حصلت "الوطن" على نص كلمة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان كاملة التي ألقاها خلال لقائه البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك القداسة المرقسية. "قداسة البابا، أيها الأخ الحبيب للغاية، لقد احتفلنا مؤخرا بعيد القيامة المجيد، محور الحياة المسيحيةّ، وحظينا هذه السنة بنعمة الاحتفال به في نفس اليوم. فقمنا هكذا وبتآلف بإعلان بشارة القيامة، إذ عشنا، بشكلٍ ما، تجربة التلاميذ الأولين، الذين معًا في ذاك اليوم (ابتهجوا لرؤية الربّ)". "وقد اغتنى هذا الفرح الفصحيّ اليوم بنعمة السجود سوياًّ للربّ القائم من بين الأموات بالصلاة، وبتبادل قبلة المحبةّ المقدّسة وعناق السلام مجدّدًا، باسمها، وإني ممتنٌّ للغاية لهذا: فبمجيئي إلى هنا كزائر، كنت على يقين، من أنيّ سأحصل على بركة أخ ينتظرني، عظيما كان التطلع إلى أن نلتقي مجدّدًا: في الواقع، إني أحتفظ في قلبي بذكرى حيةّ لزيارة قداستكم إلى روما، بعد فترة وجيزة من انتخابي يوم 10 مايو 2013 ، هذا التاريخ الذي أصبح، على نحو سعيد، مناسبة نحتفل فيها كلّ عام بيوم الصداقة القبطيةّ-الكاثوليكيةّ". "في فرح الاستمرار بأخوّة في مسيرتنا المسكونيةّ، أود أن أتذكر، وقبل كل شيء، تلك العلامة الفارقة في تاريخ العلاقات بين كرسي القديس بطرس وكرسي القديس مرقس، أي البيان المشترك الذي وقّعها أسلافنا قبل أكثر من أربعين عامًا، في 10 مايو 1973 . ففي ذلك اليوم، بعد قرون عصيبة من التاريخ، حيث ظهرت اختلافات لاهوتية، غذّتها وألهبتها عوامل ذات طابعٍ غير لاهوتي، وكذلك غياب عام للثقة في التعامل، فقد حان الوقت، بمعونة لله، لاعترافنا معًا بأنّ المسيح هو "إله حقٌّ نسبة لألوهيتّها، وإنسانٌ حقٌّ نسبة لبشريتّها" (البيان المشترك الموقع من قداسة البابا بولس السادس وقداسة البابا الأنبا شنودة الثالث، 10 مايو 1973)، وليست أقل أهميةّ، وملائمة لزمننا الحالي، الكلمات التي تسبق هذا الإقرار مباشرة، أي تلك التي من خلالها اعترفنا "بربنّا وإلهنا ومخلصّنا وملكنا كلنّا، يسوع المسيح". بهذه العبارات، أعلن الكرسي المرقسي والكرسي البطرسي ربوبيةّ يسوع: واعترفنا معا بأننا ننتمي إلى يسوع، وبأنها كل شيء بالنسبة إلينا. علاوة على ذلك، أدركنا أننا، ولكوننا ملكًا لها، لا يمكننا بعد الآن أن يسير كلّ مناّ في طريقها، لأننا هكذا نخون إرادتها: بأن يكونوا 21 )، فأمام عيني الرب، الذي يريدنا "كاملين في الوَحَدة" (آية 23)، لم يعد، "جميعًا […] شيئًا واحدًا […] كي يؤمن العالم" (يو 17). بإمكاننا الاختباء وراء ذرائع وجود اختلافات في التفسير، ولا حتى خلف قرون التاريخ والتقاليد التي جعلتنا غرباء، فكما قال هنا قداسة البابا يوحنا بولس الثاني: "لم يعد لدينا وقت نضيعّها في هذا الصدد! وحدتنا في الربّ يسوع المسيح الواحد، وفي الروح القدس الواحد، وفي المعمودية الواحدة، تمثلّ بالفعل واقعًا عميقاً وأساسياً" (حديث أثناء اللقاء المسكوني، 25 فبراير 2000 ). لا وجود، بهذا المعنى، لمسكونيةّ قائمة على الأفعال والكلمات والالتزام