على الرصيف اجتمع الزعماء جمال عبدالناصر إلى جوار أنور السادات والملك فيصل والشيخ زايد آل نهيان والزعيم الهندى غاندى وجيفارا، جنباً إلى جنب عبد الوارث عسر وعادل إمام، نعم كل هؤلاء على رصيف واحد فى منطقة الحسين، لكن «أبيض وأسود». «أبيع الزعيم فمن يشتريه؟» ينادى على بضاعته كمن ينادى على الطماطم، يعرفه أهالى الحى ب«عم جمال الفنان»، فقد عودهم من فترة لأخرى على ظهور وجه جديد من سلسلة الزعماء يرسمه بالفحم، فيجد سريعاً من يشتريه: «كل واحد بيشترى لوحة لزعيم بيدوّر فيها على حلمه اللى مالقهوش تانى». أدواته لا تزيد على قلم فحم وورق لوحات وأستيكة، وصورة للزعيم الذى يريد رسمه؛ ينظر إليها من آن لآخر ليكتشف قسمات وتعبيرات يضيفها للوحته ربما لا تجدها فى الصورة الأصلية. سؤال من أحد زبائنه: «مش ناوى ترسم الريس الجديد؟»، فأجابه متردداً: «هوّ انا يعنى كنت رسمت القديم؟».. لم يفكر أبداً أن يرسم صورة لمبارك ليضعها إلى جوار لوحات الخالدين، ومبرره: «مين كان هيشترى له صورة؟ ما هو كان قارفنا فى عيشتنا، كمان هندفع فلوس فى صورته؟». «الريس الجديد باين عليه وشه حلو».. لا يقصد ملاءمة وجه مرسى للتصوير أو الرسم، فوجهه ليس من هذا النوع الذى يقال عنه «فوتوجونيك»، بل قصد تلك الحالة التى صنعها مرسى، يعبر عنها: «الطلبات على صورة الريس الجديد كترت من بعد فوزه، بصراحة ماكنتش متوقع الإقبال ده، ناس كتير طلبوه منى قبل ما يبقى رئيس، بس انا ما بارسمش محتملين». «الصورة هتبقى رخيصة، الصور الغالية بتكون بس للزعماء اللى ماتوا».. قرر أن تكون صورة الرئيس الجديد فى متناول الجميع؛ من يحبه و«من يتمنى له الغلط ودول كتير»، مؤكداً أنه ليس فقط المحبون هم من يدفعون أموالاً فى اللوحات إنما الكارهون أيضاً: «فيه ناس كتير بيشتروا السادات وهما مش بيحبوه بس عشان أثّر فيهم وعلّم عليهم، ومرسى كده برضه». أخذ مكانه على الرصيف، وضع الحامل الذى يثبت عليه اللوحات أثناء الرسم، جمع أقلامه ووضع صورة الريس بجانب اللوحة: «تعبت كتير عشان ألاقى صورة حلوة ليه على طول بيحطوله صور وحشة»، بدأ للتوّ فى رسم الصورة لم يكن يتوقع ما سيحدث، وجد تعليقات لم يكن يتوقعها؛ بعضها استحسان وبعضها الآخر استهزاء: «ارسم ارسم.. هتبقى آخر صورة ان شاء الله»، وآخر ينظر قليلاً ثم يقول: «ارسمه قبل ما يتشال، ما هو هيكون مصيره مصير محمد نجيب».. مجموعة من السائحين العرب التفوا حوله فى انتظار أن ينتهى: «بكم تبيعها يا أخى»، فلاشات الموبايل لبعض تجار الحى أخذت تتناقل الصورة حتى قبل أن تنتهى. أكثر ما يؤرقه مدى إعجاب الريس بصورته: «أول مرة أرسم رئيس وهوّ عايش، مش عارف لو ماعجبتوش ممكن يعمل فىَّ أيه».