في المقال التالي الذي نشرته مجلة الإذاعة المصرية في عددها 910 الصادر في 23 اغسطس 1952 أثناء محاكمة قادة اضراب عمال كفر الدوار أمام محكمة عسكرية والتي انتهت باعدام خميس والبقري كتب سيد قطب المفكر الإسلامي المعروف وقائد تنظيم الإخوان المسلمين الذي حوكم أعضاؤه وهو منهم في عام 1965، وحين كتب هذه المقالة ولم يكن في ذلك الوقت قد انضم لجماعة الإخوان، وكان علي صلة وثيقة مع قادة ثورة 23 يوليو التي انقلب عليها فيما بعد. أيها العمال يا بناة الوطن، يا طلائع الحرية.. إنني لا أريد أن أصدق، لا أريد أن أصدق أن تلك الأحداث التي وقعت في كفر الدوار هي من صنع أيديكم أو أيدي بعضكم بحال من الأحوال. لا أريد أن أصدق أن أيادي العمال الطاهرة، هي التي تلطخت بالدماء، أو يمكن أن تلطخ. لا أريد أن أصدق أن الأيادي التي بنت الوطن وماتزال تبنيه، يمكن أن تمتد إلي هذا الوطن فتهدمه أو تحاول هدمه. لا أريد أن أصدق أن العمال الذين حملوا لواء الثورة منذ بدء النهضة هم الذين يمزقون اليوم علم الثورة أو يحاولون تمزيقه. لا أريد أن أصدق أن العمال الذين طعنوا الاستعمار في القنال أول طعنة هم الذين يكونون مدية بيد الاستعمار يطعن بها الوطن ونهضة الوطن من الخلف في الظلام! أيها العمال.. إن الذي يخاطبكم اليوم رجل تعرفونه، إنه واحد من المكافحين مثلكم في صفوف الحرية، واحد من الذين هاجموا الطغيان في عنفوانه دفاعا عنكم، دفاعا عن الكادحين جميعا، دفاعا عن الجهد والعرق والدماء التي تبذلونها لتصاغ من دمائكم يواقيت تقدم للغواني، ويقطر من عرقكم كئوس في الليالي الحمراء. هذا الرجل الذي كافح معكم يندي جبينه اليوم خجلا من بعضكم خجلا من الخيانة لرتبة الوطن العظيمة، دون مبرر، ودون سبب مفهوم، ودون ترو أو تعقل. لقد كان أقصي رجائنا – ونحن نكافح الطغيان معكم ومن أجلكم – بل كان أقصي خيالنا، أن يقف الجيش علي الحياد في يوم من الأيام، فيتركنا نواجه الطغيان والطغاة، نواجه الإقطاعية والرأسمالية، نواجهها وحدها باسم الشعب ولحساب الشعب. لم نكن نحلم أن يكون الجيش في صفنا إلا بعد أمد طويل، كنا نقدر أن عشرات الألوف من الضحايا ستخر صراعي في معركة التحرير كنا نقدر أن عشرات الرءوس سيطاح بها قبل أن تنتصر الحرية.. كنا نعرف مدي قوة الرجعية في هذا الوطن، ونعرف أننا وحدنا في الصراع. ولكن الله جلت قدرته لم يشأ أن يتركنا وحدنا، لقد تقدم الجيش، تقدما لا ليقف علي الحياد في معركة التحرير، ولا ليساهم فيها معنا، بل لينهض بها في الطليعة.. ليحطم الطغيان ويطرد الطاغية.. ليقوض أركان النظام الإقطاعي.. ليستخلص للمواطنين المعذبين في جحيم الإقطاع أرضهم التي رووها بالعرق والدماء واختلطت تربتها برفات الأجداد والآباء، يستخلصها من براثن الإقطاعيين فيردها علي عمال الأرض، الذين كانوا إلي ما قبل أسبوعين فقط أرقاء. تقدم الجيش لتحقيق ذلك الحلم الذي طالما داعب خيالنا طويلا، والذي كنا ننظر إليه ونتطلع فنراه بعيدا بعيدا. تقدم الجيش فصنع المعجزة، تقدم ليقول لرأس الرجعية: ارحل ارحل من هذه الأرض الطيبة التي دنست ثراها. تقدم ليقول للمستغلين: إلي هنا وكفاكم استغلالا وامتصاصا لدماء الكادحين. تقدم ليقول للطبقات الكادحة في الشعب: أنا منكم وأنتم مني، فأنتم الشعب الذي باسمكم عزلت الملك.. أنتم الشعب صاحب الجلالة الوحيد في هذه الأرض، أنتم الشعب سيد هذا الوادي. وبقي رجال الجيش في الجهاد هم هم لم ينالوا مالا ولا جاها، حتي لقد رفضوا الرتبة التي فرضت علي قائدهم والمطلب الوحيد الذي طلبه الجيش لنفسه كان هو رفع مستوي الجنود والصولات، كان هو رفع مرتبات إخوتكم أنتم أبناء الشعب. أيها الزملاء.. لقد بزغ فجر الحرية، لقد طلع الصبح، لقد زال الكابوس.. وكله كان لحسابكم أنتم، أنتم الكادحون، أنتم الذين كنتم دائما طلائع الحرية، فكيف يمكن أن أصدق، أنكم أنتم تنقلبون أو ينقلب بعضكم بين يوم وليلة حربا علي الحرية، وحربا علي طلائع الحرية. أيها الزملاء.. إن ضمير الشعب كله يستنكر هذه الجريمة التي تلوث صفحة العمال البيضاء، إن الذين دافعوا عن قضيتكم طويلا يطأطئون رءوسهم اليوم خجلا.. إنكم تخسرون أشد أنصاركم تحمسا لكم لو سرتم في هذا الطريق. أيها الزملاء.. إن الذين يحرضونكم اليوم هم أنفسهم الذين امتصوا دماءكم بالأمس فحذار أيها الزملاء من أن تكونوا لهم مخلب قط، حذار أيها الزملاء أن تطعنوا حراس الحرية من الخلف، حذار أيها الزملاء أن تقتلوا الحراس ليستبد بكم اللصوص. اقبضوا أنتم علي من يسعون بينكم بالدسيسة، أنتم الذين يجب أن تقطعوا الأصابع الملوثة، أصابع المستغلين والاستعماريين التي تتقدم إلي بعضكم بالمال الحرام، لتطعنوا قضيتكم وتخونوا أماناتكم. لا تصدقوا الخونة الذين يريدون أن يلوثوا جلال الحركة الوطنية، حركة الحرية، حركة العدالة، حركة الشعب، وأنتم بناة الشعب أيها العمال