أسوأ ما فى المشهد الحالى أن يظهر أناس تحيط بهم علامات استفهام ويحملون جنسية «مثيرى الجدل» ليخلطوا الحابل على النابل، ويتفننوا فى التصنيف والتجنيب فى الساحة المصرية بصك 30 يونيو مع إهالة التراب على كل ما يمت إلى 25 يناير بصلة، هذه مقدمة واجبة تقودنا إلى وجهتنا «البرادعى» لنناصره أو ننقده أو نتعامل مع تصرفاته كمسئول عن الملف الخارجى فيما بعد 30 يونيو، فالمتعجلون للفض، المنتصرون لفكرة الشرعية الثورية التى وُلدت فى يونيو يعتبرون «البرادعى» المسئول الأول عن هذا التأجيل الذى قد يودى بالثورة إلى مآلات ضد رغبة الملايين فى مشاهد يونيو ويوليو، وهو تبرير لا يصح فى دولة تحكمها إرادة جديدة حكيمة ارتضت أن تجعل من خبرات الرجل الدولية دعماً لحركة الجماهير المصرية فى مقابل الهجمة الغربية المتوقعة تجاه القاهرة، فلم يكن صانع القرار بسذاجة تفسيرات الأغبياء الراغبين فى ركوب «يونيو» بأن الدفع بالبرادعى ليس إلا صفقة مع أمريكا لتمرير خارطة الطريق، فما فعلته أمريكا معنا طوال الفترة الماضية صك تبرئة للرجل الذى تحبه وتكرهه فى آن! قد يحب البعض الرجل لأنهم يعتبرونه ملهماً رسولاً للتغيير، فى حين يكرهه البعض الآخر بوصفه من مدرسة الياقات البيضاء التى تحاور الجماهير من وراء جُدر مع إشارات سلبية عن هواه الغربى، وعلى الضفتين تتأرجح الرؤى فالتعالى هنا يقابله صاحب الرؤية المستقبلية، والدهشة من طلاوة الحديث، والتقدير للمواقف تواجهه دعاوى غيابه عن مزاج عام يراه من وراء أسوار الكومباوند! الثأر من شخص البرادعى والرغبة الشريرة فى انتقاده قد تصح وتصبح جديرة بالنقاش والأخذ والرد إذا جاءت من أشخاص متسقين مع ذواتهم لا يملكون تاريخاً ملطخاً بعار الانتماءات ورائحة فساد مؤسسات وأجهزة سابقة، يتحدثون بالحق، وهم الأبعد عنه ويعبرون عن غايات الشعب النبيلة، وهم الأشخاص الخطأ للدفاع عن حق الجماهير الأسمى «الحرية»، الرجل لا يحمل بين جنبيه سوى إصرار التغيير والرغبة الملحة فى صلاح الحال مع تحفّظنا بالطبع إزاء تطرّفه الليبرالى فى ظل هذه اللحظة الاستثنائية التى تحتاج إلى الهيبة وإرادة القانون، الرغبات النبيلة لا تصيب دوماً أهدافها، ومن ثم لا يجب شيطنة أفعال الرجل دونما تقييم موضوع لما فعله لمصر قبل وبعد 30 يونيو! «ربنا يهدى البرادعى» قالها المسئول الرئاسى، ولم يشرح أو يفسر لى ما أراده، فقد كانت الإشارة كافية، لكن لا يمكن من خلالها الحكم على الرجل بهذه الأحكام القاسية التى يلوكها متطرفون، وتصل إلى الطعن فى وطنيته، الرجل يدافع عما يرى ويعتقد وتحمل العنت والشتويه والتصفية المعنوية طوال عهدى «مبارك ومرسى». كنت واحداً من منتقدى رخاوة ما بعد 30 يونيو وانتظار ما لا يجىء من البقعتين الخبيثتين فى «رابعة والنهضة»، ولكن لا أرى شيئاً فى الخلاف حول صناعة قرار خطير نتائجه ستحدد ملامح مصر المستقبل، ف«البرادعى» لا يتحمل الأمر بمفرده، فهناك مؤسسة رئاسة وحكومة بعض أعضائها رفضوا تحمل مسئولية القرار ومن ثم لا ينبغى أن نُلقى بالأوراق كلها فى سلة «البوب»! من الواجب أن نطرح أسئلة حول البرادعى لأنفسنا من قبيل «كيف رأيت أدائه خلال الفترة الماضية؟ ما تقييمك لمؤتمره مع أشتون؟ هل شعرت بأن هناك رجل دولة يتحدث بندية مع الآخر رغم الضغوط الهائلة على مصر؟ هل شعرت بأنه يزايد ويريد أن يكسب دوماً حتى لو على حساب الوطن؟ هل شعرت بأنه معطل للخارطة التى قررتها جماهير يونيو؟ هل ما زلت تراه منفصلاً عن واقعه ويمارس رؤية تخالف مزاجنا العام؟ هل تراه متطرفاً فى رؤيته ضاراً بمصالح مصر؟ هل تراه خياراً خطأ فى رهانات المستقبل؟ هل اقتنعت بما يردده البعض ضده عن هواه الغربى؟ هل تظن أنه سيستمر ويتحمل مسئوليته الوطنية رغم الضغوط؟ هل آمنت بأن بعض منتقديه أصحاب هوى أم أنهم منزهون؟ سيظل «البرادعى» مثيراً للجدل لأنه تركيبة تخالف شعبوية الجماهير وتنظر للمستقبل من باب الخبرة ولتسألوا العجوز «هيكل» عن إجابة سؤال البرادعى. البرادعى ليس شيطاناً ولا ملاكاً، فقط بشر يصيب ويخطئ وسيضعه التاريخ فى إحدى خانتين «المفرطون» أو «الملهمون»!