الجهاديون والتكفيريون توسعوا فى مفهوم القتال على حساب الجهاد، وسحبوا آيات القتال على آيات الجهاد، فالجهاد معناه الاجتهاد وبذل الجهد، والقتال معناه دفع الناس بعضهم ببعض، ثلاثون سورة مكية من «يونس» إلى «السجدة» تدعو للجد والاجتهاد بعد ابتلاء الله للإنسان، هذا الابتلاء حين حمل الإنسان مهمة إعمار الأرض «إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا».. الاجتهاد فى مجاهدة النفس على الخير والحق حتى تستقر الأرض وتتزين بالعدل والمحبة وهذا هدف وغاية الأديان، والجهاد بالنفس والأموال هو أسمى آيات الجهاد لرفعة شأن الأمة وتطورها «إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم فى سبيل الله أولئك هم الصادقون»، وكذلك دعانا الله إلى الجهاد بالقرآن «وجاهدهم به جهادا كبيرا»؛ فهو جهاد الحق والعدل والخير والرحمة «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن»، «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة». وآيات القتال جاءت واضحة وصريحة فى المدينة حين كتب وأذن للمسلمين بالقتال «كتب عليكم القتال وهو كره لكم»، إذا ما أخرج المسلمون من ديارهم «أذن للذين يقاتَلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير»، فحق المسلم فى القتال إذا ما أخرج من دياره بغير حق لدفع الأذى والضرر. وشروط القتال كما جاء فى القرآن والسنة: الشهر الحرام بالشهر الحرام- والحرمات قصاص- فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله- وإن جنحوا للسلم فاجنح لها- الحر بالحر والعبد بالعبدوالأنثى بالأنثى- عدم استخدام وسائل أسوأ مما يستخدمه المعتدى- ولا يجوز قتل امرأه أو شيخ أو حرق مسجد أو أديرة أو كنائس أو صوامع يذكر فيها اسم الله والالتزام بالآية «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين». أما سحب بعض آيات القتال من سياقها واعتبارها عنوانا مستقلا فهذا خطأ كالآية «واقتلوهم حيث ثقفتموهم»، والآية «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة»، فلو اختزلنا الآيات بمفردها وجب أن نقتل كل مشرك فى طريقنا بعد تحديد المشرك أو الكافر، لكنها نزلت فى حادثة معينة وجب على المسلم محاربة العدو حين الاعتداء عليه ورد الاعتداء بقسوة حتى لا يتجرأ عليه عدو آخر وإنهاء الحرب فى مصلحته سريعا، خذ الآية من أولها «وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين* واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين* فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم* وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين* الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين».. هذه الآية دون اختزال وضعت أسس وقواعد وأسباب القتال. أضف إلى ذلك أن لغير المسلم الحق فى رد العدوان حتى لو كان المعتدى عليه مسلما، اقرأ الآية «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعضٍ لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز» ودفع الناس بعضهم ببعض هو القتال وصد العدوان عن كل دين حتى يظل ذكر الله فى بيوته ومساجده وكنائسه وأديرته. «ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فى ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون»، ووفقا لهذه الآية ليس هناك مجال للتنافس بين الأديان سوى التسابق فى الخيرات وليس سباق القتال والحرب والتدمير.