مخطئون من يتقولون على عمر بن الخطاب أنه كان فظاً قاسياً غليظ القلب.. فليس أدل من خطئهم فى ادعائهم ورقة قلبه ورهافة حسه عن حادثة إسلامه وحديثه مع أخته فاطمة مشهور ومتواتر فى أوثق الروايات، فإنه ضربها حين علم بإسلامها فأدمى وجهها فأدركتها الثورة الخطابية التى فيها منها بعض ما فيه وقالت وهى غضبى: أتضربنى يا عدو الله على أن أوحد الله؟ فقال غير متريث: نعم.. فقالت: ما كنت فعلاً فأفعل.. أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، لقد أسلمنا على رغم أنفك. ويذكر رواة القصة التى اتفقت عليها روايات كثيرة أنه لما رأى الدماء تنزف من أنفها من آثار ضربه، ندم وخلى عن زوجها -بعد أن كان صرعه وقعد على صدره- ثم انتحى ناحية من المنزل وطلب الصحيفة التى كتبت فيها آيات القرآن.. فمست آيات الله قلبه الرقيق فخرج من حينه إلى حيث لقى النبى «صلى الله عليه وسلم» فأعلن شهادة الإسلام على يديه.. وهذا دليل جازم على رقة قلبه ورهافة حسه الفطرية. وقصته مع الصبية الجماع وأمهم مشهورة، وأولى منها لذيوع تفاصيلها أن نذكر قصة تدل على أن رحمة عمر كانت لا تفرق بين مسلم وذمى «مسيحى أو يهودى» فقد رأى شيخاً يتسول على باب.. فلما علم أنه يهودى قال له ما ألجأك إلى ذلك يا رجل.. فقال الشيخ «هى الجزية والحاجة والسن» فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منزله وأعطاه ما يكفيه من مال وطعام، ثم أرسل إلى خازن بيت المال «وزير المالية» يقول: انظر هذا الشيخ وأمثاله، فوالله ما نصفناه إن أكلنا شبيبته «شبابه» ثم نخذله عند الهرم. إنما الصدقات للفقراء والمساكين والفقراء هم المسلمون، وهذا وأمثاله من المساكين من أهل الكتاب.. ووضع عنه الجزية هو وأمثاله بل وفرض لهم رواتب.. فهنا علمته الرحمة كيف يطيع الدين ولن يطيع الدين هكذا إلا رحيم. وقد فرض عمر لكل مولود لقيط مائة درهم من بيت المال كما فرض لكل مولود من زوجين «فساوى بين اللقيط والابن الشرعى فى الراتب» وهى رحمة كما يقول العقاد فى «عبقرية عمر» قد يحجبها النفور من الزنا وثمراته فى نفوس أناس ينفرون ولا يرحمون. بل كان يرحم كل مخلوق حى حتى البهائم التى لا تقدر على الشكوى، فروى المسبب بن دارم أنه رآه يضرب رجلاً ويلاحقه لأنه يحمل جمله ما لا يطيق. بل وكان يدخل يده فى دبر البعير المصاب بتقرحات فى دبره ليداويه وهو يقول: إنى لخائف أن أسأل عما بك.. ومن كلامه فى هذا المعنى: لو مات جدى «ماعز» بشاطئ الفرات لخشيت أن يحاسب به الله عمر.. وإلى الأسبوع المقبل بمشيئة الله سبحانه وتعالى