وحسب، بل هناك مسكونية قائمة بالفعل، تنمو يومياًّ في العلاقة الحيةّ مع ربنّا يسوع،17): باختصار، "رَبٌّ ، وتتجذّر في الإيمان المعلن، وتقوم فعلياًّ على سرّ معوديتّنا، أي على كوننا في المسيح "خليقة جديدة" (را. 2 قور 55)، من هنا ننطلق دائمًا، لاستعجال ذاك اليوم المنشود للغاية، والذي فيها سنكون في وحدة ، وَاحِدٌ، إيِمَانٌ وَاحِدٌ، مَعْمُ ودِيةَّ وَاحِدَة" (أف 4) مرئيةّ وكاملة على مذبح الربّ. فنحن لسنا وحدنا، في هذه المسيرة المشوقة والتي – على مثال الحياة – ليست دائمًا سهلة وواضحة، والتي من خلالها يحثنا الربّ للمضي قدمًا. ترافقنا جوقة هائلة من القدّيسين والشهداء، -المتحّدين فيما بينهم اتحادًا تامًا – وتدفعنا لأن نكون، منذ الآن، صورة حيةِّ 26)، ومن بين هؤلاء، يفرح اليوم بشكل خاص بلقائنا، القديسان بطرس ومرقس. فالرباط الذي يجمعهما هو، "لأورشليم السماوية" (غل 4 عظيم) يكفي أن نفكّر في أن القدّيس مرقس قد وضع في قلب إنجيله فعل إيمان بطرس: "أَنْتَ هو الْمَسِيحُ!" والتي كانت إجابتها على سؤال 29)، وما زال هناك اليوم أيضًا الكثير من الأشخاص الذين لا يعرفون ، يسوع – سؤال ما زال حالياًّ-، "وَأنَْتمُْ، مَنْ تقَوُلوُنَ إنِيِّ أنَاَ؟" (مر 8) الإجابة على هذا السؤال؛ بل وقلّ أيضًا حتى مَنْ يطرح هذا السؤال، وخصوصًا مَنْ يقدم، من خلال إجابتها، فرحَ معرفة يسوع، هذا الفرح الذي حظينا بنعمة إعلانها سوياًّ. نحن مدعوّون إذا لأن نشهد للمسيح معًا، وأن نحمل للعالم إيماننا، قبل كل شيء بأسلوب الإيمان الخاص: أي بعيشها، لأن حضور يسوع ينتقل عبر الحياة ويتكلمّ لغة المحبةّ المجّانيةّ والملموسة، فبإمكاننا دائمًا، أقباطاً أرثوذكسيين وكاثوليكًا، أن نتكلمّ معً ا أكثر فأكثر لغة المحبةّ المشتركة هذه: ومن الجميل أن نسأل أنفسنا، قبل القيام بمبادرة خير، إن كان بإمكاننا أن نقوم بها مع إخوتنا وأخواتنا الذين يتشاركون معنا بالإيمان بيسوع، هكذا، ببنائنا الشركة عبر الواقع اليوميّ الملموس لشهادتنا المعاشة، لن يتوانى الروح في جعل العناية الإلهية تفتح أمامنا دروبها بطرق غير متوقعة. بهذا الروح الرسولي البناَّء، ما زلتم، يا صاحب القداسة، تعيرون الكنيسة القبطية الكاثوليكية اهتمامًا خاصًّا أصيلًا وأخوياًّ: وهو قُرْبٌ –أعبرّ عن أمتناني الكبير من أجلها– والذي قد ترُجِم بطريقة تستحقّ الثناء من خلال إنشاء المجلس الوطني للكنائس المسيحية الذي أنُشِّئ بهدف أن يتمكّن المؤمنون بيسوع من أن يعملوا معًا أكثر فأكثر، لصالح المجتمع المصري بأسره، كما أعرب عن تقديري الكبير لكرم الضيافة الذي قدمتموه للقاء الثالث عشر للجنة الدولية المشتركة للحوار اللاهوتي بين الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الأرثوذكسية الشرقية، والذي عقد هنا العام الماضي تلبية لدعوتكم. إنها لعلامة جيدة أن تكون قد انعقدت الجلسة التالية هذا العام في روما، وكأنها تعبير عن الاستمرارية الخاصة القائمة بين الكرسي المرقسي والكرسي البطرسي (13) بيد، يبدو القديس بطرس، في الكتاب المقدس، وكأنها، بطريقة