استعادت مدينة رفح المصرية على الحدود مع قطاع غزة ماضيها "الهادئ" للمرة الأولى منذ سنوات إثر قيام الجيش بهدم غالبية الأنفاق الرابطة بين الجانبين. فاليوم لا يتجول فى شارعها الطويل الممتد من الشرق إلى الغرب سوى أهل المدينة وعدد قليل من الموظفين بالمصالح الحكومية ممن قدموا من محافظات مختلفة واستقروا بجانب مقار عملهم. عودة الزمن بمدينة رفح إلى الوراء جاء منذ نحو الشهر تقريبا على خلفية الخطوات التي اتخذها الجيش بإغلاق وهدم الأنفاق الأرضية التي تصل بين مصر وغزة وتستخدم في تهريب البضائع ومرور البشر بين الجانبين. وجاء التحرك المصري في إطار خطة لضبط الوضع الأمني في سيناء التي تشهد هجمات واسعة على قوات الشرطة والجيش ومصالح حكومية من جانب مسلحين مجهولين يعتقد أنهم "جهاديون"، وتصاعدت تلك الهجمات إثر عزل الرئيس السابق محمد مرسي في 3 يوليو الجاري. وصل عدد القتلى، الذين سقطوا على أيدي مسلحين مجهولين في سيناء، خلال 14 يوما، إلى 19 قتيلا بين مدنيين ومجندين وضباط في أكثر من 30 هجوما استهدف نقاط أمنية وأهداف عسكرية. ويحتضن الشريط الحدودي بين قطاع غزة ومصر مئات الأنفاق التي تستخدم في تهريب الوقود والبضائع إلى أهالي القطاع، البالغ عددهم نحو مليوني نسمة، المحاصر إسرائيليًّا منذ أواخر عام 2006. وتفرض إسرائيل حصارًا على قطاع غزة منذ ديسمبر 2006، تم تشديده عقب سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على القطاع منذ شهر يونيو2007. ومنذ إغلاق أغلب الأنفاق من جانب قوات الجيش لم يعد يأتي إليها الغرباء الذين كانت تعج بهم الشوارع في الماضي، بعضهم عابر للسفر من مصر إلى غزة أو العكس وبعضهم قادم لتسويق بضاعته وأكثرهم، جلبتهم أنشطة التهريب عبر الانفاق من كافة محافظات البلاد. محمد الشاعر، أحد الشباب المقيمين برفح، قال وهو يشير إلى فناء منزل على جانبه الشرقي حفره كبيرة وبجوارها كميات من الزلط، "هنا كانت تأتى ناقلات الزلط الضخمة لتلقي بحمولتها طول اليوم ويتم سحب الزلط من هذه الفتحة عبر سرداب إلى الناحية الأخرى حيث الأراضي الفلسطينية". ويضيف: في هذا المكان كان ما لا يقل عن 10 ناقلات تفرغ حمولتها يوميا ونحو 20 عاملا يتولون مهمة النقل وأغلبهم يأتون إلى رفح من شتى بقاع مصر ويقضون يومهم بجانب فتحة النفق أو بداخله ولا يخرجون إلا للاستراحة والنوم القليل في غرف يستأجرونها بين مساكن الأهالي. ومضى محمد الشاعر قائلا: قوات الجيش أغلقت هذا النفق قبل عدة أيام ثم عادت بعد يومين بصحبة حفار وتم ردم الفتحة وهدمها وقبل هذا الإجراء، استدعت أجهزة الأمن صاحب النفق وطلبت منه وقف كافة أنشطة التهريب التي يقوم بها وإلا سيكون العقاب هو الاعتقال . "مسلم مصطفى"، و"ياسر محمود "، و"عبداللطيف عيد" شباب من مناطق تجاور مدينة رفح قالوا إنهم ضحية إغلاق الأنفاق التي كانت تمثل مصدر رزق لهم. هؤلاء الشباب كانوا يعملون لصالح أحد التجار في رفح والذي يشتري بضائع بكميات كبيرة، وتصل إلى مستودع بالقرب من الحدود وكانت مهمتهم هي تفريغ هذه البضائع وإعادة تعبئتها في أكياس بلاستكية حيث تمرر عبر الأنفاق، لكنهم الآن بلا عمل بعد أن تم هدم النفق الذى كانت تنقل منه هذه