قانون الآن لأن الحكومة لن تمشي بنوده، ولكن لابد من عمله لأن القانون الحالي لا يمكننا من إصلاح الصحافة، فهو قانون مهلهل فات أوانه ولا يعالج أي مشكلة. ما أهم مشكلات القانون القديم في رأيك؟ - لدينا مشاكل كثيرة فحتي الآن مثلا شروط القيد في الجداول «خايبة» ولا تصلح علي وجه الإطلاق، تحتاج لعمل فرز حقيقي ليدخل فيها من يستحقون الدخول فعليا، بجانب مشاكل ممارسة المهنة فالنائب العام يرسل لنا 80 قضية نظرنا منها 18 قضية ومن المفترض أن كل النقابات المحترمة تعين 2 من مجلس النقابة و2 من الصحفيين الواثقين في ضميرهم الصحفي للتمثيل في هذه المشاكل. ما رأيك في الفروق الرهيبة في أجور الصحفيين وعلاقتها «بكرامة الصحفي» والمهنة؟ - هي بالطبع فروق ليست عادلة، فبعض الصحفيين أجورهم خرافية مقارنة بغيرهم وممكن أن أطلق عليهم «صحفيين أباطرة» وهذه الفروق تأتي من الخلط بين الإعلانات والتحرير وهو ما يحدث للأسف الشديد في أكبر الصحف المصرية وتحول بعض الصحف إلي «قومسينجي» وهي أشياء لا تمت للمهنة بأي صلة، بجانب العمل في الوزارات وهي أحد المصادر السيئة. ما موقف نقابة الصحفيين من حكم المحكمة الدستورية والقانون رقم 100 لسنة 93؟ - هو قانون فاشل وعندما اتبعته الحكومة بدعوي إنقاذ النقابات المهنية الكبيرة لقلة حضور الجمعية العمومية وخشية أن تصبح مصالح النقابة في يد قلة، هذا الأمر لا يقع لدينا في نقابة الصحفيين لأننا أقل عددا وأكثر ترابطا ونعتبر يوم الجمعية العمومية «عيدا» ونسبة الحضور تتعدي ال 80% ونجتمع جميعا وتدار الانتخابات علي أحسن حال وهو قانون صيغ من أجل نقابات مثل المحامين، وهو عطلنا فقط في بند إعلان النتائج في محكمة استئناف القاهرة وهو ما تقوم به بعد الإعلان غير الرسمي للنتيجة داخل النقابة، ولهذا هذا القانون لا يعنينا في شيء لأنه فاشل ولم يحقق أهدافه المطلوبة. ما دور الصحفي من وجهة نظرك النقل للأحداث أم احتمال مراعاة اعتبارات أخري أثناء هذا النقل.. وكيف تحقق هذه المعادلة؟ - عندما ندرك بالفعل أن هذا الخبر يمكن أن يثير فتنة علينا معالجته قبل النشر وأنا لست من أنصار حبس الخبر الصحفي، ولكن لا أضخم بعض الأخبار «إيه يعني واحدة مسيحية أسلمت أو العكس؟» ما الذي سيزيد الإسلام إذا دخلت وفاء أو كاميليا؟ هي علاقة بين العبد وربه. لن يدخلوا ترددت آراء حول ضرورة وجود نقابة للإعلاميين وانتقدت نقابة الصحفيين لرفضها انضمامهم إليها.. ما رأيك؟ - يعملوا نقابة خاصة بهم ماداموا يعملون مع الحكومة ولن يدخلوا نقابة الصحفيين وإلا سيحدث ما حدث مع نقابة المحامين عندما قبلت محامي القطاع العام، قد يكون لدينا بعض المشكلات الصغيرة مع من يعملون في برامج «التوك شو» التي تنافس الصحافة اليوم لكنني لن أفتح الباب لكل العاملين لأنها لن تصبح نقابة صحفيين. نصيحة من نقيب الصحفيين لصحفيين صغار داخل بلاط صاحبة الجلالة؟ - الشجاعة ليست رفع الصوت وإنما الفهم الجيد للأمور ودراسة الموضوع، هذه المهنة في حالة سباق مستمر لا يمكن الوقوف عند حد معين يجب أن تطور نفسك ومهمتك ليست أن تكون فيلسوفا، ولا يجب أن تحبس نفسك في إطار عقائدي بل فتح ذهنك للواقع والتعلم من التجارب الحية.