تنشيطًا للسياحة.. إقامة حفل زفاف كازاخستاني في منتجع بشرم الشيخ    الكنيسة تمنع السلام والقبلات من غد حتى عيد القيامة.. ما السر؟    ختام تعاملات البورصة بتراجع رأس المال السوقي    وزير التجارة والصناعة: الحكومة بذلت جهودا كبيرة لتحسين مناخ الاستثمار    الشوري القطري والبرلمان البريطاني يبحثان علاقات التعاون البرلماني    «طواقم الإنقاذ والإسعاف في غزة»: 10 آلاف مفقود غير مدرجين بإحصائية الشهداء منذ بدء العدوان    طيران الاحتلال يشن غارات كثيفة تستهدف مخيم النصيرات وسط غزة    موعد مباراة الاتحاد السكندري والزمالك في قبل نهائي كأس مصر للسلة    دوري أبطال أوروبا.. تاريخ المواجهات بين بايرن ميونيخ وريال مدريد    ضبط طن دقيق بلدي مدعم قبل بيعه في السوق السوداء بالإسماعيلية    أفضل عبارات التهنئة لعيد شم النسيم 2024: اختر التعبير المثالي لتشارك الفرحة مع أحبائك    أبوظبي تطلق مركز «التعاون العربي الصيني» لتعزيز النشر والتوزيع    تمهيدًا لدخول غزة.. وصول القافلة السَّابعة ل«بيت الزكاة» إلى معبر رفح    مصر وبيلاروسيا توقعان مذكرة تفاهم لتعزيز مشاركة المستثمرين في سوق الأوراق المالية    الرئيس السيسي يستقبل أمير الكويت اليوم    وزير الإسكان يزور مصنع شركة «Hydroo» الإسبانية لبحث موقف التصنيع    تجارة القناة تكرم الطلاب المتفوقين من ذوي الهمم (صور)    وزير الأوقاف يعلن إطلاق مسابقة للواعظات للعمل بإذاعة القرآن الكريم خلال أيام    كيف تجني أرباحًا من البيع على المكشوف في البورصة؟    «التنمية الشاملة» ينظم احتفالية لحصاد حقول القمح المنزرعة بالأساليب الحديثة بالأقصر (تفاصيل)    فالفيردي: علينا استغلال حظ البطل.. وإيقاف موسيالا لن يكون سهلا    "دمرها ومش عاجبه".. حسين لبيب يوجه رسالة نارية لمجلس مرتضى منصور    المقاولون: حال الكرة المصرية يزداد سوءا.. وسنتعرض للظلم أكثر في الدوري    لبيب: نحاول إصلاح ما أفسده الزمن في الزمالك.. وجوميز أعاد مدرسة الفن والهندسة    محافظ بنى سويف: توطين الصناعة المحلية يقلل الفجوة الاستيرادية    سرعة جنونية.. شاهد في قضية تسنيم بسطاوي يدين المتهم| تفاصيل    «الداخلية»: تحرير 495 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة وسحب 1433 رخصة خلال 24 ساعة    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    خطوات ل فحص السيارة المستعملة قبل شراءها ؟    وزير التنمية المحلية يُهنئ الرئيس السيسي بمناسبة الاحتفال بعيد العمال    تكريم الفائزين بجائزة زايد العالمية للكتاب.. اليوم    الليلة.. حفل ختام الدورة العاشرة ل مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    مستشار زاهي حواس يكشف سبب عدم وجود أنبياء الله في الآثار المصرية حتى الآن (تفاصيل)    طرح البوستر الدعائي ل فيلم "عنب" والعرض في صيف 2024    رئيس مجلس النواب يهنئ الرئيس السيسي بعيد العمال    لحظة إشهار الناشط الأمريكي تايغ بيري إسلامه في مظاهرة لدعم غزة    الصحة: الانتهاء من مراجعة المناهج الخاصة بمدارس التمريض بعد تطويرها    كيف علقت "الصحة" على اعتراف "أسترازينيكا" بوجود أضرار مميتة للقاحها؟    عشان تعدي شم النسيم من غير تسمم.. كيف تفرق بين الأسماك الفاسدة والصالحة؟    