محمد ابراهيم ابوسنة أحد الشعراء الكبار الذين يعشقون شعر التفعيلة.. وصاحب عدد كبير من القصائد المترجمة لأكثر من18 لغة.. يري أن الترجمة تفتح المجال أمام الشراء وتعدهم للجوائز. ترجم له كتاب رقصات نيلية الذي يحمل عددا من القصائد المختارة بعناية من دواوينه إلي اللغة الفرنسية حيث وجد به ضالته في الترجمة التقيناه فكان الحوار التالي: في البداية اريد أن اعرف سر رضاك عن ترجمة رقصات نيلية رغم أن شعرك ترجم لأكثر من18 لغة من قبل ولم تكن راضيا عنها. السر هو الطريقة التي ترجم بها هذه المرة.. فقد اتيح له هذه المرة مترجما متمكنا وعلي دراية عميقة من اللغتين العربية والفرنسية, وهو يعد أفضل الكتب المترجمة لي علي الاطلاق. كيف تم اختيارك للقصائد؟ قمت باختيار47 قصيدة من دواويني المختلفة وقد راعيت أن تكون ممثلة أولا.. للمراحل الشعرية المختلفة التي مررت بها ومعبرة عن الواقع الشعري الراهن حتي نقدم نمازج للقارئ الأجنبي.. وقد قام بترجمتها عبدالمجيد القلمامي وهو فرنسي من أصول تونسية. لما اخترت رقصات نيلية عنوانا لكتابك؟ الاسم له وقع خاص علي أذن القارئ والمستقبل ورقصات نيلية هو عنوان ديواني التاسع.. واظن أن له دلالة ووقعا خاصا علي أذن المتلقي وايضا له دلالة علي توجه القصائد وجنسيتها حتي يعرفوا أن هذه القصائد قادمة من نهر النيل أو مصر علي وجه التحديد. هل تحتاج ترجمة الشعر إلي شاعر؟ ترجمة الشعر من أصعب الترجمات لأن لغته لغة خاصة ومجازية تعتمد علي الاستعارة والكناية والإيقاع وهذه اللغة تحتاج إلي خبرة عالية وعميقة لأنها إعادة إبداع القصيدة في لغة اخري وأعتقد أن أفضل المترجمين للشعر هم الشعراء. وهل نفس الشيء مطلوب عند ترجمة قصيدة النثر؟ ترجمة قصائد النثر اسهل لأنها تنقل المعاني من لغة إلي لغة أخري.. أما ترجمة الشعر فهي اصعب لأنه نقل للخيال وحساسية اختيار الألفاظ كما أن الشاعر في قصيدته يمارس اقصي درجة من الحساسية والرهافة في اختيار الكلمة المعبرة عن الاحساس والرؤية التي بني عليها القصيدة. وهل الترجمة هي الطريق الوحيد للتواصل الثقافي بين الدول؟ هناك طرق كثيرة أخري منها الزيارات والمشاركات في إنتاج الأعمال الابداعية والفنية والجوائز والورش الفنية والأدبية المختلفة والزيارات واللقاءات. هل انت مع أم ضد ترجمة الأدب العبري.. ولو من باب اعرف عدوك؟ هم يترجمون الأدب والفكر والثقافة العربية وكلما نقلوا عنا ازدادوا معرفة بنا وسهل عليهم ذلك اختراقنا.. نحن في حاجة الي معرفة عدونا بطريقة عميقة وبظني هذا الفزع من نقل الثقافة العبرية هو دليل الاحساس بالنقص والخوف.. وهو انكماش امام الأعداء لا يليق بنا علي الإطلاق. في اقل من الشهر ونصف لاقت قصيدة النثر ثلاثة ملتقيات.. كيف تفسر هذا الحراك والانقسام بذات الوقت بين كتاب قصيدة النثر؟ أرحب بأي نشاط يعمل لخدمة الحركة الشعرية.. فهي بكل فروعها واتجاهاتها تعد حركة واحدة بعيدا عن التشنجات والمهاترات والتوترات.. اعتقد أن الإخلاص لقضية الشعر سيؤدي في النهاية إلي بروز حقائق جديدة من اهمها التركيز علي تطور القصيدة الشعرية بطريقة سليمة, وبرأيي هذه المؤتمرات تعد اختبارات لهذا النموذج الشعري.. وهم لم ينجحوا في هذه الاختبارات لأن ما قرأته عن هذه الملتقيات يدل علي الاستقبال الفاتر من جانب الجمهور. سبق وقلت..من يكتبون قصيدة النثر هم الذين اقعدتهم العزيمة الإبداعية فقادوا موجة من الغموض والفوضي العارمة اريد تفسيرا لذلك؟ أنا متمسك برأيي ولكنني لا اقف ضد أي تجديد وبنفس الوقت اقف ضد أي ارهاب للطرف الآخر,.. وإيماني بقصيدة التفعيلة لأنها تعتمد علي عصب الشعر العربي وهو الإيقاع.. واعتقد الموسيقي شديدة الأهمية للانفعال بالقصيدة وأن القصائد الباردة التي تأتي من الذهن والتكلف في كتابتها لا تهزني علي الإطلاق.. كبار شعراء التجديد والحداثة في أوروبا يقولون ان الشعر هو الموسيقي. البعض يري أن النخبة المثقفة تحمل جزءا مما وصلنا إليه الآن.. وما رأيك؟ هذا صحيح ويعود السبب إلي الفرقة بين الأجيال المختلفة كما أن الحياة الثقافية مليئة بالتحالفات والتجمعات.. وأنا اتهم بعض المثقفين بعدم الاخلاص للرسالة الثقافية والأدبية.. فهم يعملون لصالحهم الخاص وكأنهم اصبحوا من رجال الأعمال الذين ينتقدونهم, فقد تحول العمل الثقافي بفضلهم إلي اعمال تجارية تجلب لهم الشهرةوالأموال والنفوذ. قلت عندما أنظر لمكتبتي أحزن كثيرا لقلة إنتاجي الأبداعي بجوار طموحاتي.. ماالذي لم تحققه؟ لقد اجتهدت طوال الخمسين عاما الماضية واعتقد أنه في ظل الظروف التي مرت بي ومررت بها اعتبر نفسي غير مقصر بل الزمن هو الذي قصر معي.. والحسرة تأتي لأنني كنت اطمح في كتابة المزيد من المسرحيات الشعرية ولكن الأيام والأعمال التهمت جهدي وطاقتي.. ومازالت هذه الحسرة تلازمني.. تنتمي لجيل الستينيات وهذا الجيل تلي جيل الرواد.. هل كان لهذا أثر سلبي عليكم كشعراء؟ دفعنا هذا إلي مزيد من الاجتهاد واظهار المزيد من العزم ومحاولة التفرد بعد أن حصلوا علي المساحة المتاحة ولمعت اسماؤهم بسرعة وفرضوا صوتهم علي الساحة الأدبية أما نحن فنبدع ولانجني سوي الصمت.. ننظر لهذا الجيل باعتباره جيل الريادة والذي بفضله ثبتت اركان حركة الشعر الحديثة.. ولكن انحياز النقاد بشكل كامل إلي أسماء قليلة وتجاهنا ادي إلي اعتماد شعراء الستينيات علي انفسهم لابراز مواهبهم ومحاولة التغلب علي سطوة الأسماء السابقة واعتقد أن كل ابداعتنا سوف تحال إلي مكتبة التاريخ اذا كان هناك حراس للمسيرة الأدبية.