ما، يتبادل محبتّها مع القديس مرقس، إذ يدعوه "ابني" ( 1 بط 5). أن العلاقات الأخوية بين الإنجيلي مرقس وأنشطتها الرسولية تخصّ أيضًا القديس بولس، الذي، قبل استشهاده في روما، يتكلمّ عن مرقس (10)، محبة أخوية وشركة الرسالة: إنهما الرسالتان ، 23 ؛ قول 4 ، 11) ويستشهد به مرارًا (را. فل 1 ، وعن خدمتها المفيدة (را. 2 طيم 4) اللتان تستودعنا إياهما كلمة لله وجذورنا، إنهما البذرتان الإنجيليتان اللتان يسرّنا أن نستمرّ في إروائهما وجعلهما ينموان معًا، بعون لله (7-6) (را. 1 قور 3). إن ما يدعم نضوج مسيرتنا المسكونية، وبطريقة سرّية وحاليةّ للغاية، هو أيضًا مسكونية الدم الحقيقية والفعليةّ. كتب القديس يوحنا (5). بالماء والدم: أي بعيش حياة جديدة في المعمودية ، 6)؛ ومَن يؤمن به، هكذا “يَغْلِبُ الْعَالمََ” (1 يو 5، أن يسوع "أتَىَ بِمَاءٍ وَدَمٍ" ( 1 يو 5) المشتركة، حياة محبةّ دائمة وللجميع، وحتى بثمن تضحية الدم، وكم مِن الشهداء في هذه الأرض، منذ القرون الأولى للمسيحية، عاشوا الإيمان بطريقة بطوليةّ حتى المنتهى، مفضّلين سفك دمهم على إنكار الربّ والاستسلام لإغراءات الشرّ أو حتى لتجربة الردّ على الشرّ بالشرّ، يشهد على ذلك بطريقة جليلة سنكسار الكنيسة القبطية، وتمّ مؤخرًا، وللأسف، إراقة دم بريء لمصلّين عزل وبقسوة، أيها الأخ الحبيب للغاية، كما أن أورشليم السماوية هي واحدة، فإن سنكسار شهدائنا هو كذلك واحد، وآلامكم هي أيضًا آلامنا: إن دمائهم الذكية توحدنا، مستمدّين القوّة من شهادتكم، دعونا نعمل على التصدّي للعنف، كارزين بالخير وباذرينها، وعاملين على نموّ التوافق ومحافظين على الوَحَدة، ومصلينِّ كيما تفتح التضحيات العديدة الطريقَ أمام مستقبل شركةٍ تامة فيما بيننا وسلامٍ للجميع. إن تاريخ القداسة الرائع في هذه الأرض ليس فريدًا لارتباطها بتضحية الشهداء وحسب. فما أن وضعت الاضطهادات القديمة أوزارها، نشأ شكلٌ جديدٌ من الحياة، المكرسة للرب، حياة لا تحتفظ بأي شيء لنفسها: فمن قلب الصحراء، أشرقت الحياة الرهبانية. هكذا، 22)، أتت معجزة حياة جديدة، جعلت – 21، فبعد الآيات العظيمة التي صنعها الربّ في الماضي في مصر وفي البحر الأحمر (را. مز 106) الصحراء تزهر بالقداسة، وإكرامًا لهذا التراث المشترك جئت كزائر لهذه الأرض، حيث الربّ نفسها أحبّ المجيء: هنا نزل، ببهاءٍ، على (14 ، 16)، وهنا، طفلا، وبكل تواضع، وجد ملجأً (را. متى 2، جبل سيناء (را. خر 24) يا صاحب القداسة، أيها الأخ الحبيب للغاية، ليهبنا الربّ ذاته أن ننطلق اليوم مجدّدًا كحجّاج شَرِكةٍ وكمبشّري سَلامٍ. ولتأخذ بيدنا، في هذه المسيرة، تلك التي، على هذه الأرض، رافقت يسوع، والتي أطلق عليها التقليد اللاهوتي المصري العريق، منذ القدم، لقب والدة الإله. ففي هذا اللقب تتوحّد بطريقة رائعة الإنسانية والألوهية، لأنها، في والدة لله، قد صار إنسانا إلى الأبد، ولنطلب من العذراء القدّيسة، والتي تقودنا دومًا إلى المسيح، لنطلب من تلك السيمفونية الكاملة بين الإلهي والإنساني، أن تأتي بقليل من السماء على أرضنا.