عندما سقطت فلسطين فى أيدى الصهاينة عام 1948، حدثت تغيرات جوهرية فى التركيب الاجتماعى لعرب فلسطينالمحتلة، كما يقرر غسان كنفانى فى كتابه «أدب المقاومة فى فلسطينالمحتلة»، فأكثر من ثلاثة أرباع ال200 ألف عربى الذين بقوا يومذاك فى فلسطين بعد الاحتلال الصهيونى كانوا من سكان القرى، ولا نستطيع أن نقول إن الشعر الفلسطينى كان مواكبا لحركة الشعر الحديث التى نهضت بقوة فى مصر والعراق ولبنان، لكن كان الشعر الشعبى هو المنتشر والسائد، الذى يتم الترويج له، وحتى الشعراء الذين خرجوا عن هذه الأطر الشعبية فى الكتابة، كانوا يستمدون شهرتهم من القاهرة، حيث كانت تصدر مجلة «الرسالة» التى كانت تنشر لكل الشعراء العرب، وهناك رسائل متبادلة بين الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان والناقد المصرى أنور المعداوى، وقد نشر لها ديوانها الأول فى القاهرة «وحدى مع الأيام»، وكان هذا الديوان ثمرة الرسائل التى كانت تصل إلى المعداوى من فدوى على مجلة «الرسالة». ويعتبر الشعر الشعبى فى فلسطين لسان حال الشعب الفلسطينى منذ أوائل القرن العشرين، وتطور بشكل كبير فى أثناء ثورة 1936 الفلسطينية، وهناك قصيدة عن مناضل فلسطينى كان ينتظر تنفيذ قرار الشنق فى الصباح، يقول مطلعها: «يا ليل خلى الأسير يكمل نواحو، راح يفيق الفجر ويرفرف جناحه، تا يتمرجح المشنوق فى هبة رياحه، شمل الحبايب ضاع وتكسروا اقداحه»، وبالطبع بعد ما احتلت عصابات الصهاينة أرض فلسطين، نزح مثقفون ومبدعون فلسطينيون كثيرون، وتبقى بعض البعض الذين أسسوا بالفعل شعرا حماسيا فى ظل أوضاع شديدة التعقيد، والتربص من قبل السلطات الصهيونية، وكانت الإصدارات قليلة جدا فى المرحلة الأولى، ولكن عندما حدثت الثورة المصرية فى عام 1952، تعالت صيحات شعرية فلسطينية قوية، مما دعا السلطات الصهيونية إلى عدم نشر أى إنتاج شعرى فلسطينى، ولكن كانت هناك لقاءات تلقى فيها القصائد الحماسية، وكان لا بد من الانتظار حتى تظهر حركة شعرية قوية جدا، تهز أركان الحياة الشعرية والثقافية العربية، وكان فرسانها محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد، وخرج الشعر من أسوار الأرض المحتلة إلى كل بقاع العالم العربى والإنسانى عموما، هذا الشعر الذى لم يكتف بالهتاف الذى كان يغرق القصائد الحماسية من قبل، ولكنه كان يقدم صيغا فنية عالية جدا، تتقدم بسرعة فائقة فى الأوساط العربية، لتقف جنبا إلى جنب مع الشعراء العرب الكبار، والذى كان يميز هؤلاء الشعراء، أنهم كانوا فى مواجهة يومية مع الاحتلال الصهيونى، وكانوا يقاومون بالقصيدة والمقالة، وكانوا ينشرون نصوصهم على مستويات واسعة فى الصحف اليسارية فى فلسطين، وقدموا تجربة فنية من أهم التجارب على المستوى العربى والإنسانى، وعندما خرج درويش من فلسطين إلى العالم العربى بادئا بالقاهرة، كان قد رسخ اسمه، الذى أسهمت كوكبة كبيرة فى التعريف به، وعلى رأسهم الراحل الكبير غسان كنفانى والناقد رجاء النقاش والكاتب الصحفى أحمد بهاء الدين، ومحمد حسنين هيكل الذى أصدر قرارا بتعيينه فى جريدة «الأهرام»، ولكن درويش آثر أن يغادر القاهرة إلى العالم، ولكن شعره هو ورفاقه ظل باقيا فى قلوب الملايين.