بناية خرسانية لا يتجاوز ارتفاعها 3 طوابق، تحولت إلى «خرابة» يكسو جدرانها السواد الناتج عن إحراق جميع محتوياتها. إنها حالة قسم شرطة «الوراق» بعد اقتحامه من قبل عناصر الإخوان اعتراضاً على فض اعتصامى النهضة ورابعة العدوية، حسب «فتحى برعى» أحد شهود العيان الذى يعمل فى أحد المقاهى المواجهة لمبنى الشرطة القابع بمنطقة الوراق التابعة لمحافظة الجيزة. يقول «برعى»: النار امتدت إلى الساحة الجانبية الممتدة بجوار القسم، بما فيها من سيارات الترحيلات والبوكس والملاكى، بخلاف 16 سيارة أخرى متحفظاً عليها ودمرتها النيران. برج معدنى لشبكة الاتصالات اللاسلكية مشيد أعلى المبنى الأمنى المحروق، هو ما تبقى دون تدمير، حيث تعرضت الطوابق الثلاثة للقسم «البدروم والدور الأرضى والأول» لتدمير كامل للمبنى بكل محتوياته، على أيدى عناصر الإخوان الذين أرادوا الانتقام من الشرطة بعد فض اعتصاماتهم، بحسب محسن منصور، أحد سكان المنطقة الذى شهد عملية الاقتحام. بدأ الاعتداء على القسم بحسب رواية «منصور» حين حاصرت مجموعة يزيد عددها على ال150 شخصاً القسم، من بينهم 3 ملثمين يحملون السلاح الآلى، والعشرات منهم يحملون الشوم وزجاجات المولوتوف والحجارة، ليغلقوا الشارع فى العاشرة والنصف صباحاً، ويشتبكون مع قوات الأمن المكلفة بتأمين القسم، وتبادل الطرفان إطلاق الرصاص الحى، وتمكن الإخوان من محاصرة القسم بسبب زيادة عددهم. «قوات الشرطة لم تصمد أكثر من ساعة ونصف الساعة أمام الإخوان وأنصارهم وأصيب منهم ضابط وأمين شرطة»، ذلك ما تحدث عنه رضا حسن، البائع فى أحد المحلات المواجهة للقسم، قائلاً: المتظاهرون تعدوا على قوات الشرطة بالضرب بالشوم والعصى بعد السيطرة على المكان، ثم بدأوا فى تنفيذ الخطوة الثانية بالدخول إلى مبنى القسم وإشعال النار فيه، ولم يتركوا المكان إلا بعد إضرام النار فى جميع محتويات القسم. كان أنصار الإخوان، وفق شهادة حسام فتحى الطالب بكلية الهندسة وأحد أهالى المنطقة، يرددون شعارات معادية للشرطة وتطالب بالقصاص من رجالها، والانتقام رداً على فض اعتصامى النهضة ورابعة العدوية، مضيفاً: فور رحيل أنصار المعزول بعد حرق القسم، بدأ تجار الخردة وصبيانهم واللصوص فى استكمال المرحلة الثانية لتدمير القسم. ويشير «حسام» إلى غرفة بالطابق الأرضى بالقسم، قائلاً: «ده مكتب المأمور وبقى خرابة، زى ما أنت شايف كده، حتى أسلاك الكهرباء داخل الحوائط تمت سرقتها». وعلى بعد خطوات قليلة فى مواجهة مكتب مأمور القسم، يقبع مكتب مدير المباحث الذى لم يكن أفضل حالاً من سابقه، وكذلك استقبال القسم وثلاث غرف أخرى جانبية بنفس الطابق الأرضى، بينما الطابق الأول المكون من 10 مكاتب وصالات استقبال كبيرة، تحول إلى كنز للصوص وصبيان تجار الخردة، الذين سرقوا جميع محتويات المكاتب والغرف المتراصة على شكل حرف «u». شهود عيان أكدوا أن عملية النهب التى تعرض لها القسم بدأت بالأثاث وانتهت بالأسلاك النحاسية الممتدة داخل الجدران ما بين البداية والنهاية، كما استولى اللصوص على كل ما تقع عليه أعينهم من أبواب وشبابيك وغيرها، وحملوها على «عربات كارو» خارج القسم. أما «البدروم» يوجد به الحجز الرئيسى ويلاصقه 3 زنازين، سرقت أبوابها الحديدية، وفى الجهة المقابلة للبدروم كانت المخازن خاوية تماماً بعد أن تم الاستيلاء على كل محتوياتها، بينما تناثرت أوراق طلبات قدمها الأهالى للقسم للاشتراك فى قرعة الحج على الأرض وبجوارها محاضر الشرطة، وصور من الكشوف الانتخابية لقاعدة بيانات الانتخابات الرئاسية الأخيرة كما هو مذكور بها ووقفاً للتاريخ المدون عليها. طفل صغير لم يتجاوز 16 سنة كما يظهر على ملامح وجهه، يكسوه السواد من قدميه وحتى شعر رأسه، يظهر عليه الإجهاد ولا يكف عن النزول إلى البدروم، ليعاود بعدها الصعود من جديد محملاً ببعض الأسياخ الحديدية الخفيفة، حاله ينطبق على العشرات داخل أرجاء المكان فى نفس عمره وجسده الضعيف، وبعض الشباب أصحاب العقد الثالث من العمر، بالإضافة إلى بعض أهالى المنطقة والمارة يدخلون لاستكشاف المكان وما آل إليه حاله. لم يكن القسم ومحتوياته «الغنيمة الوحيدة» التى حصل عليها اللصوص بعد حرقه، لكن الساحات الثلاث التى تحيط بالقسم من اليمين واليسار وخلف المبنى، شهدت عملية سطو من نوع خاص، حيث كانت تتمركز سيارات الشرطة قبل حرقها، فقد اتجه اللصوص ناحيتها وقاموا بتفكيك مواتيرها وأبوابها، ونهب كل ما يسهل حمله منها. وما زالت عملية السرقة مستمرة حتى الساعات الأولى من صباح أمس الأول، أثناء زيارة «الوطن» للمبنى الأمنى دون أى اعتراض من أهالى المنطقة، أو فرض قوات الأمن سيطرتها مجدداً على القسم، وذلك رغم مرور 4 أيام على عملية الاقتحام، ليصبح المقر المسئول عن فرض الأمن فى منطقة الوراق مهجوراً ومحروقاً ومسلوباً ويثير الشفقة.