تأكدت وأيقنت القوى السياسية بعد ممارسات الإخوان الفاشية منذ توليهم الحكم، بأن إحساس الإخوان بالقانون وبالزمن فى منتهى الضعف ولكن تصريحات الإخوان الأخيرة أكدت لى أن إحساسهم بالتاريخ أيضاً ضعيف، وها هو عصام العريان لا يختار من تاريخ الزعيم جمال عبدالناصر لكى يهاجمه إلا حادثة إعدام خميس والبقرى عاملى كفر الدوار عندما صرح وقال «عبدالناصر بدأ عهده بقتل اثنين من العمال هما «خميس» و«البقرى» بتنظيمه محاكمة صورية لهما، فى الوقت الذى أنهى فيه عهده بنحر أقرب الناس إليه رفيق عمره (عبدالحكيم) عامر بمحاكمة عرفية ثورية»، هذا الاختيار بالذات يؤكد ضعفه فى الاقتباس من التاريخ، وبالطبع من لا يستطيع قراءة التاريخ بصورة صحيحة لن يستطيع أن يمارس السياسة بصورة رشيدة، واختيار العريان لهذه الحادثة التى ندينها جميعاً، وهى من وجهة نظرى سقطة مبكرة للثورة التى لم تكن قد وجهت بوصلتها الحائرة بعد إلى قبلة الجماهير والشعب والغلابة من العمال والفلاحين التى انحازت لهم فيما بعد، اختيار العريان التاريخى هو اختيار يرد السهم المسموم إلى صدره؛ لأن الإخوان للأسف وانطلاقاً من اتجاههم اليمينى المعادى بطبيعته للاشتراكية وحقوق العمال هم لاعبون أساسيون ومشاركون مساهمون أصلاء فى هذه المذبحة، فقد كان رئيس المحكمة كادراً إخوانياً معروفاً وهو الضابط عبدالمنعم أمين، وكان أكبر المحرضين بقلمه الديناميتى على حكم الإعدام المفكر الإخوانى سيد قطب الذى ينتمى إليه جناح الإخوان الحاكم وتياره القابض على السلطة بمن فيهم الرئيس نفسه، ولن أقدم رأياً أو تحليلاً ولكنى سأقدم اقتباسات من مقالات سيد قطب فى هذه الفترة لنسهم فى إنعاش الذاكرة التاريخية للعريان ورفاقه لعلهم يعرفون أن التاريخ أحياناً يكرر نفسه فى صورة مأساة أو أحياناً على شكل مهزلة، يقول سيد قطب فى مقال له بجريدة «الأخبار» بتاريخ 15 أغسطس 1952 «هذه الحوادث المفتعلة فى كفر الدوار لن تخيفنا، لقد كنا نتوقع ما هو أشد منها، إن الرجعية لن تقف مكتوفة الأيدى وهى تشهد مصرعها»، وأضاف «فلنضرب بسرعة، أما الشعب فعليه أن يحفر القبر وأن يهيل التراب»، وفى مقال نشرته مجلة الإذاعة المصرية فى عددها 910 الصادر فى 23 أغسطس 1952 يقول «لا أريد أن أصدق أن الأيادى التى بنت الوطن ولا تزال تبنيه، يمكن أن تمتد إلى هذا الوطن فتهدمه أو تحاول هدمه، لا أريد أن أصدق أن العمال الذين حملوا لواء الثورة منذ بدء النهضة هم الذين يمزقون اليوم علم الثورة أو يحاولون تمزيقه، الله جلت قدرته لم يشأ أن يتركنا وحدنا، لقد تقدم الجيش، تقدماً لا ليقف على الحياد فى معركة التحرير، ولا ليسهم فيها معنا، بل لينهض بها فى الطليعة ليحطم الطغيان ويطرد الطاغية.. ليقوض أركان النظام الإقطاعى.. ليستخلص للمواطنين المعذبين فى جحيم الإقطاع أرضهم التى رووها بالعرق والدماء واختلطت تربتها برفات الأجداد والآباء، يستخلصها من براثن الإقطاعيين فيردها على عمال الأرض، الذين كانوا إلى ما قبل أسبوعين فقط أرقاء، تقدم الجيش لتحقيق ذلك الحلم الذى طالما داعب خيالنا طويلاً، والذى كنا ننظر إليه ونتطلع فنراه بعيداً بعيداً، تقدم الجيش فصنع المعجزة، تقدم ليقول لرأس الرجعية: ارحل ارحل من هذه الأرض الطيبة التى دنست ثراها، وبقى رجال الجيش فى الجهاد هم هم لم ينالوا مالاً ولا جاهاً، حتى لقد رفضوا الرتبة التى فرضت على قائدهم والمطلب الوحيد الذى طلبه الجيش لنفسه كان هو رفع مستوى الجنود والصولات، كان هو رفع مرتبات إخوتكم أنتم أبناء الشعب، أيها الزملاء.. إن الذين يحرضونكم اليوم هم أنفسهم الذين امتصوا دماءكم بالأمس فحذارِ أيها الزملاء من أن تكونوا لهم مخلب قط، حذار أيها الزملاء أن تطعنوا حراس الحرية من الخلف، حذارِ أيها الزملاء أن تقتلوا الحراس ليستبد بكم اللصوص، اقبضوا أنتم على من يسعون بينكم بالدسيسة، أنتم الذين يجب أن تقطعوا الأصابع الملوثة، أصابع المستغلين والاستعماريين التى تتقدم إلى بعضكم بالمال الحرام، لتطعنوا قضيتكم وتخونوا أماناتكم، لا تصدقوا الخونة الذين يريدون أن يلوثوا جلال الحركة الوطنية، حركة الحرية، حركة العدالة، حركة الشعب، وأنتم بناة الشعب أيها العمال». هذا يا دكتور عصام ما خطه قلم أستاذك سيد قطب، وحرض به رجال الثورة على إعدام خميس والبقرى من خلال رئيس محكمة إخوانى!.