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    الدفاع المدني في غزة: 10 آلاف مفقود تحت أنقاض البنايات منذ العدوان    إصابة 4 أشخاص بعملية طعن في لندن    المهندسين تبحث في الإسكندرية عن توافق جماعي على لائحة جديدة لمزاولة المهنة    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    طلاب النقل الثانوى الأزهرى يؤدون امتحانات التفسير والفلسفة والأحياء اليوم    اليوم.. آخر موعد لتلقي طلبات الاشتراك في مشروع العلاج بنقابة المحامين    الأرصاد تكشف موعد ارتفاع درجات الحرارة (فيديو)    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    زلزال بقوة 4.7 درجة يضرب شرق تايوان    اليوم.. محاكمة 7 متهمين باستعراض القوة والعنف بمنشأة القناطر    مساعد وزير الصحة: قطعنا شوطًا كبيرًا في تنفيذ آليات مواجهة تحديات الشراكة مع القطاع الخاص    واشنطن: وحدات عسكرية إسرائيلية انتهكت حقوق الإنسان قبل 7 أكتوبر    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    سوهاج.. الدير الأحمر والحديقة المتحفية والمراكب النيلية تستقبل المواطنين فى عيد الربيع    إيهاب جلال يعلن قائمة الإسماعيلي لمواجهة الأهلي    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    حفل زفاف على الطريقة الفرعونية.. كليوباترا تتزوج فى إيطاليا "فيديو"    خطوة جديدة من الزمالك في أزمة فرجانى ساسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السياب مترجما
نشر في الأهرام اليومي يوم 17 - 06 - 2012

والسياب هو الشاعر العراقي بدر شاكر السياب أكثر الشعراء العراقيين الرواد‏-‏ في حركة الشعر الجديد‏-‏ شهرة وأهمية ودورانا في الذاكرة المعاصرة‏.‏ وقد استمد هذه القيمة- التي أفصح عنها كثير من النقاد والدارسين وألوف من قرائه وعارفي قدره- من قامته الشعرية الباسقة بين نظرائه ومجايليه, وإنجازه الشعري الضخم عبر سنوات حياته القصيرة التي توقفت في الرابع والعشرين من ديسمبر عام 1964 عن ثمانية وثلاثين عاما, تعرض في خواتيمها لأهوال مرض عضال, أصابه بالشلل التام, حتي لم يكن فيه حيا وصحيحا سوي رأسه, كما عبر هو لأصدقائه في يوم استقباله عائدا إلي الكويت بعد طول تنقل بين مستشفيات إنجلترا ولبنان, ليعالج في المستشفي الأميري بالكويت, حيث وافته المنية بعد شهور قاسية من العذاب, والمقاومة الأيوبية الصابرة, والإصرار علي الإبداع الشعري الذي كان ينجزه في ذاكرته وهو وحده في ليل غرفة المستشفي, ليمليه علي أول زائريه في الصباح.
وتميزت قصيدة السياب- بين كل قصائد الرواد في حركة الشعر الجديد- بعروبة السمت وارتباطها الحميم بجماليات القصيدة العربية عبر تاريخها الطويل, واستدعائها لموروث ضخم من الحكايات والأساطير والموروثات الشعبية العراقية والعربية والعالمية, كما تميزت بانفتاحها علي أبدع ما توقفت عنده ذائقة السياب في اختياراته من النصوص الشعرية لشعراء العالم الكبار, واتصالها- بسبب وثيق- بشعر الأعلام في ديوان الشعر العربي بدءا بأبي تمام الذي كان يذكره دائما ويستشهد بروائع من شعره, والجواهري شاعر العراق الأكبر- في العصر الحديث- وشوقي وعلي محمود طه ومحمود حسن إسماعيل وإبراهيم ناجي من مصر.
وكنا- نحن ثلة أصدقائه القليلة العدد- نلتف من حوله مساء كل يوم في غرفته بالمستشفي, ونستمع إليه متدفقا بالحكايات والذكريات والتنقل من أفق إلي أفق ومن شاعر إلي آخر, وكثيرا ما كانت تتردد في أحاديثه وإفضاءاته أسماء إليوت ولوركا ورامبو وإديث ستويل وناظم حكمت وطاغور وآخرين. وحين ينتقل إلي ديوان الشعر العربي فإن مدخله الدائم هو أبو تمام, ثم يجيء من بعده المتنبي وابن الرومي والبحتري.
