في رأي الشاعر البولندي الحاصل على جائزة نوبل في الآداب تشيسواف ميووش فإن الشعر يكتب فقط باللغة الأم للشاعر وليس باللغة التي اكتسبها حتى لو صار متمكنا منها. وميووش الذي يعد أشهر من ترجم الشعر البولندي إلى الانجليزية يستشهد بنفسه إذ يقول في مقدمة مختارات لأشعاره ترجمت إلى العربية أن " الشعر يمكن كتابته فقط بلغة الشاعر التي تعلمها في طفولته" ولهذا لم يضطر لكتابة شعره باللغة الانجليزية. وتقع المختارات في مجلد أنيق يضم 335 صفحة كبيرة القطع عنوانه ( تشيسواف ميووش.. أشعار مختارة من دواوينه) وصدرت في القاهرة عن (الدار المصرية اللبنانية) ومشروع (كلمة) الإماراتي. وترجمها عن البولندية مباشرة الأستاذ بأكاديمية الفنون المخرج المسرحي المصري هناء عبد الفتاح ودوروتا متولي "وهما مترجمان معروفان بقربهما الشديد من هذه اللغة كما تمرسا باللغة الشعرية الرمزية الصعبة لميووش وهي لغة غير مألوفة للقارئ العربي" كما قال الناشر. وقال المترجمان إن ميووش (1911-2004) "يعطينا درسا بليغا في الحفاظ على لغة الوطن الأم مهما عاش الشاعر في بلاد غريبة فهو برغم إقامته الطويلة في أمريكا وترجمته لأغلب الشعر البولندي إلى اللغة الانجليزية فإنه رفض أن يكتب قصائده ورواياته وهو في أمريكا إلا باللغة البولندية حيث يرى أن الشعر يمكن كتابته فقط بلغة الشاعر التي تعلمها في طفولته ولهذا لم يغير لغته في الكتابة أبدا". وميووش الذي نال جائزة نوبل عام 1980 يسجل في مقدمة المختارات التي راجع صياغتها الشاعر المصري فاروق شوشة أنه ترجم قصائد غيره من الشعراء البولنديين إلى الانجليزية لكنه ترك لغيره مهمة ترجمة قصائده إلى الانجليزية ويعتقد أنه بفضل هذه الترجمة لأشعاره حصل على جوائز منها جائزة نوبل. ويضيف في المقدمة التي حملت عنوان (ما بعد الكلمات) أنه "بفضل وجود هذه الترجمات قابلتني واحدة من أغرب ما قابلته في حياتي من مغامرات ألا وهي السفر إلى مختلف الأماكن في الولاياتالمتحدةالأمريكية كي أقرأ أشعاري لهم بالانجليزية. هذا التقليد (قراءة الشاعر لشعره أمام العامة) قد لعب دورا كبيرا في تأثيره وانتشاره خاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تم تنظيم معظم هذه القراءات في أماكن الإقامة الجامعية وكذلك في صالات المعاهد الفنية والمؤسسات والمتاحف فانجذبت إليها جماهير انتقائية متعطشة لسماع الشعر". وكتب المترجمان مقدمة عن الشاعر والسياق الاجتماعي والسياسي والثقافي الذي عاش فيه إذ أصدر عام 1933 ديوانه الشعري الأول تحت عنوان (قصائد شعرية عن الزمن الساكن) وفي عام 1936 أصدر ديوانه "المهم" بعنوان ( ثلاثة شتاءات) كما كتاب الرواية أيضا ونال جائزة أدبية في بولندا عن روايته (الحساب) ثم تحرك في سبتمبر 1939 نحو جبهة القتال باعتباره مراسلا للإذاعة البولندية. وأضافا أن القوات السوڤيتية عندما اخترقت حدود بولندا "واحتلت أراضيها من الشرق بعد 17 يوما فقط من اختراق الجيش النازي الهتلري الألماني لأراضي بولندا من الغرب" اضطر ميووش إلى الهروب إلى رومانيا وبقي فيها حتى عاد في يناير 1940 إلى موطنه في شرق بولندا ثم هرب سرا إلى العاصمة وارسو ليشارك "بقوة وفاعلية" مع (الحركة الأدبية البولندية تحت الأرض) بالعاصمة البولندية المحتلة من قبل النازي. وتابعا أن ميووش عمل بين عامي 1945 و1951 موظفا بوزارة الشؤون الخارجية في بولندا ثم ملحقا ثقافيا في السفارة البولندية بنيويورك وعام 1958 أصدر روايتيه (عائلة أوروبا) و (القارات) وحصل بسببهما على جائزة اتحاد الكتاب البولنديين في المهجر ولكن حركة النقد البولندية "كانت قد صمتت عن عمد عن التعريف بميووش وكل ما قامت به هو ذكرها لمكانته بشكل متواضع فكان القراء البولنديون محكوما عليهم في بلادهم بالجهل به". وأثبتا جانبا من تقرير لجنة جائزة نوبل التي نالها عام 1980 إذ قال أعضاء الأكاديمية السويدية للجائزة عن أعماله "إن التاريخ الذي كتب ميووش عنه المرة تلو المرة والذي لم يستطع ذهنه الانصراف عن نصوصه قد ربط كل إبداعاته - بطريقة تدعو للتأمل والتحليل - بالوضع الراهن في بولندا ذلك البلد الذي هجره ولكنه اختار أن يكتب بلغته".