ما الذى يحدث بين (الدولة) وبين (الإخوان) دعك من التصريحات المتبادلة.. أنا أحدثك عما يحدث فعلياً.. هناك (تفاوض) فى الكواليس.. وهناك (أوراق) لدى كل طرف.. طرف (الدولة) لا يزال الأقوى، و(الإخوان) يراهنوان بقدرتهم على الحشد وهى القدرة التى يبدو أنها تأثرت بقوة بسقوط العديد من القيادات المحرضة، ليصبح الصراع الآن داخل مكتب الإرشاد نفسه بين معسكر محمود عزت وما يمثله من تيار قطبى متشدد يريد تصعيد الأمور والاستفادة والمتاجرة بالدماء، ومواصلة الحرب للضغط على الدولة، مع كثير من المؤامرات التى تحاك من تركيا وقطاع غزة وقطر، ومعسكر آخر داخل الإخوان أنفسهم يقوده د.محمد على بشر، صاحب الشخصية التى تميل إلى التفاوض، وتهدئة الأمور، حفاظاً على أى مستقبل (محتمل) للجماعة، وأملاً فى عدم حظرها مرة أخرى، وهذا المعسكر الأخير هو الذى تفاوضه الدولة فى الكواليس، وهذا المعسكر الأخير هو نفسه الذى جلس من قبل مع أمريكا والاتحاد الأوروبى، وهذا المعسكر هو الذى يراهن على أن بقاء الجماعة أهم بكثير من أى سلطة أو (انتقام). فى المقابل هذه الدولة بكل مؤسساتها تقف فى وجه الإخوان، لكن ليس بالقوة الكافية، بل بكروت تفاوض أخرى تلقيها بين الحين والآخر، وهى تؤكد أن إخوان (زمان) لن يعودوا، وأن (إخوان الزمن القادم) إما أن يلتزموا بقواعد اللعبة، أو يتم إقصاؤهم تماماً، وهناك أوراق ضغط يتم استخدامها فى هذا الصدد مثل حظر الجماعة، أو التهديد بتصنيفها كمنظمة إرهابية. السؤال الآن: لماذا تحرص (الدولة) كل هذا الحرص على وجود (الإخوان) فى المعادلة، وتؤكد بين الحين والآخر أنها لن تتسامح فى الدم (المسئول عنه بعض القيادات التى قُبض عليها ولا يزال بعضها يطارَد)، لكنها تفتح يدها لكل من لم تتورط يده فى الدماء.. وهل هؤلاء الذين لم يتورطوا، تربطهم نفس العقيدة الإخوانية، ولم تسمح لهم الظروف فقط بالتورط فى الدم، أم أن هناك معسكراً حقيقياً داخل الإخوان المسلمين، كان قد مَلَّ من قياداته الكهلة، ومن طريقة إدارة الجماعة، ومن المنصة التى كانوا يكبّرون ويهتفون خلف كل من يعتليها سمعاً وطاعة، وليس عن اقتناع؟ أعرف شباباً من الجماعة حدثونى أكثر من مرة عن أنهم (جايبين آخرهم) من القيادات، وأن أكثر الأمور لم يكونوا موافقين عليها، وأن (أدبيات) و(قواعد) الجماعة هى التى تمنع تياراً إصلاحياً داخل الجماعة من أن يقوم بأى دور رغم وجود كوادر، بحسب زعمهم. لكن (إخوان الزمن القادم) يجب أن يدركوا أنه إذا جاء عليهم زمن قادم، وهم فى نفس التنظيم سواء كان محظوراً، أو معلناً، وسواء ظل داخل كيان سياسى اسمه حزب الحرية والعدالة، أو تفرّق دمه بين الأحزاب، أو بقى متشظياً فى حياتنا السياسية، سيكون عليهم دفع ثمن غالٍ للفاتورة التى صرفتها قياداتهم المسجونة والمطاردة، وأن الناس لن تقبلهم بسهولة، رغم ما يغترون به، وما يظنونه أعداداً ضخمة لهم فى بعض المسيرات، كما أنهم الآن ضد الجميع، ولا يزال (أغلب) المتحدثين باسمهم والمتعاطفين معهم فى العلن واللاعبين باسمهم فى شبكات التواصل الاجتماعى فى منتهى الغباء، بحيث لا يفرقون شيئاً عن أراجوزات يتم استخدامهم للنيل من 25 يناير. إخوان الزمن القادم عليهم أن ينسوا السياسة لو أرادوا العودة، عليهم أن يتوقفوا تماماً عن تفكيرهم القديم الذى أوردهم نهاية مأساوية غير متوقعة لجماعة كانت تحكم مصر حتى عدة أشهر مضت، عليهم أن (يضحوا) بوجوه وكوادر (لبّستهم فى حيطة) من أجل أن يستمروا، إذا أرادوا الاستمرار، ولن يكون ذلك سهلاً أبداً.. لا تضحيتهم، ولا محاولتهم الاستمرار. إخوان الزمن القادم عليهم أن يعرفوا أن أحداً لا يثق بهم سواهم، وأن المتعاطفين معهم من خارجهم إما متعاطفون مع دماء أريقت، وإما لخلاف مع العسكر، لكن لا أحد يتعاطف معهم لأنهم الأحق، فالواقع أنهم الأفشل، وإن لم تعترف بفشلهم فى إدارة أمور البلاد فعلى الأقل اعترف أنهم فشلوا فى الاستمرار أكثر من عام. إخوان الزمن القادم عليهم أن (يتطهروا) من كل الدماء، ومن كل التحالفات القذرة التى عقدوها، ومن كل الأحاديث المكررة والماسخة والمتاجرة بالدين، لأن تحويل الأمر لمعركة دينية جعلهم يدركون أنهم خاسرون، وأنهم أقل بكثير من أن يتحدثوا باسم هذا الدين.