أما مناسبة هذا الكلام عن السياب فهو صدور الكتاب البديع الذي أنجزه الشاعر حسن توفيق بعنوان: بدر شاكر السياب: أصوات الشاعر المترجم, جامعا فيه مختارات من ترجماته لأشعار ستة عشر شاعرا أجنبيا وبعضا من أشهر قصائده في كل دواوينه. وقد قدم حسن توفيق لكتابه- الذي صدر ضمن مطبوعات مجلة الدوحة- بدراسة ضافية نابضة بحبه للسياب, وتقديره لشعره وشاعريته, ناطقة بحجم الجهد التوثيقي والبحث الذي بذله في جمع هذه القصائد من مصادرها المختلفة, التي جعلتها حياة السياب المضطربة والمتقلبة والعاصفة سياسيا, مصادر غير متاحة إلا لمن يملك الصبر والدأب وحس المقارنة وذكاء المراجعة والملاحظة. وهي صفات يمتلكها حسن توفيق الذي جعلنا من خلال هذا الكتاب نتعرف علي أحد الوجوه الأصيلة في السياب وهو وجه الشاعر المترجم, سواء كان ما يترجمه من شعر عن لغته الأصلية- الإنجليزية- أو مترجما إلي الإنجليزية من لغة غيرها, فجهد الترجمة في الحالين جهد كبير ومرهق. وقد استطاع حسن توفيق بعد استعراضه للقصائد المترجمة أن يضع يده علي مناطق التأثر أو التماس لدي السياب, في بعض قصائده, التي ترجع إلي اتصاله الحميم بعوالم هؤلاء الشعراء الأجانب وطبيعة قصائدهم المختارة, بالإضافة إلي بعض المصادر لعناصر عالمه الشعري من ملاحم وأساطير وحكايا وعقائد وموروث جاء ذكرها في أشعارهم.
في ترجمته البديعة لقصيدة الوطن من شعر الشاعرة البلجيكية إميلي كامير يقول السياب:
إنه صوت بذاته: صوت جرس في برج بعيد, وهو ضوء الشمس علي الغبراء بين الشجر, أو غب ديمة من المطر, وهو سقف بذاته, تحت سماء بالذات, وأريج ممشي في شاعر بالذات, وحدور تجثو لديه مزرعة, وإحساسك بالعشب تحت الأقدام, وأريج ممشي في شارع بالذات, ونظرة خاطفة, واهتزاز يد بيضاء: شيء من الماضي, يعيا علي الفهم من سرعته, هو ما تحس به وتعجز أن تقول, حتي إذا غنيت, وخير ما يقال فيه: إنه كل هذه الأشياء, هو ما تذوق وما تراه, هو ما تتنفس وتسمع, التبغ والجبنة والرغيف, وأوراق شجر زاهية, وزفيف ريح, والمشاهد المألوفة والأصوات, ومائدة في لقاء: هو ما تحس وتعجز أن تقول, حتي إذا غنيت, وخير ما يقال فيه إنه كل هذه الأشياء. هو غبطة البدن ونعماه وخفق القلب للأطفال, تحملهم علي الصدور, وهو رائحة الطريق, وهو طعم الأغنية, هو الحلم, وتباريح الثواء.
ونتأمل نحن كيف من نسيج كل هذه المفردات, ينهض ويتجسد وطن عزيز وغال ونفيس, دون زعيق أو خطابة!
وحين يصوغ ما يترجمه شعرا, كما فعل في قصيدة مفتاح الجريمة للشاعر الفرنسي جاك بريفير فإن الوهج الشعري في النص الأصيل لا يبتعد عنه, وهو يقول:
هو لا يفكر, وهو يحلم/ وهو يرسم في الخيال/ رأسا سواه, كأن يكون/ رأسا لعجل بالتوابل رش/ رأسا يغتذيه: ويدير في بطء رتيب/ فكيه في بطء وراح يصر بالأسنان/ فالكون الرحيب أداره رأسا علي عقب/ وأوصد حيث راح/ سبل الخلاص عليه/ فهو إذن يعد علي يديه/ من واحد حتي ثلاثة....
ولا يحرمنا الكتاب أيضا فرصة المقارنة بين ترجمة السياب لرائعة ناظم حكمت رسالة إلي تارانتا بابو وترجمة الدكتور علي سعد- الكاتب والناقد اللبناني- لها وهي الترجمة التي صدرت في الخمسينيات, ولا حرارة الدمع ونحن نطالع آخر قصائد السياب ليلة وداع التي اختتم بها رحلته الشعرية قائلا:أوصدي الباب فدنيا لست فيها, ليس تستأهل من عيني نظرة, سوف تمضين وأبقي أي حسرة, أتمني لك ألا تعرفيها!.
وصولا إلي قوله: أوصدي الباب, غدا تطويك عني طائرة, غير حب سوف يبقي في دمانا.
وطويلا طويلا, سيبقي بيننا شعر السياب وصوته, وسموق قامته, لا يملك أن يطويها الزمن!.
المزيد من مقالات فاروق شوشة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.