المصريون مشتاقون للدولة لكنهم يريدونها دولة عادلة أخلاقية لا تستبد ولا تفسد، ومن ثم فإن الفريق السيسى والنخبة الحاكمة لديهم مسئولية تاريخية سيصادفها الصواب إن رأت فى المشهد تغييراً، وستنال الخيبة إذا ظنت أن هذه الأنهار تجرى من تحتها، فالمسارات للدولة المحترمة تشدد على إيمان ويقين بالعدالة أولاً حتى وإن صادفت الشعوب لحظات استثنائية فى حرب على إرهاب أو قمع مخربين، لأن الاستثناء هنا ينبغى وضعه فى ظرفه ووقته دونما تمديد يتعلق بهوى فرعونى قديم يعشق الاستثناءات التى تصبح قاعدة، ولهذا ولذاك فإننا بصدد رسائل إلى الرجل الذى أظنه زعيماً لأنه أدرك مطالب شعبه وتفهم دينه السمح وراهن على وطنيته وحضارة شعبه وترجم تطلعات الملايين، والرسائل هنا تحمل أجراس تنبيه مصدرها شارع منتظر صابر حتى تكون مصرنا جديدة عفية فتية وليست مصراً عجوزاً عاجزة مستبدة فاشية: ■ مصر لم تعد بحاجة إلى أوصياء، فالشعب اختار وجهته ومن ثم كان لزاماً أن تتحول أدوار الوصاية إلى مساحات الضامن المؤتمن، ومن هنا كان يجب الفطنة إلى أشياء تحدث، تعطل المسار وتزيد مساحات الفراغ! ■ مساحة الفراق السياسى بين قوى يونيو مرشحة للزيادة لدرجة أنها ستصب فى صالح قوى الإرهاب والظلام وتنظيم «المظلمين» فى ظل عدم وضوح الرؤية وغياب القوى الفاعلة وضبابية المشهد السياسى الذى ينبغى ملؤه بترتيبات سياسية أولها تعديل المسار الحزبى لملء بحر السياسة (تجربة جديدة للتعبير عن الفعل السياسى من خلال أحزاب تمثل يساراً ووسطاً ويميناً مع الحذف والدمج للأحزاب الورقية والأخرى ذات البرامج المتشابهة). ■ الحضور الطاغى فى وسائل الإعلام لأولاد مبارك ورجال نظامه يبعث برسالة سلبية ستنعكس على مسار الثورة وصلاح الأحوال، فظهور شفيق وغيره يمثل إساءة لمسار يونيو ويدفع بدماء جديدة ضد حركة الجماهير. ■ هيبة الدولة التى يشعر بها المصريون حالياً يلزمها إطار واضح والتزام تام بالمسئولية الأخلاقية وقيم العدالة والتكافؤ وحكم القانون. ■ مخاوف البعض من إعادة إنتاج نظام مبارك تُلزم الحكومة والجيش بمواقف وإجراءات واضحة لا لبس فيها لمنع الرماديين والمخنثين من استغلال هذه المخاوف لتقويض نجاحات يونيو وتعطيل خارطة الطريق والذهاب بها إلى دروب المتاهات الثورية مثلما حدث فى يناير. ■ لا تدفعوا بمراهقى زمن مبارك ومحامى العار إلى تصدر المشهد واستخدامهم ضد شرفاء صنعوا موجات التغيير فى يناير ويونيو، ولنضرب مثالاً «حركة تمرد يتهمها أحد شياطين المخلوع مبارك بأنها صناعة أمريكية فى ادعاء لا يخرج سوى من مجنون أو مخبول أو كائن يسكن فى المريخ»! ■ التأخر الاقتصادى يوسع دائرة المتشائمين الذين يتحولون سريعاً إلى دوائر المعارضين الحانقين، ومن ثم العودة إلى ميادين المطالب وساحات الرفض الشعبى. ■ للثورات موجات، والموجات الثورية تتراكم مثل كرات الثلج فإن كانت الأغلبية حالياً مع الجيش والدولة فإن الثبات لم يعد قانونها، فسريعاً ما تهاجر من سكونها فى حركات عفوية غير مرتبة إذا تهددت مصالحها وحياتها ومن ثم تنطلق من قواعد الهبات إلى مصاف الثورات، ولتتعظوا من غباء الإخوان والرهان على صمت الشارع وحزب الكنبة. ■ هناك حراك شعبى لا ينبغى لأحد تجاهله حتى ولو بدا أن الشعب فى ناحية والإرهاب والتأسلم السياسى فى ناحية أخرى، ففى المجتمع صراع طبقات قد تغذيه شبكات المصالح القديمة الجديدة ونجد طبقة حاكمة جديدة تتدثر بالمال والنفوذ فى مقابل ملايين يزدادون فقراً! ■ الحكمة السياسية تقتضى قراءة تاريخين قريبين «الأول: مبارك يقلص دوائر التأييد بالانعزال عن الشعب وتقريب نخب فاسدة وطلاب سلطة فكان خلعه، الثانى: مرسى يفعل نفس الشىء بغباء بل ويزيد بتجنيب شعب بأكمله لصالح عشيرته فكان عزله، الاثنان فعلا نفس الشىء، والفارق أن أحدهما كان غبياً متعجلاً لم يأخذ وقتاً والثانى كان موظفاً رخامياً جليدياً يتحرك ببطء الساعات الرملية ويتصرف بهوى الفراعنة». ■ الثورة القادمة ستكون طبقية لأن السماح بترسيخ معادلة الطبقية فى مصر من جديد سيخلق غضباً اجتماعياً لن تفلح معه قوة الدولة الصلبة أو المؤسسات، فالغضب المكتوم أيقظه الإخوان عندما اقتربوا من الهوية ونمط الحياة، والغضب سيعود إذا أعيد إنتاج نظام مبارك فسيبدو الأمر كمن يُخرج المارد من فانوسه مرة أخرى، ولن يرضى المصريون بتأسيس طبقية جديدة تسحق المعدمين والفقراء والحالمين وردهم سيكون قاسياً!