البضائع. "السيد سليم "، عامل بناء قادم من أسيوط، يقول إنه ومئات آخرون من محافظات الجنوب تركوا عملهم التقليدي في مجال المعمار منذ نحو 3 سنوات، واختاروا العمل في نقل البضائع بأنفاق رفح مقابل 300 جنيه يوميا (نحو45 دولار). غير أن هذا العمل توقف منذ نحو شهر تقريبا، وقرروا جميعا المغادرة حتى لا تسألهم سلطات الأمن عن المواقع التي كانوا يعملون فيها في حال الاشتباه فيهم. ويقول "شادي"، وهو أحد سكان رفح، عن الوضع الحالي في مدينته إنها أصبحت "شبه خالية" من الأنفاق بعد أن أغرقتها قوات الجيش، مشيرا إلى أن الجيش لا يكتفي بردم فتحة النفق فقط، ولكنه يتتبع مسار النفق ويقوم بإغراقه بالمياه كاملا حتى يقضي عليه تماما. ويعبر أحد أصحاب الأنفاق، والذي رفض ذكر اسمه، عن صدمته إزاء الإجراءات الأخيرة للجيش ضد الأنفاق، لافتا إلى أن أصحاب الأنفاق كانوا يعتقدون أنها مراوغة سياسية وستزول ولكن ما فعله الجيش يؤكد أنه "جاد جدا هذه المرة". ويشير في الوقت نفسه إلى أن أصحاب أنفاق رفح وبعد أن حققوا مكاسب طائلة منها بدأوا مؤخرا حفر أنفاق جديدة كلفتهم أموالا طائلة لكنها هدمت جميعا ما عرضهم لخسائر فادحة. ويقول إن الحملة الأخيرة شهدت إغلاق عشرات الأنفاق التي تكلفت ملايين الدولارات حيث أقيمت بتحصينات ضخمة كانت تسمح أن يتم عبرها نقل سيارات وحمولات كبيرة، مضيفا "كما تم ردم 300 نفقا بأحجام مختلفة". ورغم أن أصحاب الأنفاق والعمال لا يخفون غضبهم من خطوة الجيش التي أفقدتهم مصدر رزقهم، لكن غالبية سكان المدينة يعبرون عن سعادتهم إزاء تلك الإجراءات باعتبارهم غير مستفيدين من نشاط التهريب، بل ويشعرون بالضرر منه. ويقول صابر ياسين، أحد السكان، إن نشاط التهريب قضى على كل شئ جميل فى رفح.. فشوارع المدينة تعاني من ضغط الشاحنات وهوائها يشكو انتشار الغبار المتطاير من مواد البناء والتي يتم تشوينها بين بيوت الأهالي، مشيرا إلى أن التلوث تسبب في ارتفاع نسبة المصابين بالربو وضيق التنفس. كما يشكو كذلك من أن التهريب جعل من المدينة ممرا لغرباء لا يعرف من هم؟ وما سبب مرورهم؟، وكلها أمور كانت تثير الخوف لدى السكان. من جانبه قدر مصدر أمنى برفح نسبة الأنفاق التي تم تدميرها بنحو 90% من مجموعها، مضيفا أن "المعركة مستمرة للقضاء عليها تماما"، بحسب قوله. ويلفت إلى تطور طرق القضاء على الأنفاق بتتبع كافة المرافق الأخرى التي تقام للمساعدة في هذا النشاط، ومنها خزانات أرضية للبضائع وأسوار كانت تستخدم لتخزين الوقود قبل نقلة أو تشوين مواد البناء إضافة إلى التدقيق فى هوية كل من يتواجد على أرض رفح من غير أهلها أو المقيمين للعمل أو الزيارات . وحذر المصدر من أن السلطات الأمنية "جادة للغاية" في وقف هذا النشاط بهدم الأنفاق تماما، وتوجيه إنذارات للقائمين على هذه الأنشطة، مشيرا إلى أن الأمن أعد قائمة بأسمائهم وفي حال إصرارهم على مزاولة النشاط سيتم ملاحقتهم أمنيا وقضائيا بتهم التهريب وتسهيل عمليات تسلل أجانب إلى مصر. وأدى إغلاق عدد كبير من الأنفاق إلى تضرر سكان قطاع غزة المحاصر من إسرائيل منذ العام 2007، حيث يعتمد هؤلاء على الحصول على سلع رئيسية، كالوقود، عن طريق تهريبها من الأنفاق.