قُبَل مجففة على المنديل من دار بعيدة ونوافذ فى الريح تكتشف المدينة فى قصيدة كان الحديث سدى عن الماضى وكسَّرنى الرحيل وتقاذفتنى زرقة البحر البعيد وخضرة الأرض البعيدة أماه وانتحرت بلا سبب عصافير الجليل @@@ هكذا يستهل محمود درويش رائعته «أغنية للريح الشمالية». ومحمود درويش فى رأيى هو متنبى هذا الزمان، مع كل الحب والاحترام لسائر شعراء العربية، المعاصرين ابتداءً ببدر شاكر السياب فى العراق وانتهاءً بأحمد عبدالمعطى حجازى فى مصر المحروسة. وفى نهاية الستينات من القرن الماضى أشرقت على مصر المحروسة شمس الإبداع الشعرى الفلسطينى، وبدأنا نتعرف على فدوى طوقان الشاعرة الفلسطينية الكبيرة، وهى تستصرخ فى الرجال العرب عسى أن ينهضوا لتحرير فلسطين العربية التى اغتصبها الصهاينة فى الخامس عشر من مايو سنة 1948. كانت القصيدة تصرخ فينا: يا قوم إلامَ وحتّامَ وقد استهلت فدوى طوقان قصيدتها الموجعة بصوت هند بنت عتبة قائلة لرجال قريش: إن تقبلوا نعانق ونفرش النمارق أو تدبروا نفارق فراق غير وامق بينما قال الشارع الفلسطينى الكبير الراحل توفيق زياد: أناديكم أناديكم أشد على أياديكم أبوس الأرض تحت نعالكم وأقول أفديكم فمأساتى التى أحيا نصيبى من مآسيكم واشتهرت لمحمود درويش قصيدة «سجل.. أنا عربى» أما سميح القاسم وهو صديق ورفيق درب محمود درويش فقد حفظنا له قصيدة عتاب أرسلها لصديقه محمود درويش، حينما خرج من فلسطين صوب مصر المحروسة ويقول مطلع القصيدة: تحياتى وأشواقى ولعنة بيتك الباقى @@@ كنا فى هذه الأثناء -الشيخ إمام وأنا- فى معتقل القناطر الخيرية وحين وصلتنا النصوص الفلسطينية قرأتها جميعاً على مسامع الشيخ إمام فاستمتع بها أيما استمتاع وأنا أثق فى ذوق الشيخ إمام بقدر ثقتى فى شرفه الوطنى وموهبته الفذة التى سخرها كقربان قدمه لمصر المحروسة فأثرى المكتبة العربية الموسيقية التى تكتظ بإبداع محمد عثمان وداود حسنى وسيد درويش والقصبجى والسنباطى وزكريا أحمد وعبدالوهاب ومحمد فوزى وامتداده الرائع بليغ حمدى.